توجد أنواع من القصص: بعضها للتسلية. والبعض للفكاهة. وبعضى للتعرف علي أحداث من التاريخ. ونوع آخر للمعرفة والتعليم.. وما أقدمه لك اليوم. هو قصص لها عمق. وفي نفس الوقت. فيها تعليم. ولها مغزي. وبعض منها خرافي. ولكنه مفيد ومؤثر في مغزاه. وقد تأثرت بالكثير منها. فأردت أن يشترك معي القاريء في تذوق معناها.
قصص عن بعض الفلاسفة الملحدينفي إحدي المرات تقابل فيلسوف مُلحد مع فيلسوف مُؤمن فقال الملحد للمؤمن: ها أنت ترهق نفسك في ألوان متعددة من العبادة. فإن أدركك الموت. وإذا لا حياة أخري. ولا سماء ولا جهنم. ولا ثواب ولا عقاب.. فكم يكون الأسف علي كل تعبك هذا في الصوم والصلاة وفي جهادك لضبط النفس..؟! فأجاب المؤمن: أنا لا أخسر شيئا من جهة عبادتي. لأنني أجد متعة في الصلاة والصوم وضبط النفس. ولكن ما مصيرك أنت بعد الموت. إن اكتشفت أنه توجد حياة أخري. وسماء وجهنم. وثواب وعقاب..؟!
***
مرّ فيلسوف مُلحد علي أحد الحقول. فرأي فلاحا بسيطا راكعا علي الأرض يصلي. فتأمله بعض الوقت في عمق ثم قال:
أنا مستعد أن أتنازل عن نصف فلسفتي. بل عن فلسفتي كلها. إن عرفت سرّ هذا الرجل البسيط الذي يكلّم كائنا لا يراه..!!
ديوجين والإسكندر* كان ديوجين من أشهر فلاسفة عصره. وكان مثالياً في شخصيته. كما كان ناسكاً أيضاً. شوهد مرة يحمل مصباحاً في النهار. ويسير كمن يبحث عن شيء. فسألوه عما تبحث؟ فقال: عن إنسان..!
* وكان "الإمبراطور" الإسكندر المقدوني معجبا جدا بديوجين الفيلسوف. لدرجة أنه قال ذات مرة: لو لم أكن الإسكندر. لتمنيت أن أكون ديوجين.
* وفي أحد الأيام كان ديوجين في صومعته. فأطل الإسكندر عليه. وقال له: اطلب ما تشاء - ولو نصف مملكتي. فأعطيك إياه. فأجابه ديوجين: أريد ألا تمنع عني الشمس.
كبرياء من؟!قيل إن أفلاطون الفيلسوف الشهير أقام حفلة لفلاسفة عصره. وزيَّن بيته بفاخر الرياش وبالسجاد الثمين جداً. وكان من بين المدعوين ديوجين الفيلسوف. الذي لنسكه تعجب جداً كيف أن فيلسوفاً عظيماً كأفلاطون يفرش قصره بمثل ذلك السجاد الفاخر. وداس بقدمه علي السجاد مشمئزا. فسأله أفلاطون: لماذا تدوس علي السجاد هكذا يا ديوجين؟ فقال ديوجين: أنا لا أدوس علي السجاد. إنما علي كبرياء أفلاطون!
فأجابه أفلاطون: ولكنك تدوس علي كبرياء أفلاطون بكبرياء..!
المكان الرئيسيقيل إن بسمارك أكبر السياسيين في أوروبا في زمنه دُعي إلي حفل. فلم يُجلسه المنظمون في المكان اللائق به. ولاحظ رئيس البروتوكول ذلك. فأسرع إليه معتذراً وقال له: أنا آسف يا سيد بسمارك. كان المفروض أنك تجلس في المكان الرئيسي.
فأجابه بسمارك بكل هدوء. لا تأسف مطلقاً. فحيثما جلس بسمارك. يكون هذا هو المكان الرئيسي..!.
الإنسان المثاليالكاتب الأيرلندي الساخر برنارد شو. كثيراً ما تحدث عن الإنسان المثالي Super Man. فأتته مغنية جميلة جداً من أيرلندا أيضاً وقالت له: ما رأيك في أن نتزوج نحن الاثنين. وننجب ابناً. يرث جمالي. كما يرث ذكاءك. ويكون هذا الإنسان المثالي الذي تبحث عنه.
وكان برنارد شو مشهوراً ببغضه للنساء. فاعتذر لتلك المغنية الجميلة عن قبول الزواج بها قائلاً لها: آسف يا سيدتي. فهذا الزواج غير مضمون النتائج. فربما الابن المولود يأخذ جماله مني أنا. ويأخذ ذكاءه منك. فيصبح لا شيء..!.
برنارد شو والمالكان هذا الكاتب الشهير حريصاً علي اقتناء المال. فكان إذا طلب منه أحد المعجبين أن يكتب له كلمة تذكارية. يكتب له علي قدر ما يدفع له من مال: كل كلمة مقابل جنيه. وكان أحد أولئك المعجبين لا يملك سوي جنيه واحد. فأرسله إليه. فكتب له برناردشو: Thanks "شكراً". واغتاظ أحدهم من حب هذا الكاتب للمال. فأرسل يهاجمه قائلاً: أنت تسعي إلي المادة والمال. أما نحن فنبحث عن الشرف والكرامة.
فأجابه برنارد شو: لك حق في كل ما قلته. لأن كل إنسان يبحث عما ينقصه.
إجابات تدل علي ذكاء.. أبي أم الأمير؟
أحد الأمراء العظام. زار بيت رجل من كبار موظفيه. وكان لهذا الموظف الكبير ابن معروف بالذكاء. وقد أعجب به الأمير. فأراد أن يختبر ذكاءه بأن قال له: بيت أبيك أعظم أم بيت الأمير؟ وتحير الطفل بين إجلاله لأبيه وإجلاله للأمير. ولكنه أجاب بذكاء: مادام الأمير في بيتنا. يكون بيت أبي أعظم من بيت الأمير.
من الأكبر؟وزير كبير في السن ذهب للقاء أمير البلاد الذي كان متوسط العمر. وفيما هو منتظر المثول بين يدي الأمير. سأله أحد رجال الحاشية ليختبر إجابته: هل أنت أكبر أم الأمير؟
فأجاب الوزير الشيخ: الأمير هو الأكبر مني بلا شك. ولكنني قد وُلدت قبلاً منه..!.
بأي وجه؟!دخل علي السلطان رجل كان قد أذنب إليه. فقال له السلطان: "بأي وجه تلقاني؟!"
فأجابه الرجل المذنب: "بالوجه الذي ألقي به الله. وذنوبي إليه أعظم. والعقاب الذي أستحقه أكبر".. فعفا عنه السلطان.
أيهما أولاًشاب أشرف علي الغرق. فصرخ إلي رجل علي الشاطيء لينقذه. فقال له الرجل: كيف يا ابني تنزل إلي البحر. وأنت لا تحسن السباحة؟! كان الأجدر بك أن تكون حكيما. ولا تخاطر بنفسك.. فأجابه الشاب: بل الأجدر يا سيدي أن تنقذني أولا من الغرق. ثم بعد ذلك توبخني كما تشاء.
أعمي يقود بصيراًيحدث في بعض الأيام في مدينة لندن. أن يكون الضباب كثيفاً لدرجة أن السائر في الشارع لا يستطيع أن يميز طريقه.. وهكذا ضل أحد السائرين طريقه. فاقتاده صديق أعمي. لأن الأعمي تعود أن يعرف الطريق سواء كان هناك ضباب أم لم يكن.
وقد وصف الأستاذ أحد الشعراء هذا المنظر في شعره فقال:
رأيت أعمي في الضباب بلندني
فأتاه يسأله الهداية مبصرى
فاقتاده الأعمي فسار وراءه
وهنا بدا القدرُ اللئيم مقهقهاً
يمشي فلا يشكو فلا يتأوهُ
حيران يخبط في الظلام ويعمهُ
أنّي توجه خطوةً يتوجهُ
ومضي الضباب ولايزال يقهقهُ
موعد مع الموتعاد ذلك الأمير الفرنسي إلي قصره. فوجد سكرتيره يحزم أمتعته استعداداً للرحيل. فسأله عن السبب فأجاب: كنت سائراً في أحد شوارع باريس. فرأيت أمامي ملاك الموت. فنظر إليَّ نظرة أفزعتني جداً. فقررت ترك باريس كلها والسفر إلي طولون لأنها بعيدة عن باريس جداً. فسمح له الأمير بالسفر. لأنه كان في فزع شديد. واستقل السكرتير عربته وراح ينهب الأرض نهباً إلي طولون وبعد بضع ساعات خرج الأمير يتمشي في شوارع باريس. فرأي أمامه ملاك الموت. فقال له: أسألك يا سيدي الملاك. لماذا نظرت إلي سكرتيري نظرة أفزعته. لدرجة جعلته يقرر الهروب؟
فأجاب الملك: يعلم الله أنني لم أرد إطلاقاً أن أفزعه.. ولكنني نظرت إليه في استعجاب شديد: كيف أري هذا الرجل أمامي في شوارع باريس. بينما لي موعد معه هذه الليلة في طولون!!.
حيلة فيها ذكاءقرد ذكي كبر في السن. فاستقر به الأمر علي شجرة جوز هند كبيرة علي شاطيء البحر. وصار يشتغل بالنصح والإرشاد لكل من يقصده. وفيما كان هذا القرد يتسلي بإلقاء ثمار جوز الهند في البحر. فيحدث ذلك صوتاً يعجبه أن كان عجل بحر يتلقي هذه الثمار وهو في الماء. ظاناً أن القرد إنما يلقيها إليه عن قصد.. فصارت صداقة بين الاثنين.
وهكذا تمتع الاثنان بعشرة طيبة. وصار عجل البحر يسهر فترات طويلة مع القرد. ولا يرجع إلي مسكنه في كل يوم إلا بعد منتصف الليل.
فتضايقت زوجة عجل البحر من هذا الأمر. وشَكت حالها إلي صديقة عجوز لها معروفة بالخبرة والذكاء. فقالت لها العجوز "تمارضي. فإن أتي زوجك. اطلبيني لأصف لك علاج مشكلتك". وقد كان. فلما حضر عجل البحر. ووجد أن زوجته مريضة. طلبا الصديقة العجوز لمعرفتهما بذكائها وخبرتها. فجاءت وكشفت عليها. وقالت إن علاجها الوحيد هو أن تأكل قلب قرد..!. وذهب عجل البحر إلي صديقه القرد. وبعد سهرتهما معاً. قال له: يسعدني يا صديقي القرد أن تأتي إلي مسكني في جزيرة قريبة. ووافق القرد. وقفز علي ظهر عجل البحر الذي سبح به وهو مهموم يفكر: هل يضحي بصديقه بأن يهبط به في البحر فيغرق ثم يحمله لتشفي زوجته بأكل قلبه..؟ أم أن هذه خيانة تتعب ضميره. فلا يفعلها. وحينئذ تموت زوجته؟! وأحس القرد بهموم صديقه العجل فسأله عن السبب فأجابه بصراحة وقال: إن علاج زوجتي الوحيد هو قلب قرد. وإلا فإنها تموت. فأجابه القرد: طلبك سهل يا أخي. فلماذا لم تطلب مني هذا الطلب ونحن علي الشجرة. فسأله العجل عن السبب. فقال القرد: إننا معشر القرود. إذا زرنا صديقا لنا متزوجا. لا نأخذ قلوبنا معنا. لئلا نقع في الفتنة. فهيا بنا إلي الشجرة لأحضر لك قلبي من هناك. فتأخذه لشفاء زوجتك. وصدق العجل هذا الكلام وعادا إلي الشجرة. فلما وصلا إليها. قفز القرد إلي أغصانها. وقال للعجل: عُد يا صديقي إلي زوجتك. ولتنته صداقتنا عند هذا الحد. فهذا هو الأنفع لشفاء زوجتك.
رائع نظرياً.. ومستحيل عملياًجماعة من الفئران كانوا يسكنون معاً في منطقة واحدة. وكان قط سمين يأتي متلصصاً كل يوم. فيخطف واحداً منهم. فاجتمع الفئران في مؤتمر لبحث حل لمشكلتهم. فوقف فأر من الشبان المتحمسين. وقال إن الحل هو أن نعلق جرساً في رقبة القط. فإذا جاء خلسة يكشف الجرس مجيئه. فنجري إلي جحورنا ونختبيء فلا يستطيع أن يخطف أحداً منا. وصفق الفئران معجبين بهذا الاقتراح الرائع. وهنا وقف فأر شيخ وقال:
حقاً. إنه اقتراح رائع. ولكن عملياً: من منكم يستطيع أن يعلق الجرس في رقبة القط؟! وصمت الجميع في حزن ويأس.