تعد الذاكرة من أهم العمليات العقلية العليا في حياة الإنسان وتعتمد عليها عدد من العمليات الأخرى مثل الإدراك، والوحي والتعلم والتفكير وحل المشكلات والتحدث، والحقيقة أن كل ما نفعله تقريبا يعتمد على الذاكرة، بل أن الحضارة تنتقل من جيل إلى جيل عن طريق الذاكرة. كما تتضح أهمية الذاكرة في حياتنا اليومية عندما تواجه الوجه الآخر لها وهو النسيان وعلم النفس المعرفي ، حيث تلاحظ على سبيل المثال في الوسط التعليمي أن معظم المشاكل التي يعاني منها الطلبة سببها النسيان، خاصة وأن معظم نظم الامتحان منذ القدم وحتى الآن تعتمد على قياس ما يتذكره الطالب من معلومات.
كما أن معظم الدراسات الطبية والنفسية والفسيولوجية والبيوكميائية اهتمت بدراسة الدور الذي تلعبه الخلايا العصبية في عملية الاحتفاظ والتذكر والنسيان وتبين للباحثين والعلماء في هذا المجال أن هذه العمليات تتأثر بالعامل الوراثي وبعامل الاستعداد إلى جانب عوامل البيئة والاكتساب ( ).
. تعريف الذاكرة :
تختلف تعاريف الذاكرة حسب اختلاف النظريات والاتجاهات إلتى دراساتها : "الذاكرة الوحدة الرئيسية للتعامل مع المعلومات عند الإنسان فهي التي تمر بها محل القرارات التي يتخذها الشخص سواء كانت قرارات معرفية، نفسية، اجتماعية أو حركية"( ).
الذاكرة عبارة عن نسق لمعالجة المعلومات، وذلك مثل الحاسوب تماما، إلا أن المعالجة للمعلومات تكون على أساس ديناميكي تدخل فيه عوامل فيزيولوجية نفسية وغيرها.
تعريف أندرسون للذاكرة Anderson 1995:
" على أنها دراسة عمليات استقبال المعلومات والاحتفاظ بها واستدعائها عند الحاجة "
كما تعرف الذاكرة : "بأنها جزء من العقل البشري، وهي مستودع لكل الانطباعات والتجارب التي أكتسبها الإنسان عن طريق تفاعله مع العالم الخارجي، وعن طريق الحواس وهي إنطباعات توجد على شكل صور ذهنية، وترتبط معها أحاسيس ومشاعر سارة أو غير سارة للإنسان"
II. أنواع الذاكرة :
توجد عدة نظريات لتفسير مختلف الميكانيزمات التي تدخل في عملية تخزين المعلومات، ومن أهم هذه النظريات نظرية بادلي (Boddejy) الذي يقسم الذاكرة إلى قسمين هما : الذاكرة قصيرة المدى والذاكرة طويلة المدى.
كما يشير كل من (Anderson 1995, Stermberg 2003, Shanks 1997) إلى ثلاثة أنماط من الذاكرة هي الذاكرة الحسية، الذاكرة القصيرة والذاكرة الطويلة.
وفي هذا الصدد يشير أندرسون تحت عنوان "صعود وسقوط" نظرية الذاكرة القصيرة ص 171، ... بأن مفهوم الذاكرة العاملة أصبح بمثابة المفهوم الأكثر قبولا من مفهوم الذاكرة القصيرة بخصائصه التقليدية.
ونظرا لتدخل وتعدد التقسيمات للذاكرة أثناء معالجتها وتخزينها للمعلومات أرتئينا أن ندرج الأنواع التالية وفق الترتيب الآتي :
1. الذاكرة الحسية:
تعتبر الذاكرة الحسية المرحلة الأولى في نسق التذكر عند الكائن البشري حيث يتم تخزين المعلومات الحسية هذه المعلومات الواردة عن طريق الحواس الخمس قد تكون بصرية أو سمعية أو شمية أو غير ذلك.
تتميز هذه الذاكرة ببقاء تأثير المنبه بعد إنهاء عملية التنبيه أو توقفه سواء كان هذا المنبه بصريا أم سمعيا أو واردا من أي حاسة من الحواس ( ).
- تنظيم الذاكرة الحسية لتمرير المعلومات بين الحواس والذاكرة القصيرة حيث تسمح بنقل حوالي 4-5 وحدات معرفية في الوقت الواحد، علما بأن الوحدة المعرفية قد تكون كلمة أو حرفا أو جملة أو صورة حسب نظام المعالجة.
- تخزن الذاكرة الحسية المعلومات لمدة لا تتجاوز الثانية بعد زوال المثير الحسي .
- تنقل الذاكرة الحسية صور عن العالم الخارجي، ولا تقوم بأية معالجات معرفية.
من أكثر أنماطها تناولا :
أ. الذاكرة الحسية البصرية :
كان نسير (Neisser 1861) أول من أشار إلى هذا النمط وسماها الذاكرة التصويرية، ليدلل على الانطباعات البصرية التي تنقلها هذه الذاكرة إلى المعالجة المعرفية اللاحقة.
ب. الذاكرة الحسية السمعية :
بعد التوقف الشير السمعي، تبقى المعلومات في الذاكرة الحسية السمعية قبل تمريرها للذاكرة القصيرة، أما من حيث وظيفة الذاكرة الحسية السمعية فهي على غرار الذاكرة البصرية، حيث تعمل على استقبال المعلومات السمعية والاحتفاظ بها لفترة قصيرة من الوقت، ومن ثم تمريرها إلى الذاكرة القصيرة للمعالجة وفق آلية الانتباه( ).
2. الذاكرة قصيرة المدى :
هي عبارة عن التخزين الفردي و ظرفي للمعلومة، مهمتها الحفاظ على المعلومات لبض دقائق، أو حتى بضع ثواني، والذي يتضمن مرحلة الاحتفاظ بالمعلومات لفترة قصيرة، لأننا بحاجة إليها مؤقتا( ).
ولذاكرة قصيرة المدى ثلاث وظائف : الأولى وتتمثل في جمع المعلومات للاستعمال الأني، والثانية عبارة عن معالجة المعلومات من أجل التخزين الفعال ، هي إمكانية القيام باسترجاع المعلومات (الذكريات) من الذاكرة طويلة المدى وتجديدها في الذاكرة قصيرة المدى.
3.أ. ذاكرة العمل :
لقد تكلم الباحثون كثيرا عن ذاكرة العمل من دون قصد حيث أعطوا تعريفات تمثل في مضمونها تعريفات عدة لذاكرة العمل ولكن بمصطلحات تختلف عنها.
* ف "Case" تكلم عن فضاء المعالجة من جهة وفضاء التخزين من جهة أخرى.
* عام 1970 "Leon" "Pascual" تكلم عن الفضاء الذهني أو فضاء المعالجة المركزي لكي يوضح مجموعة من التخطيطات بامكانها أن تنشط وتترابط في حالة حل أي مشكل.
* أما "Wickens" فقد رأى بأن للذاكرة نظامين تحتين :
- الذاكرة الأولية التي تستقر في الوعي معلومات تنشط خلال تحقيق أي فعل بهذا يكون قد تعلم عن ذاكرة العمل.
- الذاكرة الثانوية التي تمثل الجزء السلبي، أي غير فعال للذاكرة فهي تحتوي على معلومات تمت معالجتها وتمثل موضوعا للمعالجة الفوري بعد استعمالها في ظرف جد قصير( ).
3.ب. ذاكرة العمل في ظل نظرية بادلي :
ظهر مصطلح ذاكرة العمل في بداية السبعنيات على إثر البحوث التي قامت بخصوص الذاكرة القصيرة المدى، وتمثل ذاكرة العمل المرحلة النشطة للتخزين القصير المدى، حيث تم معالجة المعلومات فهم الميكانيز التي تجعلنا نتذكر أمورا وننسى أمور أخرى( ).
-يعرفها بادلي على أنها نسق ذو طاقة محدودة بعمل على الاحتفاظ المؤقت والتصرف في المعلومات أثناء القيام بالعمليات المعرفية مثل التعلم، الفهم.
- اقترح كل من (Hitch- Baddely) نموذج لذاكرة عمل متكون من عدة عناصر بحيث أكدا على أن الذاكرة قصيرة المدى يمكن أن تنشط فضاء للعمل، يعني نظام يسمح باحتفاظ المؤقت للمعلومة ومعالجتها في ظل مهمات معرفية أخرى مثل :
الاستدلال، الفهم، بعد ذلك ذهبنا إلى تفضيل نموذج لمكونات ذاكرة العمل( ).
* مكونات ذاكرة العمل :
رغم وجود عدة نماذج لمكونات ذاكرة العمل فإن النموذج الآخر استعمالا هو نموذج "بادلي" و "هيتش" والذي يفترض وجود أنظمة تحتية مسؤولة على التخزين المؤقت وهما :
- الحلقة الفنولوجية، السجل البصري الفضائي.
- تشير، تراقب، تنظيم هذه الأنظمة التحتية من طرف نظام رئيسي مركزي.
أ. المنظم المركزي :
هو العنصر المنظم الذي يقوم بالتنسيق بين المعلومات التي تصل الحلقة الفنولوجية عبر القناة السمعية البصرية وتلك التي تصل السجل اللفظي البصري من القناة البصرية فقط.
- فزيادة إلى وظيفة التنسيق، يعتقد أن المنظم الإداري يتدخل في المسائل المعقدة التي يتمكن منها النظامين التحتيين فيعمل هذا المكون كمراقب منتبه مهمته تعديلية وظابطة للمهام المقدمة التي تجري في ذاكرة العمل.
- كما اهتم "بادلي" كثيرا بنموذج Normane et Shallise في عام 1986 للمراقب المنتبه والذان يصفان فيه نمطين يسمحان بمراقبة سير الفعل هذا باستعمال مخططات موضوعة جيدًا، تراقب الأفعال المألوفة والتي قد تترابط فيها بينها (كالمشي والكلام في أن واحد).
1. النمط الأول :
شبه أتوماتيكي يحل المشاكل التي تحدث بين سيمات الفعل.
2. النمط الثاني :
فهو عبارة عن نظام منتبه وواعي يدير المواقف المستعجلة أو عندما تكون المهمة جديدة على الشخص حيث يتدخل في تعديل البرنامج الموجود، فهو يملي علينا أفعال جديدة تتناسب مع مشاكل جديدة.
ب. السجل البصري الفضائي :
إن هذا النظام لم يكن موضوع دراسات تجريبية كثيرة، وهذا راجع لتعقيد التقنيات المستعملة وصعوبة ترجمة النتائج المتحصلة عليها وذلك نظرا إلى أن بعض الملاحظات العصبية السيوكولوجية لا يمكن شرحها استنادا على الحلقة الفنولوجية وهو نظام تخزين مؤقت قادر على تصور والاحتفاظ بصورة بصرية فضائية وهو في حد ذاته متخصص إلى أنظمة تحتية أخرى.
* نظام للصور ذات طابع فضائي.
* نظام للصور البصرية غير الفضائية (اللون ، اللمعان)
* نظام للصور البصرية المشكلة إنطلاقا من مجموعة من الأصوات.
جـ. الحلقة الفنولوجية :
هي ثاني النظامين التحتين لذاكرة العمل مسؤول على التخزين المؤقت للمعلومات القادمة من القناتين السمعية والبصرية وهي العنصر الأكثر وضوحا بالنسبة للبحث العلمي.
- تتمثل وظيفة الحلقة الفنولوجية في المحافظة والمعالجة للمادة اللفظية التي تأتيها من القناتين السمعية والبصرية، تتكون الحلقة الفنولوجية من سجل للتخزين الفنولوجي الذي يحتوي على المعلومات اللفظية السريعة الزوال، مع مرور الوقت بحيث لا يتجاوز ثانيتين.
- غير أن هناك إمكانية إعادة تنشيطها بواسطة التكرار اللفظي ، هو عبارة ميكانيزم لفظي داخلي أو نطقي وهو مكون الثاني للحلقة الفنولوجية.
- عندما تصل المادة اللفظية إلى السجل الفنولوجي من القناة السمعية يتم تخزينها في السجل الفنولوجي القصير المدى ثم إعادة تنشيطها بواسطة التكرار اللفظي، أما إذا كان تقديم المادة بصريا.
- تمر عملية التخزين بمرحلتين المرحلة الأولى تتم فيها ترجمة أو تشفير المادة فنولوجيا بواسطة ميكانيزم التكرار اللفظي ثم في المرحلة الثانية يتم تخزينها في السجل الفنولوجي أين تتم عملية التنشيط بواسطة نفس الميكانيزم من أجل الاحتفاظ بالمعلومة لزمن معين.
*. مميزات ذاكرة العمل :
- قدرة التخزين أو سرعة التميز :
حاليا يرى بعض الباحثون بأن ذاكرة العمل لا تتناسب لا مع السن ولا مع الذاكرة وما يوضح هذه العلاقة هو سرعة الترميز في ذاكرة العمل، وقدة الاحتفاظ بالمعلومة حسب الترتيب الوقتي للتتابع الأحداث.
- وقد وجد كل من Badelly, Buchanen, Thomasion عام 1975 أن هناك علاقة وثيقة بين وحدة الحفظ وسرعة قراءة وحدات مبنية بصريا، بينما لاحظ أندرسون عام 1982 أن وحدة الحفظ بالنسبة للسن لسرعة ترميز الوحدات تحت الشكل اللفظي يزداد وحدة الحفظ كل.