البابا شنودة الثالث الجزء (3)
9- الله خالق ما يُرى وما لا يُرى
عبارة "ما يُرى" سهلة الفهم. فماذا تعني عبارة ما لا يرى"؟
المقصود بعبارة ما لا يرى، الذي لا يرى بواسطتنا نحن، بحواسنا البشرية. لذلك لأن حواسنا البشرية ترى المادة فقط أما ما يخرج عن نطاق المادة فلا نراه.
1- فمثلا من ضمن "ما لا يُرى" الأرواح.
كتاب ومن الأرواح: الملائكة (مز104: 4). فملائكة كثيرون يحيطون بنا ونحن لا نراهم. ولكن إذا اتخذ الملاك شكلا، فنحن نرى هذا الشكل. أما الملاك من حيث طبيعته كروح، فإننا لا نراه. و بنفس الوضع: الشياطين لأنها هي أيضا أرواح، أرواح شريرة، أو أرواح نجسة (مت10: 1، 8). فهي تحاربنا ولكننا لا نراها. أما إذا ظهر الشيطان في شكل معين، فإننا نراه في هذا الشكل. ولكننا لا نراها بطبيعته كروح أنت أيضا كإنسان: فيك ما يرى وهو الجسد، وما لا يرى أي الروح التي لا نراها وهى تخرج من الجسد وقت الموت. أما إذا ظهرت لنا روح قديس (في معجزه مثلا). فلابد أن يتخذ القديس شكلًا تدركه حواسنا المادية..
2-هناك أيضا أشياء دقيقة جدا أو بعيدة جدا، لا تستطيع أبصارنا المادية أن تراها، ولكنها ترى بأجهزة.
مثال ذلك الميكروبات التي لا ترى بالعين المجردة، ولكن يمكن أن نراها بالميكروسكوب أو بأجهزة أخرى. نشكر الله أن بصائرنا لا تراها، وإلا ما كنا نستطيع أن نعيش، وبخاصة في أجواء يكثر فيها التلوث. حتى الهواء مملوء بذرات. من حسن حظنا أننا لا نراها. أشياء أخرى بعيدة، لا نراها بسبب بعدها. ولكن يمكن رؤيتها بأنواع من التيلسكوبات. وبخاصة بالنسبة إلي الأجرام السماوية وما فيها. ومركبات الفضاء استطاعت أن ترى في رحلاتها ما لم يكن يرى من قبل ولكن ما رأته الأقمار الصناعية ومكوكات الفضاء هو شيء ضئيل جدا جدا من عالم الفلك الذي تدخل تفاصيله في نطاق ما لا يرى.
3- هناك أشياء أخرى لا ترى حاليا، لأنها مخفاة. ولكن بعضها يمكن أن نراه بطرق الكشف:
مثال ذلك كل ما يوجد في باطن الأرض من المعادن، التي بعض منها أمكننا أن نراه بوسائل الاستكشاف العديدة والحفر.
وهكذا أمكننا أن نستخرج من باطن الأرض ومن صخورها الذهب والنحاس والمنجنيز والماس، وما إلى ذلك مما كان لا يرى من قبل. يضاف إلي ذلك ما كشف عنه البحث من آبار البترول والغاز الطبيعي. كذلك ما لم يكن يرى في أعماق البحار، وأمكن استخراجه. وأصبح الآن يرى. وكان قبل ذلك لا يرى. يمكننا أن نضيف إلي هذا البند أيضا أشياء كانت في جوف الإنسان لا ترى. أصبحت ترى بواسطة الأشعة والكاتسكان والـMRI وغير ذلك من الأجهزة الطبية.
4- هناك خواص أوجدها الله في طبيعة الإنسان، وهي لا ترى. ولكن عملها يظهر.
مثال ذلك العقل: أنت لا تراه، ولكن عمله يظهر ويدل عليه. والضمير أيضًا لا نراه، ولكن عمله يدل عليه.
5- كذلك المواهب التي يمنحها الله للإنسان.
أنت لا ترى الموهبة، ولكنك ترى عملها.. فالله قد يهب بعض الناس الحكمة أو الإيمان (1كو 12) ونحن لا نرى الحكمة ولا الإيمان. ولكن نرى عملهما الذي يدل علي وجود كل منهما..
إلى هنا ينتهي الجزء الخاص بالآب في قانون الإيمان. قانون الإيمان لقداسة
10- نؤمن برب واحد
ويبدأ بعد ذلك الكلام عن الابن.
وأول ذلك: نؤمن برب واحد يسوع المسيح.
كلمه رب معناها سيد، و معناها إله، مثلما نقول في صلواتنا يا رب بمعني يا الله.. وقد استخدمت كلمه رب في قانون الإيمان بمعني إله
والسيد المسيح أطلقت عليه كلمه (رب)، في الإنجيل المقدس بتعبير يدل علي لاهوته.
مثال ذلك قوله عن يوم الدينونة الرهيب: "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين ، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟! فحينئذ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عنى يا فاعلي الإثم" (مت7: 22، 23) واستخدم نفس اللقب (يا رب) في الدينونة واضح في (مت25: 37، 44). قيل له ذلك وهو جالس علي كرسي مجده ليدين (مت25: 31) كذلك قال له القديس اسطفانوس في وقت استشهاده أيها الرب يسوع إقبل روحي (أع7: 59). وكذلك استخدم لقب (رب) في مجال الخلق تعبيرا عن لاهوته. فقال الرسول "ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به" (1كو 8: 6). وقيل أيضا إنه "رب السبت" (مت 12: 8) وقيل أيضا أنه "رب المجد" (1كو 2: 8). واستخدم لقب (رب) بالنسبة إلي السيد المسيح في مجالات المعجزة. [أنظر كتابنا (لاهوت المسيح هنا في موقع الأنبا تكلا) من ص 51 - 59].
ومن أجمل ما يقال في هذا المجال أن ربنا يسوع المسيح لم يلقب بكلمة رب فقط، إنما أيضا رب الأرباب (رؤ 19: 16).
وتكرر ذلك أيضا في (رؤ17: 4) "رب الأرباب وملك الملوك" وهذا اللقب خاص بالله وحده. كما قيل في سفر التثنية " لأن الرب إلهكم، هو إله الآلهة، ورب الأرباب، الإله العظيم الجبار المهوب" (تث10: 17)
ولئلا يظن البعض أن استخدام كلمة (رب) بدلا من كلمة (إله) هو أن السيد المسيح أقل من الآب!! نرد قائلين:
1- قانون الإيمان ذكر اللقبين بالنسبة إلي السيد المسيح: رب وإله.
فكما قيل "نؤمن برب واحد يسوع المسيح" قيل بعدها "إله حق من إله حق". وهذا يذكرنا بقول القديس توما له بعد القيامة "ربى وإلهي" (يو 20: 28).
2- كما أن كلمة (رب) أطلقت علي كل من الأقانيم الثلاثة: كما أطلقت علي الابن أطلقت أيضًا على الآب وعلى الروح القدس فعن الآب قيل "فدخل الملك داود وجلس أمام الرب وقال.. يا رب من أجل عبدك داود وحسب قلبك فعلت كل هذه العظائم. يا رب ليس مثلك، ولا إله غيرك" (1 أي 17: 16، 19، 20). وقيل عن شاول الملك "وذهب روح الرب من عند شاول. وبغتهُ روح رديء من قبل الرب" (1صم 16: 4). أنظر أيضا (أش 61: 1). وفي قانون الإيمان قيل أيضا عن الروح القدس "الرب المحيي". إن كل واحد من الأقانيم الثلاثة رب وإله.
3- عبارة "نؤمن بإله واحد: الله الآب" يمكن أن تفهم بأننا نؤمن بإله واحد، الذي هو الثالوث القدوس: ثم بعد ذلك يدخل قانون الإيمان في تفاصيل الثالوث. فيقول الله الآب، ثم بعد ذلك رب واحد يسوع المسيح..