لوقا 17 - تفسير إنجيل لوقا
الإيمان والصداقة الإلهية الجزء(2) للقمص تادرس يعقوب ملطي
4. الشكر والإيمان (العشرة بُرص)
قلنا أن الإيمان هو سرّ قوة الكنيسة، به ننعم على الصداقة الإلهية، هذا الإيمان ليس حكرًا لشعب ما أو أمة معينة إنما هو مُقدم لكل البشرية. هذا ما أوضحه لنا الإنجيلي عندما حدّثنا عن لقاء السيد المسيح بعشرة رجال بُرص يطلبون منه أن يرحمهم، عندئذ أمرهم: "اذهبوا أروا أنفسكم للكهنة" وفيما هم منطلقون طهروا، فعاد إليه واحد منهم يقدم الشكر له وكان سامريًا، فاستحق دون سواه أن يسمع: "قم وامض إيمانك خلصك" [18].
ويلاحظ في قصة تطهير هؤلاء الرجال البرص الآتي:
أولًا: يقول الإنجيلي: "وفي ذهابه إلى أورشليم اجتاز في وسط السامرة والجليل. وفيما هو داخل إلى قرية استقبله رجال برص، فوقفوا من بعيد" [11-12]. كانت أنظار السيد المسيح تتجه إلى أورشليم لكنه اجتاز عمليًا في وسط السامرة والجليل، فإن كانت أورشليم هي مركز عبادة الشعب اليهودي، فقد جاء إلى خراف إسرائيل الضالة لكي يردها لكنه دون تجاهل للسامرة، وأيضا للجليل حيث يوجد عدد كبير من الأمم، أنه يود صداقة الكل!
يبقى السيد المسيح متحركًا نحو أورشليمه، أي مدينته السماوية أو ملكوته الأبدي حيث الهيكل غير المصنوع باليد، ينطلق إلى هناك حاملًا أعضاء جسده من كل أمة ولسان، من السامرة والجليل.
التقى بالعشرة رجال البرص خارج القرية، فإنه بحسب الشريعة الموسوية لا يسكن الأبرص وسط المحلة أو داخل المدينة أو القرية إنما خارج الأسوار أو وسط القبور، ويكون مشقوق الثوب، ورأسه يكون مكشوفًا ويغطي شاربيه، وينادي: نجس، نجس (لا 13: 45-46)، وقد رأينا في تفسيرنا لسفر اللاويين ما يحمله هذا الطقس من معنى، حيث يكشف عن بشاعة نجاسة الخطية وتحطيمها للإنسان وحرمانه من الشركة مع الجماعة المقدسة.
هؤلاء الرجال العشرة يمثلون البشرية التي صارت خلال الخطية محرومة من "الشركة المقدسة"، تسكن كما في خارج الأسوار في عداوة مع السماء والسمائيين، تحمل نجاستها عليها... وقد التقى بهم السيد المسيح خارج القرية إذ نزل إلينا من سماواته كغريبٍ ليلتقي بنا ويحملنا على كتفيه، ويدخل بنا إلى مقادسه السماوية.
ثانيًا: وقف هؤلاء الرجال بأجسادهم من بعيد، لكنهم اقتربوا إليه جدًا بالإيمان، إذ "رفعوا صوتًا، قائلين: يا يسوع، يا معلم ارحمنا" [13]. كبرصٍ حُرموا من السُكنى وسط الناس، وربما لم يشهدوا بأعينهم المعجزات التي صنعها السيد المسيح، إنما سمعوا عنها، لكنهم بالإيمان اقتربوا منه جدًا ونالوا تطهيرًا، بينما رأى كثير من الفريسيين والصدوقيين السيد المسيح وشاهدوا أعماله الفائقة وبعدم الإيمان حرموا أنفسهم من صداقته.
ثالثًا: أمرهم السيد المسيح أن يذهبوا إلى الكهنة ليروا أنفسهم لهم؛ ليؤكد أنه ما جاء لينقض الشريعة بل يكملها، وكي يعطي للكهنة اليهود دليلًا ماديًا على قدرته على الإبراء والتطهير، الأمر الذي يعجز عنه الناموس، لعلهم يؤمنون أن نعمته تفوق الناموس. وفي هذا التصرف أيضًا يوجهنا السيد المسيح للخضوع للكنيسة، كما يعلم الخدام روح التواضع. ومن جانب آخر يعطي فرصة للذين تطهروا أن يقدموا ذبيحة شكر لله[733].
رابعًا: حدث ما لم يتوقعه أحد فإن واحدًا من العشرة، إذ رأى أنه شُفي رجع يمجد الله بصوت عظيم، مقدمًا العبادة والشكر للمخلص، إذ خرّ على وجهه عند رجليه شاكرًا له، وكان سامريًا، بينما التسعة اليهود لم يرجعوا إليه، لذا قال السيد:
"أليس العشرة قد تطهروا؟ فأين التسعة؟
ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدًا لله غير هذا الغريب الجنس؟
ثم قال له: قم وامضِ، إيمانك خلصك" [17-19].
نال العشرة تطهير الجسد أما هذا الغريب الجنس فاغتصب بحياة الإيمان العملية المترجمة بالشكر والعبادة الحقيقية خلاص نفسه وتطهيرها.
خامسًا: يرى القديس أغسطينوس[734] في هؤلاء العشرة برص معنى رمزيًا، إذ يشيرون إلى الذين لم يقبلوا الإيمان المستقيم بل يسلكون كهراطقة ومبتدعين، هؤلاء يقيمون خارج المدينة، إذ يحرمون من شركة الكنيسة، فإن قدموا توبة وتلاقوا مع السيد خلال الرجوع إلى الإيمان الحق، يسألهم أن يُروا أنفسهم للكاهن، أي يعودوا إلى شركة الكنيسة لتقبلهم وتهبهم حلًا.
أما أن تسعة منهم لم يعودوا بينما واحد فقط سامري يسجد أمام السيد حتى الأرض ويقدم ذبيحة شكر ممجدًا الله، فهذا يمكننا أن نفسره بأنه لا يكفي عودة الهراطقة للإيمان نظريًا أو بالشفاة، إنما يلزم عودتهم بالقلب مع العمل. فالسامري يمثل الإنسان الجاد في خلاصه، لأن كلمة "سامري" معناها "حارس"، فمن كان يقظًا وحارسًا بالروح القدس على خلاص نفسه يتقدم للرب بروح الانسحاق فيسجد له بتواضعٍ، ويشكره على فيض محبته التي قبلته في شركة جسده المقدس أي الكنيسة.
يرى القديس أغسطينوس أن الشاكر له هو واحد فقط إشارة إلى أن كنيسة المسيح واحدة، يجب ألا يكون في انقسام!
سادسًا: يقدم لنا القديس البابا أثناسيوس الرسولي في رسالته الفصحية السادسة هذا الأبرص السامري مثلًا حيًا لحياة الشكر التي تكشف عن قلبٍ يتعلق بواهب العطية (الله) أكثر من العطية ذاتها، إذ يقول: [أحب (الرب) ذاك الذي قدم الشكر، بينما غضب من الآخرين ناكري المعروف، لأنهم لم يعرفوا المخلص، بل انشغلوا بتطهيرهم من البرص أكثر من الذي طهرهم.]
5. الإيمان بالملكوت الداخلي
إذ حدثنا عن الإيمان كطريقٍ للتمتع بملكوت الله، محذرًا إيانا من ضيق القلب المفسد للإيمان، وأيضًا من الكبرياء الاعتداد بالذات، مطالبًا إيانا أن نتمثل بالسامري الذي حمل إيمانًا عمليًا مترجمًا خلال شهادته العلنية للسيد المسيح مع تواضعه وتقديم شكره... الآن إذ التهب قلب السامعين بالشوق نحو التمتع بهذه الصداقة صار الفريسيون يسألون لا عن كيفية تمتعهم بها وإنما عن موعد هذه الصداقة وزمانها، فسألوه: "متى يأتي ملكوت الله؟" [20]
هذا السؤال ليس بغريبٍ، فإن غاية عدو الخير أن يشغلنا عن خلاص أنفسنا بالاهتمام بالأزمنة والأوقات. هذا ما نلاحظه بوضوح في العصر الحاضر، فنجد مثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية يهتم كثير من الدارسين بسفر الرؤيا لا كسفر السماء الذي يلهب القلب نحو مجيء العريس الأبدي، وإنما لمجرد البحث عن معرفة زمان انقضاء هذا الدهر. لذا يحذرنا السيد المسيح: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات".
لقد أجاب السيد المسيح تساؤلهم بتوجيه فكرهم من البحث عن الأزمنة والتعرف على الأوقات إلى الاهتمام بالتمتع بالملكوت كملكوتٍ حاضر، ملكوت داخلي في أعماق النفس. بمعنى آخر يودنا أن نهتم بعلاقتنا به على مستوى القلب الداخلي عوض الانشغال بالأمور الخارجية والمناقشات البحتة الفلسفية.
* لقد أعطى الإجابة بما فيه نفع كل البشر، أن ملكوت الله لا يأتي بمراقبة؛ أنظروا، فإن ملكوت الله هو داخلكم. يقول لا تسألوا عن الأزمنة التي فيها يأتي ملكوت الله، وإنما كونوا مشتاقين أن توجدوا متأهلين له، لأنه في داخلكم، أي يعتمد على إرادتكم، وفي سلطانكم أن تقبلوه أو ترفضوه. كل إنسان يقبل التبرير بالإيمان بالمسيح ويتزين بكل فضيلة يُحسب أهلًا لملكوت السماوات[735]
القديس كيرلس الكبير
* ملكوت الله داخلكم يعني الفرح الذي يغرسه الروح القدس في قلوبكم، بكونه أيقونة وعربون للفرح الأبدي الذي تتمتع به نفوس القديسين[736].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
* بلوغ القصر السماوي أسهل من الوصول إلى بريطانيا أو أورشليم، لأن ملكوت الله داخلكم.
أنطونيوس وطغمات رهبان مصر وما بين النهرين وبنطس وكبادوكية وأرمينيا لم ينظروا أورشليم لكن باب الفردوس انفتح لهم.
الطوباوي هيلاريون مع كونه من مواطني فلسطين وسكانها لم ينظر أورشليم سوى يومًا واحدًا، إذ لم يرغب وهو قريب من الأماكن المقدسة أن يتجاهلها، وفي نفس الوقت لم يرد أن يحصر الله بحدود مكانية محلية[737].
القديس جيروم
* في داخلكم إما معرفة الحق أو جهله، الابتهاج بالفضيلة أو الرذيلة، بهذا نعد قلبنا إما لملكوت المسيح أو ملكوت إبليس[738]
الأب موسى
ليتنا بالإيمان الحيّ العامل نقبل تجلي ملكوت المسيح فينا، فيعلن في داخلنا ملكًا، يوجه عواطفنا وأحاسيسنا وأفكارنا وكل طاقاتنا الروحية والنفسية والجسدية لحساب ملكوته الأبدي. بهذا تكون حصانتنا ضد هجمات عدو الخير وضد الشر قائمة على الأعماق الداخلية في الرب التي لا يمكن أن تُغلب. هذا ما يؤكده الأب بيامون بقوله: [لا نقدر أن نهرب من عواصف التجارب وهجمات الشيطان إذا ما اعتمدنا في حماية صبرنا، لا على قوة إنساننا الداخلي، إنما على مجرد غلق باب قلايتنا أو مجرد التوغل في الصحراء ومصاحبة القديسين أو أي حماية خارجية من أي نوع
6. بين الملكوت الداخلي والملكوت الأخروي
إذ وجه أنظارنا إلى ملكوته الداخلي حتى نقتنيه فينا حالًا عوض الانشغال بمعرفة الأزمنة والأوقات، عاد أيضًا ليهيئنا لمجيئه الأخير بكونه امتدادًا لمجيئه الحاضر وحلوله فينا. بمعنى آخر سكناه في داخلنا وإعلان ملكوته في أعماقنا هو عربون يلهب قلبنا لمجيئه الأخير. وكأن صداقتنا معه تبدأ الآن لكي تنمو بالأكثر حين نلتقي معه وجهًا لوجه.
جاء حديث السيد المسيح يوضح النقاط التالية:
أولًا: تشتهون أن تروا يومًا واحدًا
أظهر السيد المسيح أنه سيأتي وقت فيه يشتهي المؤمنون يومًا من أيام وجود السيد على الأرض حين يكتشفون شخصه، ويتذوقون حلاوة صداقته، إذ يقول: "ستأتي أيام فيها تشتهون أن تروا يومًا واحدًا من أيام ابن الإنسان، ولا ترون" [22].
يرى القديس كيرلس الكبير أن السيد المسيح إذ تحدث مع تلاميذه عن ملكوته الداخلي فيهم، أراد أن يكشف لهم عن الآلام التي تعانيها الكنيسة ويسقط تحتها المؤمنون، حتى ليحسب الكل أن أيام وجود السيد المسيح على الأرض تحسب كما لو كانت أيام بلا أتعاب أن قورنت بما سيمر به المؤمنون. أنهم يشتهون الأيام التي عاش فيها التلاميذ مع المخلص حيث يحمل السيد الآلام وحده وهم مستريحون. بهذا لا يريد السيد أن يرعبهم، وإنما بالحري يهيئهم لاحتمال الضيق ومواجهة المتاعب بقوة، إذ سبق فأخبرهم بها.
* هل بقوله هذا كان الرب يخيف تلاميذه؟
هل كان يضعفهم مقدمًا، ويجعلهم خائرين في احتمال الضيقات والتجارب التي لا يقدرون على احتمالها؟
ليس هذا هو ما يقصده بل بالحري أراد بالعكس أن يهيئهم لقبول كل ما يحزن البشر، فيكونون مستعدين لاحتماله بصبرٍ، فيتزكون، ويدخلون ملكوت الله.
لقد سبق فحذرهم قبل مجيئه من السماء في نهاية العالم، بأن التجارب والضيقات تسبقه حتى أنهم يشتهون أن يروا يومًا واحدًا من أيام ابن الإنسان، أي يروا يومًا من الأيام التي كانوا فيها مع المسيح يتحدثون معه. ومع أن اليهود حتى في هذه الأيام استخدموا عنفًا ليس بقليلٍ ضده، إذ حاولوا رجمه بالحجارة، واضطهدوه لا مرة بل مرات عديدة، واقتادوه إلى تل ليلقوه من القمة، وأهانوه وصنعوا وشايات ضده، ولم يتركوا أي شكل من الشر إلا ومارسه اليهود ضده، فكيف يقول إذن أن التلاميذ يشتهون أن يروا يومًا من أيامه؟ هذا بالمقارنة بالشرور الكثيرة التي ستحل فتحسب هذه قليلة ومشتهاه[740]!
القديس كيرلس الكبير
* إذ كانت حياتهم في ذلك الحين بلا متاعب، لأن المسيح كان مهتمًا بهم ويحميهم، فإنه إذ يأتي الوقت ليُرفع المسيح يتعرضون لمخاطر، ويقفون أمام ملوك وولاة فيشتهون الأيام الأولى وهدوءها[741].
الأب ثيؤفلاكتيوس
ثانيًا: التحذير من التضليل
إذ حدثهم بطريقة غير مباشرة عن الآلام التي يواجهونها قبل مجيئه، صار يحذرهم عن التضليل، وهذا يمثل خطرًا أكثر مرارة، لأنه يحمل خداعًا للنفوس غير القادرة على التمييز بين مجيء ضد المسيح ومجيء المسيح نفسه.
أوضح السيد التمييز بينهما بقوله:
"ويقولون لكم: هوذا ههنا أو هوذا هناك.
لا تذهبوا ولا تتبعوا،
لأنه كما أن البرق الذي يبرق من ناحية تحت السماء
يضيء إلى ناحية تحت السماء،
كذلك يكون أيضًا ابن الإنسان في يومه" [23-24].
مجيء ضد المسيح يكون بلا شك مملوء خداعًا، إذ يصحبه أتباع كثيرون ينادون به في كل موضع للتضليل، ويصحبه ظهور آيات مخادعة من عمل الشيطان، ويميل العالم إليه، يبحث عنه هنا وهناك. أما المسيح الحقيقي فسيأتي علانية على السحاب، كقول الرسول بولس: "لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة، وبوق الله سوف ينزل من السماء" (1 تس 4: 6). يأتي ببهائه كالبرق فيراه الكل، ولا يحتاج إلى من يعلن عنه. يأتي ليدين الأحياء والأموات، مبرقًا في قلوب الكل وأفكارهم، فيصير كل شيء واضحًا أمام الجميع... تنكشف سرائر الناس الخفية!
* سينزل من السماء في أواخر الدهور، لا بطريقة غامضة أو سرية وإنما في مجد لاهوته، بكونه "ساكنًا في نورٍ لا يُدنى منه" (1 تي 6: 16). هذا أعلنه بقوله أن مجيئه سيأتي كالبرق. حقًا لقد وُلد في الجسد من امرأة ليحقق التدبير لأجلنا، ولهذا السبب أخلى ذاته، وصار فقيرًا، ولم يظهر نفسه في مجد اللاهوت. لقد حمل التواضع من أجل الوقت نفسه ولتحقيق التدبير. أما بعد القيامة من الأموات إذ صعد إلى السماوات وجلس مع الله الآب، فإنه ينزل ثانية لكن ليس بدون مجده، ولا في تواضع الناسوت، وإنما في عظمة الآب تحرسه صحبة الملائكة الذين يقفون أمامه بكونه إله الكل ورب الجميع. أنه سيأتي كالبرق وليس سريًا[742]
القديس كيرلس الكبير
* كما أن البرق لا يحتاج إلى من يعلن عنه ويخبر به، بل يُنظر في لحظة في العالم، فإنه حتى بالنسبة للذين يجلسون في بيوتهم سيأتي ابن الإنسان، ويُنظر في كل موضع دفعة واحدة بسبب بهاء مجده.
القديس يوحنا الذهبي الفم
ثالثًا: رفض المسيح
إذ كان الرب يحث تلاميذه على قبول صداقته لهم على مستوى أخروي أو انقضائي، معلنًا أنه قادم لا محال، قادم كالبرق أمام الجميع في مجد لاهوته، لكن يسبق هذا المجد "رفض العالم له"، فلا طريق للأمجاد بغير الآلام، بهذا يحثنا على قبول "المسيح المرفوض" حتى يقبلنا في أمجاده. يؤكد السيد المسيح لتلاميذه: "ولكن ينبغي أولًا أن يتألم كثيرًا ويُرفض من هذا الجيل" [25].
احتمل الرأس المسيح الآلام الكثيرة وصار مرفوضًا، وها هو يأتي ممجدًا، ونحن أيضا جسده لن نشاركه أمجاده ما لم يرفضنا هذا الجيل ويضغط علينا بالآلام. وكما يقول الرسول بولس: "إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه" (رو 8: 17).
لوقا 17 - تفسير إنجيل لوقا الإيمان والصداقة الإلهية الجزء(2) للقمص تادرس يعقوب ملطي 4. الشكر والإيمان (العشرة بُرص) قلنا أن الإيمان هو سرّ قوة الكنيسة، به ننعم على الصداقة الإلهية، هذا الإيمان ليس حكرًا لشعب ما أو أمة معينة إنما هو مُقدم لكل البشرية. هذا ما أوضحه لنا الإنجيلي عندما حدّثنا عن لقاء السيد المسيح بعشرة رجال بُرص يطلبون منه أن يرحمهم، عندئذ أمرهم: "اذهبوا أروا أنفسكم للكهنة" وفيما هم منطلقون طهروا، فعاد إليه واحد منهم يقدم الشكر له وكان سامريًا، فاستحق دون سواه أن يسمع: "قم وامض إيمانك خلصك" [18]. ويلاحظ في قصة تطهير هؤلاء الرجال البرص الآتي: أولًا: يقول الإنجيلي: "وفي ذهابه إلى أورشليم اجتاز في وسط السامرة والجليل. وفيما هو داخل إلى قرية استقبله رجال برص، فوقفوا من بعيد" [11-12]. كانت أنظار السيد المسيح تتجه إلى أورشليم لكنه اجتاز عمليًا في وسط السامرة والجليل، فإن كانت أورشليم هي مركز عبادة الشعب اليهودي، فقد جاء إلى خراف إسرائيل الضالة لكي يردها لكنه دون تجاهل للسامرة، وأيضا للجليل حيث يوجد عدد كبير من الأمم، أنه يود صداقة الكل! يبقى السيد المسيح متحركًا نحو أورشليمه، أي مدينته السماوية أو ملكوته الأبدي حيث الهيكل غير المصنوع باليد، ينطلق إلى هناك حاملًا أعضاء جسده من كل أمة ولسان، من السامرة والجليل. التقى بالعشرة رجال البرص خارج القرية، فإنه بحسب الشريعة الموسوية لا يسكن الأبرص وسط المحلة أو داخل المدينة أو القرية إنما خارج الأسوار أو وسط القبور، ويكون مشقوق الثوب، ورأسه يكون مكشوفًا ويغطي شاربيه، وينادي: نجس، نجس (لا 13: 45-46)، وقد رأينا في تفسيرنا لسفر اللاويين ما يحمله هذا الطقس من معنى، حيث يكشف عن بشاعة نجاسة الخطية وتحطيمها للإنسان وحرمانه من الشركة مع الجماعة المقدسة. هؤلاء الرجال العشرة يمثلون البشرية التي صارت خلال الخطية محرومة من "الشركة المقدسة"، تسكن كما في خارج الأسوار في عداوة مع السماء والسمائيين، تحمل نجاستها عليها... وقد التقى بهم السيد المسيح خارج القرية إذ نزل إلينا من سماواته كغريبٍ ليلتقي بنا ويحملنا على كتفيه، ويدخل بنا إلى مقادسه السماوية. ثانيًا: وقف هؤلاء الرجال بأجسادهم من بعيد، لكنهم اقتربوا إليه جدًا بالإيمان، إذ "رفعوا صوتًا، قائلين: يا يسوع، يا معلم ارحمنا" [13]. كبرصٍ حُرموا من السُكنى وسط الناس، وربما لم يشهدوا بأعينهم المعجزات التي صنعها السيد المسيح، إنما سمعوا عنها، لكنهم بالإيمان اقتربوا منه جدًا ونالوا تطهيرًا، بينما رأى كثير من الفريسيين والصدوقيين السيد المسيح وشاهدوا أعماله الفائقة وبعدم الإيمان حرموا أنفسهم من صداقته. ثالثًا: أمرهم السيد المسيح أن يذهبوا إلى الكهنة ليروا أنفسهم لهم؛ ليؤكد أنه ما جاء لينقض الشريعة بل يكملها، وكي يعطي للكهنة اليهود دليلًا ماديًا على قدرته على الإبراء والتطهير، الأمر الذي يعجز عنه الناموس، لعلهم يؤمنون أن نعمته تفوق الناموس. وفي هذا التصرف أيضًا يوجهنا السيد المسيح للخضوع للكنيسة، كما يعلم الخدام روح التواضع. ومن جانب آخر يعطي فرصة للذين تطهروا أن يقدموا ذبيحة شكر لله[733]. رابعًا: حدث ما لم يتوقعه أحد فإن واحدًا من العشرة، إذ رأى أنه شُفي رجع يمجد الله بصوت عظيم، مقدمًا العبادة والشكر للمخلص، إذ خرّ على وجهه عند رجليه شاكرًا له، وكان سامريًا، بينما التسعة اليهود لم يرجعوا إليه، لذا قال السيد: "أليس العشرة قد تطهروا؟ فأين التسعة؟ ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدًا لله غير هذا الغريب الجنس؟ ثم قال له: قم وامضِ، إيمانك خلصك" [17-19]. نال العشرة تطهير الجسد أما هذا الغريب الجنس فاغتصب بحياة الإيمان العملية المترجمة بالشكر والعبادة الحقيقية خلاص نفسه وتطهيرها. خامسًا: يرى القديس أغسطينوس[734] في هؤلاء العشرة برص معنى رمزيًا، إذ يشيرون إلى الذين لم يقبلوا الإيمان المستقيم بل يسلكون كهراطقة ومبتدعين، هؤلاء يقيمون خارج المدينة، إذ يحرمون من شركة الكنيسة، فإن قدموا توبة وتلاقوا مع السيد خلال الرجوع إلى الإيمان الحق، يسألهم أن يُروا أنفسهم للكاهن، أي يعودوا إلى شركة الكنيسة لتقبلهم وتهبهم حلًا. أما أن تسعة منهم لم يعودوا بينما واحد فقط سامري يسجد أمام السيد حتى الأرض ويقدم ذبيحة شكر ممجدًا الله، فهذا يمكننا أن نفسره بأنه لا يكفي عودة الهراطقة للإيمان نظريًا أو بالشفاة، إنما يلزم عودتهم بالقلب مع العمل. فالسامري يمثل الإنسان الجاد في خلاصه، لأن كلمة "سامري" معناها "حارس"، فمن كان يقظًا وحارسًا بالروح القدس على خلاص نفسه يتقدم للرب بروح الانسحاق فيسجد له بتواضعٍ، ويشكره على فيض محبته التي قبلته في شركة جسده المقدس أي الكنيسة. يرى القديس أغسطينوس أن الشاكر له هو واحد فقط إشارة إلى أن كنيسة المسيح واحدة، يجب ألا يكون في انقسام! سادسًا: يقدم لنا القديس البابا أثناسيوس الرسولي في رسالته الفصحية السادسة هذا الأبرص السامري مثلًا حيًا لحياة الشكر التي تكشف عن قلبٍ يتعلق بواهب العطية (الله) أكثر من العطية ذاتها، إذ يقول: [أحب (الرب) ذاك الذي قدم الشكر، بينما غضب من الآخرين ناكري المعروف، لأنهم لم يعرفوا المخلص، بل انشغلوا بتطهيرهم من البرص أكثر من الذي طهرهم.] 5. الإيمان بالملكوت الداخلي إذ حدثنا عن الإيمان كطريقٍ للتمتع بملكوت الله، محذرًا إيانا من ضيق القلب المفسد للإيمان، وأيضًا من الكبرياء الاعتداد بالذات، مطالبًا إيانا أن نتمثل بالسامري الذي حمل إيمانًا عمليًا مترجمًا خلال شهادته العلنية للسيد المسيح مع تواضعه وتقديم شكره... الآن إذ التهب قلب السامعين بالشوق نحو التمتع بهذه الصداقة صار الفريسيون يسألون لا عن كيفية تمتعهم بها وإنما عن موعد هذه الصداقة وزمانها، فسألوه: "متى يأتي ملكوت الله؟" [20] هذا السؤال ليس بغريبٍ، فإن غاية عدو الخير أن يشغلنا عن خلاص أنفسنا بالاهتمام بالأزمنة والأوقات. هذا ما نلاحظه بوضوح في العصر الحاضر، فنجد مثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية يهتم كثير من الدارسين بسفر الرؤيا لا كسفر السماء الذي يلهب القلب نحو مجيء العريس الأبدي، وإنما لمجرد البحث عن معرفة زمان انقضاء هذا الدهر. لذا يحذرنا السيد المسيح: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات". لقد أجاب السيد المسيح تساؤلهم بتوجيه فكرهم من البحث عن الأزمنة والتعرف على الأوقات إلى الاهتمام بالتمتع بالملكوت كملكوتٍ حاضر، ملكوت داخلي في أعماق النفس. بمعنى آخر يودنا أن نهتم بعلاقتنا به على مستوى القلب الداخلي عوض الانشغال بالأمور الخارجية والمناقشات البحتة الفلسفية. * لقد أعطى الإجابة بما فيه نفع كل البشر، أن ملكوت الله لا يأتي بمراقبة؛ أنظروا، فإن ملكوت الله هو داخلكم. يقول لا تسألوا عن الأزمنة التي فيها يأتي ملكوت الله، وإنما كونوا مشتاقين أن توجدوا متأهلين له، لأنه في داخلكم، أي يعتمد على إرادتكم، وفي سلطانكم أن تقبلوه أو ترفضوه. كل إنسان يقبل التبرير بالإيمان بالمسيح ويتزين بكل فضيلة يُحسب أهلًا لملكوت السماوات[735] القديس كيرلس الكبير * ملكوت الله داخلكم يعني الفرح الذي يغرسه الروح القدس في قلوبكم، بكونه أيقونة وعربون للفرح الأبدي الذي تتمتع به نفوس القديسين[736]. القديس غريغوريوس أسقف نيصص * بلوغ القصر السماوي أسهل من الوصول إلى بريطانيا أو أورشليم، لأن ملكوت الله داخلكم. أنطونيوس وطغمات رهبان مصر وما بين النهرين وبنطس وكبادوكية وأرمينيا لم ينظروا أورشليم لكن باب الفردوس انفتح لهم. الطوباوي هيلاريون مع كونه من مواطني فلسطين وسكانها لم ينظر أورشليم سوى يومًا واحدًا، إذ لم يرغب وهو قريب من الأماكن المقدسة أن يتجاهلها، وفي نفس الوقت لم يرد أن يحصر الله بحدود مكانية محلية[737]. القديس جيروم * في داخلكم إما معرفة الحق أو جهله، الابتهاج بالفضيلة أو الرذيلة، بهذا نعد قلبنا إما لملكوت المسيح أو ملكوت إبليس[738] الأب موسى ليتنا بالإيمان الحيّ العامل نقبل تجلي ملكوت المسيح فينا، فيعلن في داخلنا ملكًا، يوجه عواطفنا وأحاسيسنا وأفكارنا وكل طاقاتنا الروحية والنفسية والجسدية لحساب ملكوته الأبدي. بهذا تكون حصانتنا ضد هجمات عدو الخير وضد الشر قائمة على الأعماق الداخلية في الرب التي لا يمكن أن تُغلب. هذا ما يؤكده الأب بيامون بقوله: [لا نقدر أن نهرب من عواصف التجارب وهجمات الشيطان إذا ما اعتمدنا في حماية صبرنا، لا على قوة إنساننا الداخلي، إنما على مجرد غلق باب قلايتنا أو مجرد التوغل في الصحراء ومصاحبة القديسين أو أي حماية خارجية من أي نوع 6. بين الملكوت الداخلي والملكوت الأخروي إذ وجه أنظارنا إلى ملكوته الداخلي حتى نقتنيه فينا حالًا عوض الانشغال بمعرفة الأزمنة والأوقات، عاد أيضًا ليهيئنا لمجيئه الأخير بكونه امتدادًا لمجيئه الحاضر وحلوله فينا. بمعنى آخر سكناه في داخلنا وإعلان ملكوته في أعماقنا هو عربون يلهب قلبنا لمجيئه الأخير. وكأن صداقتنا معه تبدأ الآن لكي تنمو بالأكثر حين نلتقي معه وجهًا لوجه. جاء حديث السيد المسيح يوضح النقاط التالية: أولًا: تشتهون أن تروا يومًا واحدًا أظهر السيد المسيح أنه سيأتي وقت فيه يشتهي المؤمنون يومًا من أيام وجود السيد على الأرض حين يكتشفون شخصه، ويتذوقون حلاوة صداقته، إذ يقول: "ستأتي أيام فيها تشتهون أن تروا يومًا واحدًا من أيام ابن الإنسان، ولا ترون" [22]. يرى القديس كيرلس الكبير أن السيد المسيح إذ تحدث مع تلاميذه عن ملكوته الداخلي فيهم، أراد أن يكشف لهم عن الآلام التي تعانيها الكنيسة ويسقط تحتها المؤمنون، حتى ليحسب الكل أن أيام وجود السيد المسيح على الأرض تحسب كما لو كانت أيام بلا أتعاب أن قورنت بما سيمر به المؤمنون. أنهم يشتهون الأيام التي عاش فيها التلاميذ مع المخلص حيث يحمل السيد الآلام وحده وهم مستريحون. بهذا لا يريد السيد أن يرعبهم، وإنما بالحري يهيئهم لاحتمال الضيق ومواجهة المتاعب بقوة، إذ سبق فأخبرهم بها. * هل بقوله هذا كان الرب يخيف تلاميذه؟ هل كان يضعفهم مقدمًا، ويجعلهم خائرين في احتمال الضيقات والتجارب التي لا يقدرون على احتمالها؟ ليس هذا هو ما يقصده بل بالحري أراد بالعكس أن يهيئهم لقبول كل ما يحزن البشر، فيكونون مستعدين لاحتماله بصبرٍ، فيتزكون، ويدخلون ملكوت الله. لقد سبق فحذرهم قبل مجيئه من السماء في نهاية العالم، بأن التجارب والضيقات تسبقه حتى أنهم يشتهون أن يروا يومًا واحدًا من أيام ابن الإنسان، أي يروا يومًا من الأيام التي كانوا فيها مع المسيح يتحدثون معه. ومع أن اليهود حتى في هذه الأيام استخدموا عنفًا ليس بقليلٍ ضده، إذ حاولوا رجمه بالحجارة، واضطهدوه لا مرة بل مرات عديدة، واقتادوه إلى تل ليلقوه من القمة، وأهانوه وصنعوا وشايات ضده، ولم يتركوا أي شكل من الشر إلا ومارسه اليهود ضده، فكيف يقول إذن أن التلاميذ يشتهون أن يروا يومًا من أيامه؟ هذا بالمقارنة بالشرور الكثيرة التي ستحل فتحسب هذه قليلة ومشتهاه[740]! القديس كيرلس الكبير * إذ كانت حياتهم في ذلك الحين بلا متاعب، لأن المسيح كان مهتمًا بهم ويحميهم، فإنه إذ يأتي الوقت ليُرفع المسيح يتعرضون لمخاطر، ويقفون أمام ملوك وولاة فيشتهون الأيام الأولى وهدوءها[741]. الأب ثيؤفلاكتيوس ثانيًا: التحذير من التضليل إذ حدثهم بطريقة غير مباشرة عن الآلام التي يواجهونها قبل مجيئه، صار يحذرهم عن التضليل، وهذا يمثل خطرًا أكثر مرارة، لأنه يحمل خداعًا للنفوس غير القادرة على التمييز بين مجيء ضد المسيح ومجيء المسيح نفسه. أوضح السيد التمييز بينهما بقوله: "ويقولون لكم: هوذا ههنا أو هوذا هناك. لا تذهبوا ولا تتبعوا، لأنه كما أن البرق الذي يبرق من ناحية تحت السماء يضيء إلى ناحية تحت السماء، كذلك يكون أيضًا ابن الإنسان في يومه" [23-24]. مجيء ضد المسيح يكون بلا شك مملوء خداعًا، إذ يصحبه أتباع كثيرون ينادون به في كل موضع للتضليل، ويصحبه ظهور آيات مخادعة من عمل الشيطان، ويميل العالم إليه، يبحث عنه هنا وهناك. أما المسيح الحقيقي فسيأتي علانية على السحاب، كقول الرسول بولس: "لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة، وبوق الله سوف ينزل من السماء" (1 تس 4: 6). يأتي ببهائه كالبرق فيراه الكل، ولا يحتاج إلى من يعلن عنه. يأتي ليدين الأحياء والأموات، مبرقًا في قلوب الكل وأفكارهم، فيصير كل شيء واضحًا أمام الجميع... تنكشف سرائر الناس الخفية! * سينزل من السماء في أواخر الدهور، لا بطريقة غامضة أو سرية وإنما في مجد لاهوته، بكونه "ساكنًا في نورٍ لا يُدنى منه" (1 تي 6: 16). هذا أعلنه بقوله أن مجيئه سيأتي كالبرق. حقًا لقد وُلد في الجسد من امرأة ليحقق التدبير لأجلنا، ولهذا السبب أخلى ذاته، وصار فقيرًا، ولم يظهر نفسه في مجد اللاهوت. لقد حمل التواضع من أجل الوقت نفسه ولتحقيق التدبير. أما بعد القيامة من الأموات إذ صعد إلى السماوات وجلس مع الله الآب، فإنه ينزل ثانية لكن ليس بدون مجده، ولا في تواضع الناسوت، وإنما في عظمة الآب تحرسه صحبة الملائكة الذين يقفون أمامه بكونه إله الكل ورب الجميع. أنه سيأتي كالبرق وليس سريًا[742] القديس كيرلس الكبير * كما أن البرق لا يحتاج إلى من يعلن عنه ويخبر به، بل يُنظر في لحظة في العالم، فإنه حتى بالنسبة للذين يجلسون في بيوتهم سيأتي ابن الإنسان، ويُنظر في كل موضع دفعة واحدة بسبب بهاء مجده. القديس يوحنا الذهبي الفم ثالثًا: رفض المسيح إذ كان الرب يحث تلاميذه على قبول صداقته لهم على مستوى أخروي أو انقضائي، معلنًا أنه قادم لا محال، قادم كالبرق أمام الجميع في مجد لاهوته، لكن يسبق هذا المجد "رفض العالم له"، فلا طريق للأمجاد بغير الآلام، بهذا يحثنا على قبول "المسيح المرفوض" حتى يقبلنا في أمجاده. يؤكد السيد المسيح لتلاميذه: "ولكن ينبغي أولًا أن يتألم كثيرًا ويُرفض من هذا الجيل" [25]. احتمل الرأس المسيح الآلام الكثيرة وصار مرفوضًا، وها هو يأتي ممجدًا، ونحن أيضا جسده لن نشاركه أمجاده ما لم يرفضنا هذا الجيل ويضغط علينا بالآلام. وكما يقول الرسول بولس: "إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه" (رو 8: 17).