كتاب قانون الإيمان لقداسة البابا شنودة الثالث الجزء(12)
45- ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا
المعمودية هي أول الأسرار الكنسية، وبها يصبح المؤمن عضوًا في الكنيسة.
وفي يوم الخمسين، لما آمن اليهود ونخسوا في قلوبهم وسألوا "ماذا نفعل أيها الرجال الأخوة؟" قال لهم بطرس الرسول "توبوا وليعتمد كل واحد منكم علي اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا.." (أع 2: 37، 38). فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا. وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس (أع 2: 41). لم يكن سهلًا تعميد 3000 إنسان في يوم واحد. ولكن ذلك كان لازمًا لأهمية المعمودية، لمغفرة الخطايا.
ومما يدل علي أهمية المعمودية قول السيد المسيح لنيقوديموس:
"الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5).
وهذا يدل علي أهمية المعمودية للخلاص. وكما قال الرب لتلاميذه قبل صعوده "من آمن واعتمد خلص" (مر 16:16)
والذي يتتبع سفر الأعمال يجد أن المعمودية كانت تتبع الإيمان باستمرار.
كما حدث يوم الخمسين (أع 2: 41). وفي إيمان السامرة (أع 8). وفي أيمان الخصي الحبشي (أع 8: 36-38). وفي إيمان كرنيليوس وأصحابه (أع 10: 47، 48). وإيمان ليديا بائعة الأرجوان (أع 16: 14، 15)، وإيمان سجان فيلبي (أع 16: 31-33).. الخ.
ونري أهمية المعمودية لمغفرة الخطايا في أيمان شاول الطرسوسي.
هذا الذي ظهر له الرب في طريق دمشق، ودعاه بنفسه ليكون إناء مختارًا ورسولًا للأمم (أع 9: 3-16). شاول هذا، قال له حنانيا الدمشقي " أيها الأخ شاول.. لماذا تتوانى؟ قم اعتمد وأغسل خطاياك، داعيًا باسم الرب" (أع 22: 16).
هذا الإنسان العظيم، الذي صار اسمه بولس الرسول - علي الرغم من هذه الدعوة العظيمة - كان محتاجًا إلي المعمودية ليغسل خطاياه.. ولم تكن خطاياه قد غسلت بعد، ولا بالدعوة الإلهية، ولا بإيمانه.. بل من أهمية المعمودية وخطورتها، قول القديس بولس الرسول:
" لأن جميعكم الذين اعتمدتم بالمسيح، قد لبستم المسيح" (غل 3: 27).
أي لبستم البر الذي في المسيح بمعموديتكم. لماذا؟
لأن المعمودية، هي موت مع المسيح وقيامة معه. كما يقول الرسول " مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه" (كو 2: 12). في هذا الدفن يكون إنساننا القديم قد صلب مع الرب ومات (رو 6:6 ). ويشرح الرسول هذا الأمر فيقول: " فدفنا معه بالمعمودية للموت. حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة. لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته" (رو 6: 4، 5).
المعمودية موت وميلاد: موت للإنسان العتيق، وميلاد إنسان جديد علي شبه المسيح. هي ميلاد من الماء و الروح (يو 3: 5).
وهكذا قال الرسول: "بل بمقتضي رحمته خلصنا، بغسل الميلاد الثاني، وتجديد الروح القدس" (تي 3: 5). وفي هذا الميلاد الثاني، نصير أبناء لله وأبناء للكنيسة. وكما قال أحد القديسين "لا يصير الله لك أبًا، إلا إذا صارت الكنيسة لك أمًا".
في المعمودية ننال استحقاقات دم المسيح للمغفرة، فتغفر لنا جميع الخطايا السابقة للمعمودية، سواء الخطية الأصلية الجدية أو الخطايا الفعلية السابقة للمعمودية. ومادامت الخطية الأصلية قد غفرت، فلا داعي لتكرار المعمودية إذن. أما الخطايا الفعلية التي ترتكب بعد المعمودية فتغفر بواسطة سر التوبة.
نظرًا للزوم المعمودية، لمغفرة الخطايا، ولدخول الملكوت، حسب قول السيد الرب (يو 3: 5). لذلك نحن نعمد الأطفال.
المعمودية لابد أن يسبقها الإيمان بالنسبة إلي الكبار، حسب قول الرب "من آمن واعتمد خلص" (مر 16: 16). أما الطفل الصغير، فيعمد علي إيمان والديه.
المعمودية موت مع المسيح. ولما كان الموت واحدًا، لذلك تكون المعمودية أيضًا واحدة.
**********46- المعمودية الواحدة
كما قال الرسول "رب واحد. وأيمان واحد. ومعمودية واحدة" (أف 4: 5).
هي معمودية واحدة، ولكن بشرط.
1- بإيمان واحد، وإيمان سليم.
ولذلك نحن نقبل معمودية الكنائس التي معنا في إيمان واحد
2- أن تكون المعمودية بواسطة كهنوت معترف به، وليس تحت حكم. وهذا كان حكم مجمع قرطاجنة سنة 276 م برئاسة القديس كبريانوس.
3- يشترط أيضًا أن تكون المعمودية سليمة ثلاث غطسات باسم الآب والابن والروح القدس (مت 28: 19).
ولأن المعمودية واحدة، إذا حدث وارتد إنسان عن الإيمان المسيحي، ثم عاد إليه، لا تعاد معموديته.
*********
47- و ننتظر قيامة الأموات
إننا نؤمن بقيامة جميع الأموات: الأبرار والأشرار.
حسبما ورد في إنجيل يوحنا "تأتي ساعة يسمع فيها جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلي قيامة الحياة، والذين فعلوا السيئات إلي قيامة الدينونة" (يو 5: 28، 29).
كانت قيامة السيد المسيح باكورة لقيامتنا جميعًا.
أن الإصحاح 15 من الرسالة الأولي إلي كورنثوس كله عن قيامة الأموات يقول الرسول "قد قام المسيح من الأموات. وصار باكورة للراقدين. فإنه إذ الموت بإنسان أيضًا قيامة الأموات ولكن كل واحد في رتبته. المسيح باكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه" (1كو 15: 20- 23).
وسنقوم بأجساد روحانية سماوية غير مادية.
وهكذا قال الرسول عن جسد القيامة ".. يزرع جسمًا في هوان ويقام في مجد". "يزرع في ضعف ويقام في قوة. يزرع جسمًا حيوانيًا، ويقام جسمًا روحانيًا.. وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي.. إن لحمًا ودمًا لا يقدران أن يرثا ملكوت الله" ( 1 كو 15: 42- 50) وقال في موضع آخر "وننتظر مخلصًا هو الرب يسوع الذي سيغير شكل جسد تواضعنا. ليكون علي صورة جسد مجده.." (في 3: 20، 21). أي إننا سنقوم علي شبه الجسد الممجد الذي قام به السيد الرب.
********
48- قيامة الأموات
القيامة العامة ستعقبها الدينونة والدينونة تكون في المجيء الثاني للرب.
لذلك قيل عن الرب " إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله" (مت 16: 27). وقيل أيضًا "متي جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه. فحينئذ يجلس علي كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب. فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار" (مت 25: 31- 33). وتبدأ الدينونة وتنتهي بعبارة "فيمضي هؤلاء إلي عذاب أبدى والأبرار إلي حياة أبدية" (مت 25: 46).
وقيل في سفر الرؤيا عن الدينونة:
"ورأيت الأموات صغارًا وكبارًا واقفين أمام الله. وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة. ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم. وسلم البحر الأموات الذين فيه وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما، ودينوا كل واحد بحسب أعماله. وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني. وكل من لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة طرح في بحيرة النار" (رؤ 20: 12-15).
في القيامة سيختطف الأحياء علي الأرض، وتتغير أجسامهم.
يقول الرسول أن الذين سبق رقادهم، سيحضرهم الرب معي في مجيئه (1تس 4: 14). لأن الرب "سيأتي في ربوات قديسيه" (يه 14)". الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء. والأموات في المسيح سيقومون أولًا. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب، لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون في كل حين مع الرب"(1تس 16، 17).
وفي القيامة وفي لحظة الاختطاف، نتغير إلي الجسد الروحاني.
يقول الرسول "لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير.
في لحظة في طرفة عين، عند البوق الأخير. فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد، ونحن نتغير. لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت عدم موت" (1كو 15: 51- 53). أي نلبس الأجساد الروحانية السماوية التي لا تفسد ولا تموت..
إذن ثلاثة أحداث خطيرة ستتم معًا متتابعة. وهي:
1- المجيء الثاني لربنا يسوع المسيح، مع ملائكته وربوات قديسيه.
2- قيامة الأموات: الأبرار والأشرار.
3- الدينونة العامة. كما قال الرسول "لابد أننا جميعًا نظهر أمام كرسي المسيح. لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا" (2كو 5: 10). بعد ذلك ينتهي هذا العالم الحاضر كله. وتبدأ حياة الدهر الآتي "كل واحد في رتبته".
*************49- نهاية العالم الحاضر
كما قال السيد الرب من قبل إن السماء والأرض تزولان (مت 5: 18).
وقال القديس يوحنا الرائي "ثم رأيت سماء جديدة وأرضًا جديدة لأن السماء الأولي والأرض الأولي مضتا. و البحر لا يوجد فيما بعد" (رؤ 21: 1). وقال أيضًا "رأيت عرشًا عظيمًا أبيض و الجالس عليه، الذي من وجهه هربت الأرض والسماء، ولم يوجد لهما موضع" (رؤ 20: 11).
ويقول القديس بطرس الرسول عن نهاية هذه الأرض:
"سيأتي كلص في الليل، يوم الرب. الذي فيه تزول السموات بضجيج، وتنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط 3: 10)
وشرح سفر الرؤيا أمورًا كثيرة تمس نهاية هذا العالم.
وردت في الضربات التي تلحق العالم عندما يبوق الملائكة السبعة (رؤ 8). كذلك ما تكلمت به الرعود السبعة ( رؤ 10: 3، 4). وقال السيد الرب في العلامات التي تسبق مجيئه:
"وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس، والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء، وقوات السموات تتزعزع" (مت 24: 29).
وورد ما يشبه هذا في سفر الرؤيا، عندما فتح الختم السادس (رؤ 6: 12- 16).
********
50- و حياة الدهر الآتي
بعد ذلك يتقدم الرب يسوع، فيسلم الملك لله الآب. وتبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة. ويخضع الكل لله، ويصير الله الكل في الكل. وآخر عدو يبطل هو الموت (1 كو 15: 24- 28).
تبدأ حياة الدهر الآتي، في أورشليم السمائية، مسكن الله مع الناس (رؤ 21: 2) بعد أن ينتقل إليها الأبرار المنتظرون في الفردوس.
الموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا وجع، لأن الأمور الأولي قد مضت. ويقول الجالس علي العرش: ها أنا أصنع كل شيء جديدًا (رؤ 21: 4، 5). وأورشليم السمائية لا تحتاج إلي شمس ولا قمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله هو الذي ينيرها، ولا يكون هناك ليل. ولا يوجد فيها إلا المكتوبون في سفر الحياة (رؤ 21: 23- 27).
ويتمتع الأبرار بالوعود التي وعد الرب بها الغالبين (رؤ 2، 3) وأيضًا ما أعده الله لمحبي أسمه القدوس: ما لم تره عين ولم تسمع به أذن، وما لم يخطر علي قلب بشر (1كو 2: 9).
وحياة الدهر الآتي، هي حياة النعيم الأبدي للأبرار في السماء يعيشون هناك كملائكة الله في السماء (مت 22: 3) وسيكون الله هو نعيمهم وفرحهم "وهم ينظرون وجهه الرب الإله ينير عليهم. وسيملكون معه إلي أبد الآبدين" (رؤ 22: 4، 5). قال القديس بولس الرسول "أننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهًا لوجه.
الآن أعرف بعض المعرفة. ولكن حينئذ سأعرف كما عرفت" (1كو 13: 12)
ليس سهلًا ولا في الإمكان أن نشرح حياة الدهر الآتي:
إن كان القديس بولس الرسول لما صعد إلي الفردوس، قال إنه "سمع كلمات لا ينطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها" (2كو 12: 4). فماذا يقال إذن عن النعيم الأبدي ماذا يقال عن الحياة مع الله، وكل مصاف ملائكته وجميع الطغمات السمائية، وكل ربوات قديسيه؟! ماذا يقال في التعرف علي كل هؤلاء؟!