كتاب قانون الإيمان لقداسة البابا شنودة الثالث الجزء(6)
15- إله حق من إله حق
إله حق، أي له طبيعة الله بالحق. وليس مثل الذين دعوا آلهة بمعني سادة، وليسوا هم آلهة بالحقيقة.
* مثل موسى النبي الذي قال له الله " جعلتك إلها لفرعون" (خر 7: 1) كلمة إله هنا لا تعني أنه خالق، أو أنه أزلي، أو أنه قادر علي كل شئ!! كلا، بل إن موسى قال عن نفسه " لست أنا صاحب كلام، لا اليوم ولا أمس ولا أول من أمس.. أنا ثقيل الفم واللسان" (خر 4: 10) وقال "أنا أغلف الشفتين. فكيف يسمع لي فرعون؟!" (خر 6: 30). فقال له الرب " جعلتك إلها لفرعون" (خر 7: 1) بمعني سيدا له ومتسلطا عليه. وليس بمعني أنه إله حقيقي.
* وبنفس الوضع قال الرب لموسى الثقيل الفم واللسان. إنه قد أعطاه هرون أخاه، ليكون له فما. فقال له: " تكلمه وتضع الكلمات في فمه. وأنا أكون مع فمك ومع فمه.. هو يكلم الشعب عنك. هو يكون لك فما. وأنت تكون له إلها" (خر 4: 15، 16). تكون له إلها، بمعني أن توحي إليه بما تريد أن تقول. وليس بمعني إله حقيقي يخلق. فهرون كان أكبر سنا من موسى. وكان موجودا قبل موسى.
كذلك استخدمت كلمة (آلهة) عن آلهة الأمم، وعن كثير من البشر الذين دعوا أبناء الله.
فقيل في مزمور 82 "الله قائم في مجمع الآلهة. في وسط الآلهة يقضى. إلي متي تقضون ظلمًا وترفعون وجه الأشرار"؟! ولاشك أن هؤلاء الظالمين لم يكونوا آلهة حقيقيين!! ولكنهم تصرفوا كما لو كانوا آلهة! ويقول في نفس الإصحاح "ألم أقل إنكم آلهة وبني العلي تدعون. ولكنكم مثل البشر تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون" (مز 82: 6، 7) وطبعا الذين يموتون ويسقطون، ليسوا هم آلهة بالحقيقة، ولكنهم دعوا كذلك.
أيضا قيل في المزامير "الرب إله عظيم، ملك كبير علي كل الآلهة" (مز95: 3) أي من يسميهم الأمم آلهة، وهم ليسوا آلهة حقيقيين.
وأيضًا قيل "الرب عظيم وممجد جدًا، مهوب من كل الآلهة. لأن كل آلهة الأمم شياطين" (مز 96: 4، 5). وقيل في ترجمه أخري "لأن كل آلهة الشعوب أصنام"، ومع ذلك أخذوا لقب آلهة ليسوا آلهة حقيقيين..
ولكن السيد المسيح هو إله حق، أي له كل صفات الألوهية:
فهو أزلي خالق، قادر علي كل شيء، موجود في كل مكان، غير محدود.. فاحص القلوب والكلى، قدوس، رب الأرباب، غافر الخطايا.. إلي آخر كل تلك الصفات الخاصة بالله وحده.
وأحيل القارئ في هذه النقطة إلي كتابنا لاهوت المسيح المنشور هنا في موقع الأنبا تكلا.
وذلك حتى لا أكرر الكلام. و حيث تثبت للسيد كل هذه الصفات الإلهية، سواء ما ذكر عنها الإنجيل، أو ما برهنت عنه أعماله إلهية.. أنظر كمثال ( رو9: 5)، (يو 1: 1)، (1تي 3: 16)، (أع 20: 28) وما قيل عنه من حيث هو الأول والأخر (رؤ 1: 8، 11، 17).. الخ.
إله حق من إله حق.
أي أنه إله حق، مولود من الآب الذي هو أيضًا إله حق. فكلًا من الآب والابن إله حقيقيي له كل صفات الألوهية، وكل قدراتها، وكل المجد والقدرة، إلي أبد الآبدين.
وليست كلمة (إله) هنا مجرد لقب كما قيل عن آلهة الأمم أو كما قيل عن بعض البشر.
******16- مولود غير مخلوق
السيد المسيح -كما قال القديس أوغسطينوس- له ميلادان: ميلاد أزلي من أب بغير أم، قبل كل الدهور. وميلاد آخر في ملء الزمان من أم بغير أب.
هو مولود من الآب، غير مخلوق، إذ أن له ميلاد أزليًا "لا بداءة أيام له، ولا نهاية حياة" (عب7: 3). ومادامت ليست له بداية أيام، إذن هو غير مخلوق. لأن كل مخلوق له بداية، وهي يوم خلقه.
هنا قانون الإيمان يُعطي التعليم السليم، الذي هو ضد تعليم الأريوسيين.
إنه مولود من الآب كما يولد الفكر من العقل، وكما يولد الشعاع من الشمس.. لذلك قيل بعد ذلك في قانون الإيمان:
******
17- مساوٍ للآب في الجوهر
إنه رد علي الأريوسية التي لم تفهم معني قول الرب "أبي أعظم مني" (يو 14: 28). فالآب ليس أعظم من الابن في الجوهر، لأن الابن له نفس طبيعة الآب، ونفس جوهره ونفس لاهوته: فهو مساو له في كل شيء. ولكن عبارة "أبي أعظم مني" قيلت عن حاله إخلاء الذات في التجسد. كما قيل إنه "إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلي نفسه آخذا صورة عبد، صائرا في شبه الناس. وإذا وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في2: 6-8).
حاله الإخلاء هذه هي التي قيل عنها "أبي أعظم مني"، أي من صورة العبد التي أخذتها، مع بقاء جوهر اللاهوت كما هو.
أعظم من صورة الآلام والصليب. في كل ما تحمله الابن في تجسده من إهانات. أما جوهر اللاهوت المتحد بهذا الناسوت، فهو كما هو، لم ينقصه تواضع الناسوت شيئًا.
وهكذا استطاع في ناسوته أن يقول ويعمل ما يناسب لاهوته الذي يتساوى فيه مع الآب.
فقد قال "أنا والآب واحد" (يو 10: 30) "من رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9) "أنا في الأب والآب فيَّ" (يو 14: 10). وقال "لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" (يو 5: 23).
كما أنه في تجسده قال للمفلوج " مغفورة لك خطاياك" (مر2: 5، 10). وقال نفس العبارة للمرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها (لو 7: 48). وفي تجسده مشي علي الماء (مت 14: 25)، وانتهر الريح والأمواج فسكنت وهدأت (مر 4: 29). وفي تجسده خلق مادة جديدة في معجزة الخمس خبزات والسمكتين (مت 14: 17)، وفي تحويل الماء إلي خمر في عرس قانا الجليل (يو2). وفي منح البصر للمولود أعمى (يو 9) وعمل أعمالا كثيرة تدل على لاهوته.. كذلك قيامته والقبر مغلق، ودخوله العلية والأبواب مغلقة (يو 20: 19). وصعوده إلي السماء.
********18- الذي به كان كل شيء
هنا يتحدث قانون الإيمان عن الابن كخالق، خلق كل شيء كما ورد في إنجيل يوحنا:
"كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3).
وأيضا كما ورد في الرسالة إلي كولوسي "الكل به وله قد خلق" (كو 1: 16)
وهنا نسأل: من خلق العالم؟ أهو الآب أم الابن؟ ونجيب: الآب خلق كل شيء بالابن.
"فإنه فيه خلق الكل: ما في السموات، وما علي الأرض. ما يُرى وما لا يُرى: سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين" (كو 1: 16).
هو عقل الله الناطق. والله خلق كل شيء بعقله ونطقه. وهو " قوة الله وحكمة الله" (1 كو 1: 24). والله خلق كل شيء بقوته وحكمته.