للقلق أسباب كثيرة تختلف من شخص إلى آخر
حسب نوع نفسيته، ونوع الظروف التي يمرّ بها
1. القلق بسبب مشكلة لم يظهر لها حل:
وهنا يكون السبب في القلق هو وجود المشكلة ذاتها، أو بسبب استمرارها وتطورها، وما يمكن أن يحدث من ردود فعلها. وكذلك القلق من جهة وسائل حلها، ومدى نجاح تلك الوسائل أو احتمال فشلها وهل سوف تستمر تلك المشكلة أم تنتهي؟ ومتى يكون ذلك؟ وكيف؟ .. ويستمر القلق!
2. وقد يكون سبب القلق هو معاشرة القلقين..
فالقلق يسري من شخص إلى آخر، تماماً مثلما يسري الخوف أيضاً من شخص إلى آخر فالأسباب التي تقلق شخصاً.. ما أسهل أن تقلق غيره. ومشاعر الإنسان الذي يعتريه القلق، هى نفسها قد تنتقل إلى إنسان آخر، أو إلى مجموعة أخرى.
ويعكس ذلك السلام القلبي الذي يعمر قلب إنسان، ويظهر في تصرفاته أو كلماته، يمكن أن ينتقل إلى قلوب الآخرين ويهدئها.
لذلك من الصالح للإنسان المحارب بالقلق أن يتخير نوعية من يعاشرهم، فيبعد عن الخائفين الذين يسودهم القلق وينقلونهم إليه. ويختلط بالقلوب الكبيرة المطمئنة التي تزيل منه كل قلق.
3. والقلق قد يأتي من طول المدة، وعدم جدوى الانتظار:
مثل فتاة طالت عليها مدة الانتظار، ولم يأتي أحد ليخطبها بعد. وقد تظن أنها سوف لا تُخطب أبداً!! وقد تدخل إليها أفكار بأنها قد تعرضت إلى لون من (العمل) أو السحر. وربما تلجأ إلى طرق غريبة للنجاة مما هى فيه من ضجر وضيق.
حقاً إن طول المدة بدون حلّ، قد يتسبب في القلق عند كثيرين وطول المدة قد يؤدي إلى توقع الفشل. وتوقع الفشل يؤدي إلى مزيد من التوتر. وكل ذلك يقود إلى القلق.
توقع الفشل يؤدي إلى الاضطراب، فيقلق الإنسان، ويؤثر على أعصابه، فيثور أو يتذمر. أو قد يصل إلى انهيار عصبي، وفي كل ذلك لا يحكمه العقل، بل الانفعال والقلق.
لذلك هناك مشاكل تحتاج إلى حل سريع، فيهدأ الإنسان قبل أن يقوده القلق-إذا استمر-إلى مزيد من التوتر والتعب.
4. وقد يكون القلق بسبب التشاؤم:
كإنسان مثلاً يتشاءم من الرقم 13 ومضاعفاته. فاليوم الذي يحمل هذا الرقم يجلب له قلقاً: ترى أي شر سوف يحدث فيه؟! ويظل يقلق.. كما أن التشاؤم بصفة عامة يجعل الإنسان يفكر فيما هو أسوأ والتفكير في تطور الأمور إلى أسوأ يجلب إلى النفس القلق.. وربما يظن المتشائم أنه لا حلّ، ولو استمرت الأمور هكذا، فلابد أنه سينهار. وقد يتخيل أن الله قد تخلى عنه، وأنه سوف لا تأتيه معونة من السماء ولا من الناس، فيقلق.
5. وقد يأتى القلق بسبب الخوف:
الخوف يسبب القلق. والقلق يسبب الخوف. وهكذا فإنهما يتبادلان المواقع سبباً ونتيجة. الخائف دائماً يقلق، وأفكاره تتعبه: يا ترى ماذا سيحدث؟ وماذا ستكون النتيجة؟ حتى إن كان داخلاً إلى مقابلة هامة: يظل بالخوف يفكر في قلق: ماذا سيقول؟ وماذا سيقال له؟ وهل سوف يقابل بروح طيبة وبشخص متفاهم؟ أم بشخص معقد ومتعب؟ وهل سيخرج من المقابلة فرحاً أم حزيناً. ويستمر معه القلق إلى نهاية المقابلة.
ومن هذا النوع فتاة أتاها من يخطبها:
هل ستعجبه وتتم الخطبة، أم يخرج ولا يعود؟ وماذا سيكون موقف والديها: هل يقبلانه أم لا يقبلان؟ وماذا عن ظروفه المالية والعائلية، وموقف أسرته منه؟.. وتظل الأفكار تتعبها وتقلقها. وتتحير بأية صورة ستقابله؟ وبأي نوع من الزينة ومن الملابس؟ وبأي أسلوب ستتكلم؟ هل تكون مرحة أم تجلس صامتة؟ وأي الأمرين يرضيه؟.. إنه قلق يتعب الفكر ويتعب النفس. وهل إذا رفضته ستندم على رفضه؟ وهل إذا قبلته سوف تستريح معه طول الحياة؟
6. قلق آخر يأتي إلى المتزوجين بسبب الإنجاب:
وبخاصة إذا مضت مدة – يظنانها طويلة – ولم ينجب الزوجان.. ويزداد القلق كلما طالت المدة.
وحينئذ يتبعهما القلق: هل هو لون من العقم عندهما أو عند أحدهما؟ أم سوف ينجبان ولو بعد حين؟ ومتى؟ وتكثر صلواتهما وطلبهما لصلوات الآخرين.
فإذا استمر عدم الإنجاب يزداد القلق جداً. ويبدأ التفكير في وسائل بشرية، ومنها التفكير في (طفل الأنابيب) ويدخلهم قلق آخر: هل هذا الأمر يرضى الله أم لا؟ وهل إذا اختبرا فكرة طفل الأنابيب ستنجح معهما وتأتي بنتيجة أم لا؟ وهل سيكون ابناً طبيعياُ ومباركاً من الله أم لا؟
7. ومن أسباب القلق أيضاً ما يعانيه الطلبة في فترة الامتحانات:
هل المدة الباقية على بدء الامتحان كافية للمذاكرة والمراجعة أم لا؟ وهل يركزون فقط على الموضوعات الهامة على الكل؟ وهل ستكون الأسئلة سهلة أم صعبة؟ وهل سوف تسعفهم الذاكرة أم سينسون ما ذاكروه؟ وهل سينجحون في الامتحان أم يرسبون؟ وإن كانوا في الثانوية العامة هل سيحصلون على مجموع يؤهلهم إلى الالتحاق بالكلية التي يريدونها؟.. وربما كل هذه الأفكار من القلق تعطلهم عن الاستمرار في المذكرة. إنها أسئلة كثيرة مصحوبة أحياناً بالخوف والاضطراب وتوتر الأعصاب. وأحياناً تكون مصحوبة بأحلام اليقظة..!
لذلك يحتاج التلميذ في هذه الفترة إلى جو هادئ، كما يحتاج إلى صدر حنون يهدئ أعصابه ويبعث فيه الاطمئنان.
8. وقد يأتي القلق بسبب التفكير في المستقبل:
ماذا سيكون المستقبل: أيكون سعيداً أم متعباً؟ ويا ترى ماذا سيأتي به الغد؟ وماذا سينتظرنا من أحداث ومن متاعب؟ وهل ستمر الأيام هادئة أم مقلقة؟ وماذا عن مصروفات البيت وتربية الأولاد؟ وماذا عن موجة الغلاء، وعن البطالة المنتشرة؟
سعيد هو الإنسان الذي يقلق من جهة الغد، وإنما يلقي همومه على الله، ويؤمن أن مستقبله في يد الله الذي يريد له الخير، وهو الذي سيدبر كل أموره حسب مشيئته الصالحة. وبهذا يطمئن ولا يقلق. عليه هو أن يؤدي واجبه كما ينبغي ويكون حكيماً. ويترك الباقي للمعتني بالكل.
9. وقد يكون القلق بسبب المرض:
الخوف من المرض قبل أن يأتي، والخوف أكثر من ذلك إن أتى. ويبدو القلق من جهته: هل هو مرض عادي بسيط أم هو مرض خطير؟ وهل الطمأنة التي تأتي من الأطباء أو من الأقارب والأصدقاء هي طمأنه صادقة أم مجرد تهدئة للنفس تشبه الحبوب المسكنة؟! وهل إذا احتاج الأمر إلى عملية جراحية هل ستنجح أم لا تنجح؟
ويزداد القلق بسبب المرض أحياناً، إذا كان المريض طبيباً، ويعرف نوعيه المرض ومدى تطوره إن أصبح الأمر خطيراً. وكلما يلمح عوارض معينة، يزداد قلقه متخيلاً أسوأ النتائج التي درسها.
10. ويأتي القلق أيضاً بسبب توقع الموت:
الذي يتوقع، يخاف ويقلق – إن لم يكن مؤمناً ومستعداً – وبخاصة لو بدا الموت قريباً – وقد يحدث ذلك بالنسبة إلى مريض بمرض غير قابل للشفاء، وإنما المسألة هى مجرد وقت قد يقصر أو يطول. فيقلق مثل هذا المريض متى سيدركه الموت؟ وكيف سيكون؟
أو إنسان أرتكب جريمة يحكم القانون عليه بالإعدام: هل سيتم الحكم عليه أم سينجو منه. ويتعبه القلق متوقعاً الموت. وإن صدر الحكم عليه فعلاً بالإعدام: يظل قلقاً في رعب. متى سيأخذونه ليعُدم؟ وكيف يكون الموت؟ وماذا سيكون بعد الموت؟ إنه قلق مستمر، كل دقيقة فيه كدهر! وربما يكون القلق في توقع الموت أو في انتظار الموت، هو أصعب من الموت نفسه.
11. وقد يضطرب الإنسان ويقلق، بسبب أخطار وهمية أو حقيقية:
يفكر فيها الشخص أو يتخيلها، فيقلق بسببها ويضطرب.
مثال ذلك إنسان لم يتعود السفر بالطائرة. فإن سافر بها، تراه يقلق متوقعاً أن يحدث حادث للطائرة. ويتذكر كل ما قد سبق نشره في الجرائد عن حوادث الطائرات. وإن ركب الطائرة، وحدث ولو مطب خفيف في الهواء، يظن أن النهاية قد قربت! ويظل طول فترة السفر قلقاً! ويحسب كم بقى من الوقت لتهبط الطائرة ونفس القلق أيضاً قد يتملك من يسافر في البحر، حينما تزداد الأمواج وتشتد الرياح، وتضطرب السفينة، فيضطرب الركاب معها، وبخاصة من لا يتقن السباحة.. إنها أخطار تسبب القلق.
12. وقد يكون القلق بسبب ما يحدث للأقارب والأصدقاء:
مثل قلق الأم على ابنها أن تأخر عن موعده في الوصول إلى البيت.. أو قلق الأب على ابنته، لئلا يخطفها بعض الأشرار، أو يصيبها ضرر منهم. أو القلق على بعض الأحباء في سفرهم أو في غربتهم أو القلق على صديق في حالة مرض.. كل ذلك ليس قلقاً على النفس، بل على الغير.
13. وقد يكون سبب القلق هو الشك:
مثل شك الزوج في مدى أمانة زوجته له، واحتمال علاقتها بآخر فيتعبه القلق من جهة هذه العلاقة، وقد تكون بريئة، ولكنه الشك القاتل، الذي يشك في كل ابتسامة، وكل كلمة، وكل عبارة إعجاب. أو قد يشك الشخص في إخلاص صديق له، أو إخلاص خادم له. ويظن أن أسراره الخاصة تخرج إلى الخارج، وأن هناك خيانة.. أو قد يشك في شريكه في العمل، وأنه يعمل لحسابه الخاص مما يؤدي بشركته إلى الإفلاس أو تدهور وضعها المالي.
14. وقد يأتي القلق بسبب ما تنشره الجرائد من أخبار:
وبخاصة في أيام الحرب والقلاقل أو الاضطرابات الداخلية أو ما تنشره وسائل الإعلام من أخبار الزلازل والفيضانات، والحرائق، ومن أخبار السطو على البنوك، وما تفعله المافيات وعصابات المجرمين.. وقد يجلب القلق أيضاً ما ينشر عن البطالة وسوء الحالة الاقتصادية واضطراب البورصة وأسعار العملة.. وما يجره كل ذلك من مشاكل عائلية، أو تأخر سن الزواج، أو اللجوء إلى الإدمان، وما يسمى بالزواج العرفي وتعرض الشباب إلى الفساد. فيقلق الآباء على أبنائهم.
15. وقد يأتي القلق من أسباب أخرى كثيرة:
· مثل قلق إنسان أرتكب جرماً ويخشى من اكتشاف هذا الجرم، وما يتبع ذلك من فضيحة أو عقوبة. ويظل قلقاً هل سيُكتشف؟
· أو قلق من شخص بسبب أعداء ربما يتسببون له في ضرر.
· أو قلق من يشعر أنه يعيش في بيئة تدعو إلى الخوف، سواء من جيران، أن زملاء في العمل، أو رئاسة قاسية، أو بيئة مخدرات، أو منطقة يقطنها لصوص، أو شباب منحرف.
16. وقد يأتي القلق من طبيعة النفس ذاتها، وبدون سبب خارجي:
كالنفس التي تتصور خطراً حيث لا يوجد خطر، أو تتخوف من ضرر حيث لا يوجد ضرر. أفكارها هى التي تتعبها حتى إن أحبت أحداً، تظل تقلق عليه، خوفاً من أن يصيبه شر ما، من حيث لا تدري.