كتاب قانون الايمان لقداسة البابا شنودة الثالث الجزء (4)
11- نؤمن برب واحد يسوع المسيح
كلمه يسوع معناها مخلص. وقد قيل في البشارة بميلاده "وتدعو أسمه يسوع، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت 1: 21) أما كلمه المسيح فتعني رسالته باعتباره ملكا وكاهنا ونبيا. وقد ورد عنه في نبوءة أشعياء "روح السيد الرب علي. لأن الرب مسحني لأبشر المساكين. أرسلني لأعصب منكسري القلوب. لأنادى للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق" (أش 61: 1 )
وكلمة (مسيح) كانت تطلق علي كل من يمسح بالزيت المقدس بواسطة الأنبياء. سواءً كان كاهنًا أو ملكًا أو نبيًا.
فهارون رئيس الكهنة مسح كاهنا بواسطة موسى النبي حسب أمر الرب له "وتلبس هرون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لي. وتقدم بنيه وتلبسهم أقمصة، وتمسحهم كما مسحت أباهم ليكهنوا لي" (خر 40: 13، 14) وهكذا فعل موسى " صب من دهن المسحة علي رأس هرون ومسحه لتقديسه" (لا8: 12) وكان الملوك أيضا يمسحون بدهن المسحة. كما مسح صموئيل شاول ملكا، فحل عليه روح الرب" (1صم 10: 1، 10) وكما مسح أيضا داود ملكا، فحل عليه روح الرب كذلك (1 صم 16: 13 ) ومن أمثله مسح الأنبياء أمر الرب لإيليا النبي " وامسح أليشع.. نبيا عوضا عنك (1مل 19: 16). وكان كذلك.
وكل من هؤلاء الممسوحين كان يدعى مسيح الرب.
ولما اضطهد شاول الملك داود و أراد أن يقتله. ثم وقع في يد داود. وأشار أصحاب داود عليه أن يقتل شاول، امتنع عن ذلك وقال " حاشا لي من قبل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي مسيح الرب فأمد يدي إليه. لأنه مسيح الرب هو" (1صم 24: 6). والسيد الرب لقب هؤلاء بكلمة (مسحائي) وهكذا قال الرب "لا تمسوا مسحائي"، ولا تسيئوا إلي أنبيائي" (مز105: 15)
أما ربنا يسوع المسيح، فلم يكن مجرد مسيح، أي أحد المسحاء. بل كان المسيح. وكانوا يسمونه أيضا (المسيا).
وهكذا قالت المرأة السامرية "أنا أعلم أن المسيا الذي يقال له المسيح يأتي. فمتي جاء ذاك يخبرنا بكل شيء ( فقال لها: أنا الذي أكلمك هو) (يو4: 25، 26). ثم قالت المرأة لأهل السامرة "هلموا انظروا إنسان قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح" (يو4: 29). ولما استمع إليه أهل السامرة قالوا "نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم" (يو4 :42) والسيد المسيح تميز عن كل أولئك المسحاء بأنه "مسح بزيت البهجة أفضل من رفقاءه" (عب 1: 9).
وبأنه جمع الوظائف الثلاثة الخاصة بالمسحاء فكان ملكًا وكاهنًا ونبيًا في نفس الوقت. كما أنه كان المسيح يسوع أي مخلص العالم.
اليهود كانوا ينتظرون المسيا (المسيح المخلص). وهكذا أراد القديس يوحنا الرسول بمعجزاته التي انفرد بها أن يثبت أن يسوع هو المسيح.
فقال في أواخر إنجيله "وآيات آخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب. وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح. ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (يو 20: 30، 31). وطبعًا هذا المسيح الذي ينتظرونه هو الذي تتركز فيه كل نبوءات العهد القديم ورموزه... نلاحظ أن السيد المسيح لم يلقب نفسه باسم يسوع المسيح، إلا في يوم خميس العهد، في حديثه الطويل مع الآب قبل ذهابه إلي بستان جثسيماني (يو 17: 3) أما الآباء الرسل، فقد كرروا هذا اللقب كثيرا في الحديث عنه فكانوا يقولون " يسوع المسيح ربنا" (رو1: 4) " نعمه ربنا يسوع المسيح.. تكون مع جميعكم" (2كو 13: 14) " يسوع المسيح له المجد إلي الأبد آمين" (رو16: 27 ) " بولس الرسول يسوع المسيح" (2كو 1: 1). والأمثلة كثيرة جدا، لا داعي لحصرها.
عجيب أن البعض لا يدعو السيد الرب إلا بكلمة (يسوع) ناسيا لاهوته وأمجاده كلها، وربوبيته، وأنه المسيح.
ولكن الرسل كرروا كثيرًا عبارة "ربنا يسوع المسيح" ونحن نقول في مقدمة قراءة الإنجيل في الكنيسة "ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا. ربنا يسوع المسيح الذي له المجد إلي الأبد، آمين لذلك نرجو إجلالا للرب أننا لا نستخدم مجرد كلمة يسوع. نتابع قانون الإيمان إذ يقول: نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد.
**************
12- يسوع المسيح ابن الله الوحيد
عبارة (الوحيد) لتمييزه عن بنوتنا نحن لله. فهو الوحيد الذي هو ابن الله من نفس طبيعته وجوهره ولاهوته.
وقد وردت عبارة ابن الله الوحيد في الآيات الآتية:
(يو 1: 18) "الآب لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّر. أي أعطي خبرًا عنه. أي عرفنا به، إذ يقول "من رآني فقد رأي الآب" (يو 14: 9).
(يو 3: 16) "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد. لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية".
(يو 3: 18) "الذي يؤمن به لا يدان. والذي لا يؤمن به قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (1 يو 4: 9) "بهذا أظهرت محبة الله فينا: أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلي العالم لكي نحيا به (يو 1: 14) " و الكلمة صار جسدا وحل بيننا. ورأينا مجده كما لوحيد من الأب مملوءًا نعمة وحقًا"، أي باعتباره وحيدًا للآب.
عبارة (ابن الله الوحيد) تميزه عن جميع البشر الذين دعوا أبناء الله، وهم ليسوا من طبيعته..
فنحن أبناء الله بمعني المؤمنين به. كما قيل في بدء إنجيل يوحنا "وأما كل الذين قبلوه، فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه" (يو 1: 12). أو دعانا الله أبناء له، من فيض محبته لنا. وهكذا يقول القديس يوحنا الرسول "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعي أولاد الله" (1 يو 3: 1)
أو أن بنوتنا لله هي نوع من التبني. كما قال القديس بولس الرسول "ولما جاء ملء الزمان، أرسل الله أبنه مولودًا من امرأة، مولودا تحت الناموس، ليفتدى الذين تحت الناموس، لننال التبني" (غل4: 3، 5). أنظر أيضا (رو8: 23) ولكننا لسنا أبناء من طبيعة الله ولسنا من جوهره. الوحيد الذي هو من طبيعة الله ومن جوهره ومن لاهوته هو ربنا يسوع المسيح. لذلك دعي أيضا (الابن). مجرد كلمة (الابن) تعني ابن الله الوحيد.. وهكذا قيل في إنجيل يوحنا "الله يحب الابن، وقد دفع كل شي في يده. الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن، لن يري حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو 3: 35، 36). وقيل في نفس المعني "لأن الأب لا يدين أحدا بل قد أعطي كل الدينونة للابن. لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" (يو 5: 22، 23). وقيل أيضا "كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضا يحيي من يشاء" (يو 5: 2).
وكلها - كما هو واضح - آيات تدل علي لا هوت الابن. يؤكد نفس المعني بلاهوته (عن طريق عبارة الابن) قول الرب في حواره مع اليهود " إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا (يو 8: 36 ). وقيل أيضًا "من له الابن، فله الحياة. ومن ليس له ابن الله، فليست له الحياة" (1 يو 5: 12) وهكذا قال الرب عن نفسه "كل شيء دفع إلي من أبي. ليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن، ومَنْ أراد الابن أن يعلن له" (لو 10: 22).
وبهذا استخدمت عبارة (ابن الله) للدلالة علي ربنا يسوع المسيح وحده.
كما ورد في (1 يو 5: 12). وكما ورد في سؤال السيد المسيح للمولود أعمي "أتؤمن بابن الله؟" فأجاب "مَنْ هو يا سيد لأؤمن به؟" فقال له "قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو". فقال الرجل "أؤمن يا سيد وسجد له" (يو 9: 35 -38). هذه إذن بنوة تستدعي الإيمان والسجود، وليست بنوة عادية كباقي المؤمنين. إنها بنوة من جوهره، بنوة الابن الوحيد..
وكان الجميع يفهمون وصفه ابن الله بهذا المعنى.
ولذلك في معجزات الصلب، من حيث أن "حجاب الهيكل انشق، والأرض تزلزلت والصخور تشققت.. قيل" وأما قائد المئة والذين معه.. فلما رأوا الزلزلة وما كان. خافوا جدًا وقالوا: حقًا كان هذا ابن الله" (مت 27: 51 -54). وطبعًا ما كانوا يقصدون بنوة عامة كسائر البشر، إنما بنوة إلهية، تعني أيضا ابن الله الوحيد.
وبسبب هذا طوب الرب اعتراف بطرس الرسول.
لما سأل الرب تلاميذه قائلًا "وأنتم من تقولون إني أنا؟ " فأجاب سمعان بطرس وقال "أنت هو المسيح ابن الله الحي". فطوبه الرب قائلًا "طوبى لك يا سمعان بن يونا. إن لحمًا ودمًا لم يُعْلَن لك لكن أبي الذي في السموات وأنا أقول لك أنت بطرس. وعلي هذه الصخرة أبني بيعتي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت 16: 13-18) أي علي صخرة الإيمان بأنني ابن الله.
حتي الشيطان نفسه كان يعرف معني عبارة (ابن الله).
وكان يدرك تماما أنها لا تدل مطلقا علي بنوة عامة كبنوة سائر المؤمنين، إنما هي بنوة فيها قوة المعجزات. لذلك قال له في التجربة علي الجبل " إن كنت ابن الله، فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا" (مت 4: 3) ونفس أعوان الشيطان من الأشرار كانوا يفهمون عبارة (ابن الله) بنفس هذا المعني اللاهوتي المعجزي. وهكذا قيل له أثناء صلبه".. إن كنت ابن الله، فانزل عن الصليب" (مت 27: 40)
ونفس هذه الحقيقة هي التي قصدها مجمع السنهدريم.
حيث أجتمع رؤساء الكهنة و الشيوخ والمجمع كله في محاكمة الرب. وقال له رئيس الكهنة "استحلفك بالله الحي أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله" (مت 26: 59 -63). فلو يقصد بنوة لله بالمعني العام، ما كان يستحلفه ليجيب ولما أجاب الرب بالإيجاب وقال له أنت قلت.. "حينئذ مزق رئيس الكهنة ثيابه قائلًا: قد جَدَّف. ما حاجتنا بعد إلى شهود.." (مت 27: 65).
إن الإيمان بأن السيد المسيح ابن الله، يعني ليس فقط أنه أن نتبع هذا الأمر بشيء من التبسيط فتقول إنه قال لليهود. "قبل أن يكون إبراهيم، أنا كائن" (يو 8: 56) فهو لاهوتيًا كان قبل إبراهيم من جهة الزمن. ومع إنه قد قيل عنه بالجسد إنه "ابن إبراهيم بن داود" الابن الوحيد، بل يحمل صفات أخرى.
إنها بنوة أزليه، لا ترتبط بزمن، وليس فيها فارق زمني، كما يحدث في البنوة البشرية. ولا يعني ما يقوله شهود يهوه وأمثالهم من الأريوسيين إنها بنوة أخذها مكافأة علي طاعته، أو أخذها فقط وقت العماد!!
كلا، بل هي بنوة طبيعية، كما يولد الشعاع من الشمس، وكما يولد النور من النار.
إنها لا ترتبط بزمن، بل كما نقول في قانون الإيمان (المولود من الآب قبل الدهور).
هو ابن الله بمعني أنه اللوجوس.
أي عقل الله الناطق، ونطق الله العاقل. وعقل الله هو موجود في الله - بطبيعة الله منذ الأزل. وبولادة العقل الإلهي من الذات الإلهية، سمي الآب أبًا.
وهذه البنوة كانت قبل كل الدهور.