كتاب قانون الإيمان لقداسة البابا شنودة الثالث الجزء(7)
19- هذا الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا
إن الابن كانت له أعمال كثيرة إلي جوار الغرض الأساسي من التجسد، أعني الفداء.
* فهو قد أعاد إلي الإنسان الصورة المثالية التي خلق عليها كان الإنسان قد خلق علي صورة الله ومثاله (تك 1: 26، 27) ولكنه بخطيئته فقد هذه الصورة الإلهية. فأتي السيد المسيح ليعيد هذه الصورة الإلهية مرة أخري بحياته المثالية في كل شيء.
* كذلك جاء يقدم للناس التعليم السليم، ويصحح المفاهيم الخاطئة التي انتشرت نتيجة لتفسير القادة الجهال، الذين أغلقوا ملكوت الله أمام الناس. فلا هم دخلوا، ولا تركوا الداخلين يدخلون (مت 23). لذلك تكررت في عظته علي الجبل عبارة: "سمعتم أنه قيل للقدماء.. أما أنا فأقول لكم.." (مت 5). وهكذا كانوا يسمونه (المعلم الصالح)..
* كذلك جاء يعطي الناس فكرة سليمة عن الله من حيث هو الآب السماوي الذي يحبهم.
* وجاء يؤدي رسالة نحو المساكين المحتاجين، كما قيل عنه في نبوة أشعياء النبي ".. مسحني لأبشر المساكين. أرسلني لأعصب منكسري القلوب. لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق" (أش 61:1). وهكذا قدم للعالم صورة الراعي الصالح، كما جاءت في سفر حزقيال النبي (حز 34:15) "أنا أرعى غنمي وأربضها -يقول السيد الرب- وأطلب الضال، وأسترد المطرود، وأجبر الكسير، وأعصب الجريح".
ومع هذا كله، كان العمل الأساسي للسيد الرب في تجسده، هو الخلاص والفداء.
فنزل من السماء من أجلنا ومن أجل خلاصنا. لو أنه لم يعمل شيئًا سوى الفداء والخلاص، لكان هذا يكفي ولكن من الناحية العملية كان لابد أن يؤدى المسيح رسالة قبل أن يقوم بعمل الفداء..
لكي يعرفه الناس. ولأنه لا يمكن أن يبقي بلا عمل. وهكذا أدى رسالة كمعلم وكراعي للخراف الضالة، وكصورة مثلي أمام الناس، وكقلب مملوء بالحب.
من أجل خلاصنا نزل من السماء.
*****************
20- نزل من السماء
وهذا يعني أن موطنه الأصلي هو السماء.
كما قيل " من عند الآب خرجت، و أتيت إلي العالم. وأيضا أترك العالم، وأذهب إلي الآب" (يو 16: 28). و قال أيضًا.. "فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلي السماء إلي حيث كان أولا" (يو 6: 62). إذن هو كان أولا في السماء ونزل منها. ولذلك قال لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلي السماء، إلا الذي نزل من السماء: ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13).
سكناه في السماء أولا، دليل علي لاهوته.
فهو - كما يقول القديسون - ليس إنسانًا صار إلها بل هو إله صار كإنسان أخلى ذاته وأخذ شكل العبد، وصار في الهيئة كإنسان.. وفعل ذلك لأجل خلاصنا.
لأجل الخلاص كان لابد أن يموت الإنسان المحكوم عليه بالموت منذ أكل من الشجرة. فمات المسيح ليفدى الإنسان. عبارة (نزل من السماء) لا تعني تركه للسماء.
فهو نزل من السماء إلي الأرض، واستمر باقيًا في السماء، لأنه موجود في كل مكان، ولا يخلو منه مكان.
و لذلك قال لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلي السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13). فهو نزل من السماء، وهو في السماء.
عبارة "نزل من السماء" تعني إخلاءه لذاته من ناحية (في 2: 7)، وظهوره لنا من ناحية أخرى.
نزل، أي تنازل "أخذ شكل العبد، وصار في الهيئة كإنسان، ووضع ذاته حتى الموت موت الصليب" (في 2: 7-9). وعبارة (نزل من السماء) تعني لنا، بصورة مرئية، في الجسد. كما قال الرسول "عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد.." (1 تي 3: 16). وهكذا غير المرئي صار مرئيًا.
***************
21- وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء
كلمة (تجسد) تعني أنه أخذ جسدا. وبالقبطية أي أخذ جسدًا.. أي اتحد بهذا الجسد. اتحدت به الطبيعة اللاهوتية. ولكن كيف أخذ هذا الجسد؟ من أي مصدر؟ لذلك قيل بعد ذلك:
من الروح القدس ومن مريم العذراء:
العذراء وحدها ما كان ممكنا أن تلد طفلا "وهي لا تعرف رجلا" (لو 1: 34). لذلك قال لها
الملاك مفسرا الأمر "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك" (لو 1: 35)
حلول الروح القدس في بطنها، كان حلولًا أقنوميًا.
إنها حالة استثنائية. فالبشر لا يحل عليهم الروح القدس حلول أقنوميًا. وقد حل الروح القدس علي مريم العذراء لسببين: أولًا لكي يكون في بطنها جسد المسيح بدون زرع بشر. وثانيا لكي يقدس مستودعها، بحيث أن المولود منها لا يرث الخطية الأصلية.
وهكذا صار حبلها بالسيد المسيح حبلا بلا دنس.
وفي هذا المعني قال الملاك المبشر "الروح القدس يحل عليك.. لذلك القدوس المولود منك يدعي ابن الله" ( لو 1: 35). هو إذن قدوس "شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية (القداس الغريغورى) حتى أنه إذا مات، لا يموت عن خطية له، إذ هو بلا خطية. بل يموت عن خطايا الغير عبارة (تجسد) لا تعني فقط أنه أخذ جسدًا بشريًا، بل طبيعة بشرية كاملة، من جسد وروح..
لذلك لم يكتف قانون الإيمان بكلمة تجسد، إنما أضاف عليها (وتأنس) أي صار إنسانًا.
*********22- و تأنس
صار إنسانًا كاملًا، له طبيعة ناسوتية. لذلك قال الرسول "يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح.." (1 تي 2: 5). ذلك لأن الحكم صدر ضد الإنسان. فيجب أن الذي يموت يكون إنسانا من نسل ذلك الإنسان.
فإن لم يكن إنسانًا كاملًا، لا يكون قد شابهنا في كل شيء. ولا يكون قد أخذ طبيعتنا المحكوم عليها بالموت.
نقول هذا لأنه قامت هرطقة تقول أن السيد المسيح لا يحتاج إلي روح إنسانية يحيا بها. يكفي أنه يحيا بلاهوته المتحد به. يحيا بالروح القدس المتحد به أقنوميًا وليس بروح بشرية!! وقد حرم المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية سنه 381 م هذه الهرطقة (هرطقة أبوليناريوس)، لأنها تقلل من ناسوت المسيح. فلا تجعل له ناسوتًا كاملا بل مجرد جسدا!! وأصبحت عبارة "تجسد وتأنس" تتلي في قانون الإيمان، ونصليها أيضا في القداس الإلهي.. اعترافا بناسوت المسيح الكامل، الذي ناب عن البشر مقدما نفسه ذبيحة عن خطايانا. وهكذا قال الرسول "وسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح، الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع" (1 تي 2: 5، 6).
وبهذا كان السيد المسيح يتمسك بلقب (ابن الإنسان)، ويكرره كثيرا، لأنه يمثل نيابته عن الإنسان عموما في موته عن الخطية.. وبالقبطية تأنس أي صار إنسانا. صار الإنسان القدوس. الذي اتحد به اللاهوت داخل بطن العذراء منذ أول لحظة للحبل المقدس لما حل عليها. أما القديسة مريم فقد حبل بها حبلًا عاديًا. لذلك تحتاج إلي الخلاص كباقي البشر وهكذا قالت في تسبحتها".. وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لو 1: 47).