يوحنا 12 - تفسير إنجيل يوحنا
عشاء في بيت لحم الجزء(6)للقمص تادرس يعقوب ملطي
قبل مجيء المخلص - شمس البرّ - إلى العالم كان الكل في الظلمة. بإشراقه تبددت الظلمة، لكن لم ينتفع منها إلاَّ من كانت عيناه سليمتين قادرتين على رؤية أشعة شمس البرّ هذا. أشرقت شمس البرّ على البشرية كلها لكي يجد المؤمنون فيه نورًا وراحة، حيث لا يبقى للظلمة موضع فيهم. بنوره تنتهي المخاوف واليأس، ويحل الفرح السماوي والرجاء في الأبدية.
* إذ يُدعى الآب بذات الاسم في كل موضع في العهدين القديم والجديد، يستخدم المسيح نفس الاسم أيضًا. لهذا يدعوه بولس: "البهاء" (عب 1:3)، متعلمًا أن يفعل هذا من ذات المصدر. أيضًا يظهر هنا العلاقة القوية بينه وبين الآب، وأنه لا يوجدفصل بينهما، وذلك متى قال أن الإيمان به ليس به، بل يعبر إلى الآب، ويدعو نفسه النور "لأنه يُخلص من الخطأ، ويزيل الظلمة العقلية[1310].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* أليس بصالح ذاك الذي رفع الأرض إلى سماء حتى أن الكواكب المتلألئة المصاحبة له تعكس مجده في السماء كما في مرآة، هكذا طغمات الرسل والشهداء والكهنة يشرقون مثل كواكب مجيدة، وتهب نورًا للعالم؟[1311]
القديس أمبروسيوس
* إنه لم يقل (لتلاميذه) "قد جئتم نورًا للعالم، حتى كل من يؤمن بكم لا يمكث في الظلمة". مثل هذا القول أقول لن يمكن قبوله بأي وضع. لذلك فكل القديسين هم أنوار، لكنهم استناروا به بالإيمان، وكل من ينفصل عنه تحوط به الظلمة. أما ذاك النور الذي ينيرهم، فلن يمكن أن ينفصل عن ذاته، لأنه غير قابل للتغيير[1312].
القديس أغسطينوس
"وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن،
فأنا لاأدينه،
لأني لمآت لأدين العالم بل لأخلص العالم". [47]
لم يأت السيد المسيح ليدين العالم بل ليخلصه. كلمات الأنبياء التي تنبأت عنه تدينهم.
* الآن هو زمن الرحمة، فيما بعد يأتي زمن الدينونة، إذ قيل: "اسبح لك يا رب الرحمة والحكم" (مز ١٠١: ١)[1313].
القديس أغسطينوس
"من رذلني ولم يقبل كلامي، فله من يدينه،
الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير". [48]
إن كان السيد المسيح يشتهي خلاص الكل لا دينونتهم، فإنه في اليوم الأخير كلماته تدين غير المؤمنين، كشاهد على جرائمهم. كل كلمة ينطق بها، وكل حنو يقدمه، وكل عطية يهبها، هذه كلها تشهد ضد من يستهين به.
* قوله: "الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير" [٤٨] فيه الكفاية ليعلن أنه هو نفسه الديان بعد ذلك. فإنه هو نفسه الذي تكلم، وهو الذي أعلن ذلك، وهو نفسه الذي أقام نفسه كبابٍ يدخل منه كراعٍ إلى خرافه. فإنه سيُدان الذين لم يسمعوا الكلمة قط بطريقة غير الذي سيُدان بها من سمعوا واستخفوا بالكلمة. يقول الرسول: "لأن كل من أخطأ بدون الناموس فبدون الناموس يهلك، وكل من أخطأ في الناموس فبالناموس يُدان" (رو ٢: ١٢)[1314].
القديس أغسطينوس
"لأني لمأتكلم من نفسي،
لكن الآب الذيأرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول وبماذاأتكلم". [49]
يقوم يسوع بكونه المسيا برسالة الخلاص التي تسلمها من الآب لينطق بها ويتممها. إنه وكالة الآب، ما يفعله لحساب الآب الذي أحب العالم وبذل ابنه الوحيد من أجله.
لقد فشل آدم الأول في رسالته، وعصى الله، ولم يكن بالسفير اللائق ليمثل السماوي، فجاء آدم الثاني بروح الطاعة يتمم العمل المُوكل إليه، عمل الحب الإلهي الفائق. فيه يمكننا أن نمارس الطاعة التي فقدناها بانتسابنا لآدم أبينا.
* حتمًا قال هذا من أجلهم... ألا ترون أنه قدم تعبيره في تواضع متزايد، حتى يجتذب هؤلاء الناس ويُسكت القادمين بعدهم؟ هذا هو السبب الذي نطق بكلمات تناسب إنسانًا مجردًا، إذ كان مدركًا أن الكلمات لا تخص طبيعته بل تناسب ضعف المستمعين[1315].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* الابن وحده هو كلمة الآب، وحكمة الآب، فيه كل وصايا الآب. فإنه لا يوجد زمن فيه لم يعرف الابن وصية الآب، مما يجعل من الضرورة أن يقتنيها في وقت معين، تلك التي اقتناها قبلًا. ما ناله من الآب هو أنه وُلد، فاقتناها بمولده (الأزلي)... لم يقدم الآب للابن وصية لم تكن لديه، وإنما كما قلت أنه في حكمة الآب وفي كلمة الآب تقوم كل وصايا الآب[1316].
القديس أغسطينوس
"وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية،
فما أتكلم أنا به،
فكما قال لي الآب هكذا أتكلم". [50]
* إن كان الابن نفسه هو الحياة الأبدية، وهو وصية الآب، فماذا يعني هذا سوى "أنا هو وصية الآب"؟ وبقوله: "فما أتكلم به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم" (يو 12: ٥٠).
لا يُفهم "قال لي" كما لو كان الآب يستخدم كلمات في حديثه مع الكلمة وحده، أو أن كلمة الله يحتاج إلى كلمات من الله.
تكلم الآب مع الابن بنفس الطريقة كما أعطى الحياة للابن، ليس كمن لا يعرف أمرًا، أو لم يكن له الأخرى (الحياة)، وإنما لأنه هو الابن... إنه الحقاني قد ولد الحق، فماذا يمكن أن يقول للحق؟ فإن الحق الذي ليس فيه نقص لا يحتاج إلى من يهبه حقًا إضافيًا. إذن هو تكلم مع الحق لأنه ولد الحق[1317].
القديس أغسطينوس
ملحق للأصحاح الثاني عشر
عن مجمع السنهدرين
إذ كثيرًا ما نسمع في هذا السفر عن رؤساء الكهنة والفريسيين ونادرا عن الكتبة، أود أن أقدم فكرة سريعة عن أعضاء مجمع السنهدرين.
كلمةSanhedrim هي الصيغة الآرامية للكلمة اليونانية sunedrion ومعناها "مجمع" أو "جلسة اجتماع (قضائي)".
يعتبر هذا المجمع هو الهيئة العليا لمحكمة القضاء العالي في أورشليم، تحت رئاسة رئيس الكهنة لإسرائيل، في أيام خدمة السيد المسيح ومحاكمته.
تاريخه
ترجع نشأة هذا المجمع إلى عصر سيادة الإمبراطورية اليونانية، وإن كان الربيون يجاهدون ليجدوا بدء نشأته هو مجمع السبعين شيخًا الذي أُقيم في أيام موسى النبي (عد 11: 16، 24).
أول مرة يُشار إليه تحت اسم "المشيخة" geraousia كان في أيام أفتيخوس الكبير 223-187 ق.م.
خوّل الأباطرة الهيلينيون الحرية للمجتمعات المحلية في الشئون الداخلية، فكانت إسرائيل تحكم نفسها بنفسها داخليًا، خلال مجلس الشيوخ الأرستقراطي (1 مك12:6؛ 2 مك 1: 10؛ 11: 27؛ 3 مك 18)، تحت رئاسة رئيس الكهنة الذي ينال المركز وراثيًا.
عندما دخل النظام الروماني بواسطة بومباي Pompey احتفظ رئيس الكهنة بمركز "حاكم الأمة"[1318]، مما يدل على بقاء مجلس المشيخة في ذلك الحين.
قام Gabinius بتقسيم الإقليم اليهودي إلى خمسة مقاطعات أو خمسة مجامع[1319]، فلم يعد مجمع أورشليم منفردًا في الحكم القضائي.
بعد عشرة سنوات أعاد قيصر تعيين هيرقانيوس الثاني Hyrcanus II إلى مركوه السابق وامتد سلطان مجمع أورشليم إلى الجليل[1320]. وهنا لأول مرة يدعى مجمع أورشليم "السنهدرين".
بدأ هيرودس حكمه بإصدار أمره بقتل جميع أعضاء مجمع السنهدرين[1321]، وقام بتعيين أعضاء موالين له.
بعد موت هيرودس وابنه أرخيلاوس Archelaus امتد سلطان المجمع. وفي أيام السيد المسيح على الأرض، وفي عصر الرسل، كان هذا المجمع يعتبر المحكمة القضائية العليا للعدالة.
زال هذا المجمع بلاشك بعد ذلك، إذ انتهى دوره بخراب أورشليم عام 70 م.
أعضاؤه
1- رؤساء الكهنة: تعتبر الهيئة الأرستقراطية في أورشليم، تضم رؤساء الكهنة السابقين والعاملين مثل حنان حما قيافا وقيافا وبعضًا من الأسرة من أولادهما. انحرف هذا اللقب عن الدور الرئيسي له وهو العمل الديني البحت ليمارسوا العمل السياسي تحت ستار الدين.
2- الصدوقيون، ويدعون أحيانا الكهنة أو الشيوخ، ولم يكونوا كهنة بالمفهوم الديني كما ورد في أسفار موسى، وإنما كانوا اسبه بهيئة قضائية، وهم ملتصقون برؤساء الكهنة، يحملون عداء خفيا للفريسيين.
3-الفريسيون، يعتبرون أنفسهم حماة الناموس والتقليد اليهودي. حرفيون إلي أبعد الحدود، لهم سلطان قوي في المجامع المحلية. كانوا يندسون بين الشعب لإثارة تساؤلات واعتراضات في الحديث مع يسوع المسيح لعلهم يستطيعون أن يبلغوا مجمع السنهدرين بما يحسبونه انحرافات عن الناموس.
4- الكتبة، وهم متبحّرون في الناموس الموسوي (مت 22: 35، لو 7: 30) ويدعون معلمي الناموسnomodidashalos (لو 5: 17، 34).
بدأت هذه الفئة تظهر بعد ظهور عزرا الكاتب (نح 8-10) حيث كان يقرأ الشريعة.
تطوّر دور الكتبة كمعلمين من تفسير الشريعة إلى ممارسة العدالة، وكان يُطلب احترامهم أكثر من الوالدين، لأن الأبناء والآباء ملتزمون باحترام معلّميهم.
المجمع الأورشليمي والمجامع المحلّية
حسب التقليد اليهودي يوجد نوعان من المجامعsunedria، السنهدرين العالي في أورشليم يضم 71 عضوًا، والسنهدرين الابتدائي في البلاد الأخرى ويضم كل مجمع 23 شخصًا يعيِّنهم السنهدرين العالي.
بحسب المِشناه Mishna يضم السنهدرين العالي 70 عضوًا مع الرئيس ونائب الرئيس، وأيضًا خدّام المحكمة.
يُعتقد أن العضوية تستمر مدى الحياة، أما الأعضاء الجدد فيقوم بتعيينهم الأعضاء القائمون أو السلطة السياسية العُليا.
سلطاته
كانت سلطته القضائية في أيام السيد المسيح محدودة بالإحدى عشر منطقة لليهودية، لذا لم يكن قادرًا على إصدار حكم جنائي ضد ربنا يسوع مادام مقيمًا بالجليل، اللهم إلا متى دخل حدود اليهودية.
قانونيًا لم يكن له سلطان على اليهود، لكن أدبيًا كانت المجامع المحلّية واليهود بوجه عام أينما وجدوا يميلون للطاعة لقرارات مجمع السنهدرين العالي. ولم تكن المجامع المحلّية ملتزمة بالرجوع إليه، اللهم إلا في الاستشارة في القضايا الخاصة بالشريعة.
اجتماعاته
عادة كانت المحاكم المحلّية تجتمع في يومي الاثنين والخميس من الأسبوع، فيما عدا أيام الأعياد، وبالأكثر لا تجتمع في يوم السبت. وكان مجمع السنهدرين يجتمع في الموضع المدعوXystos أو Xistus وهو في الجانب الشرقي في بيت رئيس الكهنة.
الإجراءات القانونية
بحسب المِشناه يجلس الأعضاء في شبه نصف دائرة ليرى كل منهم الآخرين. ويجلس أمامهم كاتبان للمحكمة، واحد عن اليمين، والآخر عن اليسار، عملهم هو حصر الأصوات الخاصة بتبرئة المتهم أو إدانته. ويجلس أمامهم ثلاثة صفوف من التلاميذ المتعلّمين لكل منهم كرسيه. وكان المتهم أو السجين يلتزم بالظهور في ثياب متواضعة تدلّ على الحزن.
في القضايا الخاصة بالإعدام يبدأون بالأشخاص الذين يطلبون براءته ليقدموا حججهم، ولا يسمح للتلاميذ أن ينطقوا بشيء ضد المتهم، إنما إن وُجد ما هو لصالحهينطقون به. من يقدم حججًا للبراءة لا يقدر أن يقدم ما هو ضد المتهم، بينما يسمح العكس للذين يتهمونه يمكن أن يقدموا أمورًا في صالحه.
يبدأ أخذ الأصوات بأصغر الأعضاء، وأحيانًا يُسمح بأن يبدأ التصويت بأهم الأعضاء. بالنسبة لبراءة المتهم فيكفي وجود أغلبية الأصوات، أما بالنسبة للإدانة فلابد من أن تكون الأغلبية مضافًا إليها اثنين.
هذا ولا يجوز إصدار الحكم في يوم المرافعة، إنما يلزم مناقشة الأمر وإصدار الحكم في اليوم التالي، باستثناء حالة الشخص الذي يضلل الشعب، فيمكن محاكمته في نفس اليوم أو ذات الليلة. بخلاف هذه الحالة، لم يكن ممكنًا مناقشة قضية تستوجب الموت في يوم الجمعة أو اليوم السابق للعيد، بل تُرجأ إلى ما بعد السبت أو ما بعد العيد.
كانت سلطة المجمع الدينية والمدنية والجنائية تحدّها الهيئات الحاكمة الأجنبية في أرض إسرائيل، وهي تختلف من وقت إلى آخر حسب الحاكم.
كان يُقاد الشخص وهو في طريقه للموت يتقدمه منادٍ يُعلن: "وُجد فلان بن فلان مستحقًا للموت، فإن كان يريد شخص ما أن يستوضح الأمر فليتقدم ويُعلن ذلك"[1322].
كان يطلب من المحكوم عليه بالموت أن يعترف بجريمته حتى يتمكن من أن يكون له نصيب في الحياة العتيدة.
من وحي يو 12
أطيابك هي سرّ حياتي!
* هب لي أن أعبر إليك مع أحبائك مريم ومرثا ولعازر.
أدخل معهما إلى الوليمة،
فحيث حللت تُقيم وليمة سماوية مفرحة!
أسكب مع مريم طيبًا خالصًا على قدميك!
أنه ليس من عمل يداي،
ولا اشتريته بمالي الخاص!
فما أقدمه لك هو ثمر روحك القدوس.
اسكب الطيب فأشتم رائحتك الذكية.
رائحتك ملأت بيتي الداخلي، وعطّرت كل كياني.
رائحتك هي سرّ حياتي!
* نعم، اشتمّها يهوذا السارق رائحة موت لموت،
فافتقد الحب، لأنه لا يُدرك إلا الخيانة.
وحسب العطاء خسارة،
لأن محبة المال أعمته!
أما أنا فأشتمّها لأحيا بها.
اسمح لي مع مريم أن أمسح قدميك بشعر رأسي!
أقدّم كل ما يظنّه العالم مجدًا لخدمة اخوتك المحتاجين!
الفقراء والمحتاجون هم قدماك، بهما أسير إليك.
لأكرمهما فأكرم قديك.
* مع مرثا تمتد يداي لخدمة جسدك.
فكل عطاء لاخوتك تستقبله يداك!
هب لي أن أعمل،
فمع كل حركة أرى يديك تعملان بي وفيّ!
يداك في داخلي مبسوطتان للعمل بلا انقطاع!
* مع لعازر أجلس صامتًا!
حياتي المُقامة بك هي شهادة حيّة لحبك وجلالك!
صمتي أعظم، وأقوى من كل كلمة مقولة!
* هوذا اليونانيون الغرباء يطلبون رؤياك.
من يقدر أن يلتقي بك ما لم ترتفع على الصليب.
كيف نتمتع بالثمر الإلهي ما لم تُدفن،
تقوم فتقيمنا معك!
* هوذا السماء تشهد لك،
أنت موضوع كل النبوات،
أنت محقق مشيئة الآب،
أنت مخلص العالم كله!
رائحة صليبك ملأت السماء والأرض!
اشتمّها الآب رائحة سرور.
وتنسمها السمائيون فأدركوا أسرارًا خفية.
وتعرف عليها البشر فصاروا ملائكة!
أطياب صليبك هي سرّ حياتي!