: هل الإنسان مخير أم مسير ؟ وإن كان مخيراً ، فهل هو مخير فى كل شئ ؟
:
هناك أمور لا يجد الإنسان نفسه مخيراً فيها 0حقاً إن الإنسان لم يكن مخيراً من جهة الوطن الذى ولد فيه ، والشعب الذى نشأ بينه ، و من جهة الوالدين اللذين ولداه ، نوع البيئة التى أحاطت بطفولته وتأثيرها عليه ، وكذلك نوع التربية التى عومل بها 0
ولم يكن الإنسان مخيراً من جهة جنسه ، ذكراً كان أو أنثى ز و لم يكن مخيراً من جهة شكله ولونه ، وطوله أو قصيره ، ودرجة ذكائه ، وبعض المواهب التى منحت له أو التى حرم منها ، و ما ورثه عن والديه 00 الخ
و
لكن الإنسان فى تصرفاته و أعماله الأدبية ، هو مخير بلا شك 0 يستطيع أن يعمل هذا العمل أو لا يعمله 0 يستطيع أن يتكلم أو يصمت 0 بل إنه يستطيع– إن أراد – أن يصلح أشياء كثيرة مما ورثها ، وأن يغير مما تعرض له من تأثير البيئة والتربية
ويمكنه أن يلقى الماضى كله جانباً ، ويبدأ حياة جديدة مغايرة للماضى كله ، يتخلص فيها من كل التأثيرات السابقة التى تعرض لها منذ ولادته
وكم من أناس استطاعوا فى كبرهم أن يتحرروا من تأثيرات البيئة والتربية والوارثة التى أحاطت بهم فى صغرهم 0 وذلك بدخولهم فى نطاق تأثيرات أخرى جديدة ، عن طريق القراءة ، أو الصداقة والعشرة ، أو بتأثير مرشدين روحيين ومعلمين جدد ، أو بتأثير الدين والإجتماعات كما حدث لأشخاص نشأوا فى حياة ضائعة وتابوا ، أو غيرهم نشاوا فى حياة روحية وضلوا 0
وحتى من جهة المواهب أيضاً 00
!يمكنه أن ينمى المواهب التى ولد بها ، أو أن يضعفها بعدم الإستخدام 0 وقد يكون إنساناً قليل المواهب ، ويستطيع أن يتعهد هذا القليل بالممارسة و الإهتمام فتكبر مواهبة ، أو يكتسب مواهب لم تكن عنده ، ويصير فى حالة أفضل ممن ولد موهوباً وأهمل مواهبة 0
وهناك أمور كثيرة تدل على أن الإنسان مخير لا مسير 0
1- إن وجود الوصية الإلهية دليل على أن الإنسان مخير 0
لأنه إن كان الإنسان مسيراً ، و لا يملك إرادته و لا حريته ، فما معنى الوصية إذن ؟! و ما فائدة الوصية إن كان الإنسان عاجزاً عن السير فيها ، وإن كان مسيراً على الرغم منه فى اتجاه عكسى ؟! و على رأى الشاعر الذى قال :
ألقاه فى اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
وحتى إن كان الإنسان مسيراً فى طريق الوصية ، فلا لزوم للوصية إذن 0 لأنه سيسير فى هذا الطريق بالذات ، وجدت الوصية إن لم توجد !!
ولكن الأمر المنطقى هو أن وجود الوصية دليل على أن الإنسان مخير ، هو فى حريته يتبع وصية الله أو لا يتبعها 0 وهذا ما نشاهده فعلاً 0 بإمكان الإنسان أن يطيع وصايا الله إن أراد 0 أو يعصاها إن أراد 0 لأن الله وهبه حرية الإرادة وحرية الإختيار0 وضع أمامه الخير ، ولكنه لم يرغمه على السير فيه 0
2- وجود الخطية دليل على أن الإنسان مخير 0
فلو كان الإنسان مسيراً ، فهل من المعقول أن الله يسيره نحو الخطيئة ؟ وبذلك يكون شريكاً معه فى أرتكابها ؟! حاشا0 إن هذا أمر لا يقبله العقل 00 و لا يتفق مطلقاً مع طبيعة الله الذى هو قدوس وصالح ، يكره الشر و لا يوافق عليه ، و يدعو كل الناس إلى التوبة وترك الخطية
إذن حينما توجد خطية ، يكون الإنسان قد فعلها باختياره و بإرادته ، أى أنه كان مخيراً فيما يفعله 0 إن كان الإنسان مخيراً فى فعل الشر ، فإنه بالأولى و بالأحرى يكون مخيراً فى فعل الخير ، وخيراً أيضاً فى أن أيضاً فى أن يتجه إلى التوبه وترك الخطية 0 والله يدعو الجميع إلى التوبة 0 و لكنه يتركهم إلى اختيارهم ، يتوبون أو لا يتوبون 00
2- وجود الخطية دليل على أن الإنسان مخير
0 فلو كان الإنسان مسيراً ، فهل من المعقول أن الله يسيره نحو الخطيئة ؟ وبذلك يكون شريكاً معه فى ارتكابها ؟! حاشا 0 لإن هذا أمر لا يقبله العقل 00 و لا يتفق مطلقاً مع طبيعة الله الذى هو قدوس وصالح ، يكره الشر و لا يوافق عليه ، ويدعو كل الناس إلى التوبة وترك الخطية 0
إذن حينما توجد خطية ، يكون الإنسان قد فعلها باختياره وبإرادته ، أى أنه كان مخيراً فيما يفعله 0 وإن كان الإنسان مخيراً فى فعل الشر ، فإنه بالأولى وبالأحرى يكون مخيراً فى فعل الخير ، ومخيراً أيضاً فى أن يتجه إلى التوبة وترك الخطية 0 والله يدعو الجميع إلى التوبة 0 ولكنه يتركهم إلى اختيارهم ، يتوبون أو لا يتوبون 00
3- وجود الدينونة دليل على أن الإنسان مخير 0
مجرد وجود العقاب والثواب دليل على أن الإنسان مخير فيما يفعله 0 لأنه من أبسط قواعد العدل ، أن لا يحكم على إنسان ما لم يكن فى تصرفاته عاقلاً حراً مريداً 0 فإن ثبت انعدام الحرية والإرادة ، لا يحكم له أو عليه ، إذ أنه لا مسئولية حيث لا حرية 0
وبناء على هذا لا يمكن أن يكن أن يحكم الله على خاطئ بالعذاب الأبدى ، ما لم يكن هذا الإنسان بكامل اختياره قد شاء لنفسه السلوك الردئ وارتكبه ، فأخذ لنفسه جزاء إرادته وعمله 0 و على قدر ما تكون له من إرادة ، هكذا تكون عقوبته 0
ومحال أن يعاقب الله إنساناً مسيراً ، لأنه ما ذنب هذا المسير 0 العقوبة بالأحرى تكون على من سيره نحو الخطأ 0 ونفس الكلام نقوله من ناحية الثواب 0 فالله يكافئ من فعل الخير باختياره
بإرادته ورغبته 0 أما إن كان مسيراً ، فإنه لا يستحق ثواباً 0
4-وأخيراً ، نود أن نقدم أربع ملاحظات : أولاً : إن الله يحث كل إنسان على الخير ، ويرشده ليبعد عن الخطأ 0 سواء عن طريق الضمير أو المرشدين وألآباء والمعلمين ، وبكل عمل النعمة 0 و مع ذلك يتركه إلى اختياره يقبل أو لا يقبل 0
ثانياً : إن الله يتدخل أحياناً لإيقاف شرور معينه ، يمنع من ارتكابها 0 و فى هذه الحالة لا يكون فضل لمن ترك هذا الشر ، و لا يكون له ثواب 0هنا من أجل الصالح ، يسير الله الأمور بنفسه ، أو يحول الشر إلى خير 0 أما فى باقى أمور الإنسان العادية وتصرفاته فهو مخير ويملك إرادته 0
ثالثاً : قد يفقد الإنسان إرادته بإرادته 0 أى أنه ربما بإرادته يستسلم لخطية معينة ، إلى أن تصير عادة أو طبعاً ، يخضع لها فيما بعد ويفعل ما يريده هذا الطبع ، وكأنه أمامه يغير إرادة
ولكنها عدم إرادة ، تسببت عن إرادة سابقة ، فعلها الإنسان و هو مخير 0
رابعا : إن الله سيحاسب كل إنسان فى اليوم الأخير ، على قدر ما وهبه من عقل وإدراك ، وعلى قدر ما لديه من إمكانية وإرادة واختيار 0 ويضع الله فى اعتباره ظروف الإنسان ، و ما يتعرض له من ضغوط ، مدى قدرته أو عدم قدرته فى الإنتصار على هذه الضغوط 0