ثلاثيات فى تاريخ الكنيسة

نيافة الآنبا تاوضروس

ثلاثيات ثلاثية :
يا للعجب... تاريخ كنيستنا يمكن أن نضعه فى ثلاثة كلمات فقط: الشهادة والنسك والتعليم. فالذى يقرأ ويعرف التاريخ تظهر أمامه ثلاثة ملامح رئيسيه تميز كنيستنا فى كل زمن وفى كل جيل وهى أنها:

1- كنيسة شهادة قدمت شهداء :

وعصور الشهداء لم تنقطع من تاريخ الكنيسة، وقد بدأ تقويمنا القبطى منذ اعتلاء دقلديانوس الطاغية عرش الإمبراطورية عام 284م ونسميه "تقويم الشهداء". ونوعيات الشهداء عديدة وغزيرة فى كنيستنا ومن كل فئات الشعب والاكليروس.

2- كنيسة نسك قدمت نساك :

فهى التى أهدت الرهبنة لكل العالم المسيحى، وعلى أرضها بدأ الآباء العظام تأسيس الحياة الرهبانية والنسكية بكل أشكالها، بدءا من الأنبا بولا أول السواح والأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان والأنبا باخوميوس أب الشركة والأنبا مقاريوس أب الأسقيط (برية وادى النطرون) وغيرهم، وها هى كنيستنا عامرة بالرهبنة، والأديرة فى كل ربوع مصر وأيضاً خارج مصر.

3- كنيسة تعليم قدمت معلمين :

فقد حمل بابا الإسكندرية لقب معلم المسكونة... وقدمت كنيستنا على مر العصور معلمين ساهموا فى شرح وصياغة الإيمان المسيحى والدفاع عنه وحفظه فى صورته النقية. كما أن مدرسة الإسكندرية اللاهوتية بكل معلميها كان لها دور بارز ومجيد فى تعليم الإيمان وشرحه وتفسيره، ومن العجب أننا نرى معلمى الإسكندرية هم أبطال ونجوم كل المجامع الكنيسة التى عقدت فى بدايات المسيحية.

ومرة أخرى نجد أن المجامع الكنسية لها ثلاثة أنواع فقط هى :

1- المجامع المكانيةDiocesan Councils :

وهى التى يجتمع فيها الأسقف والقسوس والشمامسة فى مركز الإيبارشية لتدبير أمورهم الخاصة. وهى التى نراها تتكرر فى عموم الإيبارشيات حتى اليوم. وقد تكون دورية، سواء كل
شهر أو فى مناسبات الأصوام أو أى مناسبات كنيسة. وقد تمتد لأكثر من يوم وقد ويتخللها أى شكل من أشكال الدراسات التعليمية.

2- المجامع الإقليمية Provinciol Councils :

وهذه بدأت تظهر مع التنظيم الكنسى وكانت تجتمع برئاسة مطران الإقليم الذى له حق الإشراف على أساقفة الإقليم (المطران هو أسقف المدينة الأولى أو الكبيرة فى الإقليم) وهذه المجامع قد تتكرر أكثر من مرة فى العام بحسب الظروف التى تستجد
فى الإقليم.

3- المجامع المسكونية Eccumenical Councils :

بدأت تعرفها الكنيسة بعد أن صـارت المسيحية ديانـة مسمـوح بهـا فـى الإمبراطوريـة الرومانيـة. وكـانت هذه المجامـع تجتمـع لضـرورات حتمية تختـص بالإيمـان والعقيـدة، بجوار بحث الأمور المتعلقة بالتنظيم الكنسى.

ويحضر هذه المجامع أساقفة يمثلون العالم المسيحى شرقاً وغرباً. والكنائس الأرثوذكسية تعترف بثلاثة مجامع مسكونية فقط.

1- مجمع نيقية المسكونى (مايو 325م) :

أنعقد بدعوة من الإمبراطور قسطنطين الكبير، وناقش عدة موضوعات مثل: "تحديد عيد القيامة - موضوعات إعادة معمودية الهراطقة - موضوع زواج الكهنة". أما الموضوع الرئيسى فكان. ما هرطق به آريوس قس الإسكندرية من تعاليم فاسدة ضالة، أنكر بها لاهوت السيد المسيح، وأنه غير مساو للآب فى الجوهر، بل هو مخلوق بإرادة الآب. وقد بلغ عدد آباء المجمع (318 أسقفاً)
من الشرق والغرب. ويثبت التاريخ أن وفد كنيسة الإسكندرية كان له الصدارة والمكانةالأولى فى المجمع.. وبزغ نجم القديس أثناسيوس إذ هو الذى اقترح إضافة عبارة (مساو فى الجوهر)
للتعبير عن حقيقة صلة الآب بالإبن غير أن الأريوسيين رفضوها وأرادوا استبدالها بعبارة (مشابه فى الجوهر) وهى التى رفضها أعضاء المجمع.. وتوالت جلسات المجمع إلى أن تم
وضع قانون الإيمان حتى "نؤمن بالروح القدس" مع حرمان آريوس ونفيه وحرق كتبه.

2- مجمع القسطنطينية المسكونى (مايو 381م) :

انعقد بدعوة من الإمبراطور ثيؤدوسيوس، وكان الموضوع الرئيسى فيه هو بدعة مقدونيوس الذى كان أسقفاً على القسطنطينية وهو الذى نادى بأن الروح القدس عمل إلهى وليس أقنوما، بل هو مخلوق يشبه الملائكة ولكنه ذو رتبه أسمى. وقد بلغ عدد أباء المجمع (150 أسقفاً). وكان من أبرزهم البابا تيموثاوس "البطريرك 22" وبعد المناقشات قضى المجمع بحرمان مقدونيوس "عدو الروح القدس" الذى تمسك بهرطقته، كما قرر الآباء نفيـه، ثـم
أكملوا قانون الإيمان حتى نهايته.

3- مجمع أفسس المسكونى (يونيو 431م) :

أنعقد بدعوة من الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير لمناقشة بعض البدع الخطيرة، والتى كان فى مقدمتها بدعة نسطور وهو الذى نادى بأن المسيح أقنومين وشخصين وطبيعتين ولا ينبغى تبعاً لذلك تسمية العذراء والدة الإله، كما عاب على المجوس سجودهم للطفل يسوع. وأستقطع المقطـع الأخير من كل من الثلاثة تقديسات التى ترتلها الكنيسة فى صلواتها. وقد بلغ عدد أباء المجمع (200 أسقفاً) واختير البابا السكنـدرى البابـا كيرلـس الأول "البطريـــرك 24" ليرأس جلسـات المجمـع، وبعد مناقشة تعاليم نسطور وآرائه الفاسدة ودحضها، وضعوا مقدمة قانون الإيمان التى مطلعها "نعظمك يا أم النور الحقيقى..." كما نفوا نسطور بعيداً عن العاصمة القسطنطينية وهكذا ترى يا صديقى أن إيماننا الأقدس قد تقنن على ثلاث مراحل من خلال ثلاثة مجامع مسكونية مقدسة..

والرب معك،

موضوع رائع و هام

شكرا لمرورك

نورت موضوعى