تيطس 2 - تفسير رسالة تيطس
تعاليم فئات الشعب الجزء(2) للقمص تادرس يعقوب ملطي
5. التعاليم وعمل النعمة
قد يسأل أحد: ومن أين لي أنا الضعيف أن أنفذ هذه التعاليم؟كيف أطُالب بما هو فوق الحدود الطبيعية للبشرية؟ جيب الرسول:
"لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس"[11].
إذ تجسد الابن الكلمة مقدمًا نفسه لنا "نعمة" متجلية فينا، لنعيش به، لا بإمكانياتنا البشرية بل بإمكانيات الله القادر على كل شيء. هذا ما يشهد به الرب نفسه قائلًا: "من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها." (يو 14: 12). وقد اختبر الرسول ذلك فقال: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في 4: 13).
هكذا كان الآباء يتشبثون بالنعمة الإلهية الفياضة، إذ هي التي تهب الإنسان الإرادة الصالحة، وتهبه الإيمان وتنميه، وتعطيه قوة تنفيذ الوصايا، وتسكب عليه الحب لله والناس[34]. هذه النعمة عطية مجانية ظهرت مخلصة لجميع الناس، إذ جاء الابن الكلمة لخلاص العالم كله، "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية".
ظهر للجميع باسطًا يديه ليحمل رجال العهد القديم والعهد الجديد. وهكذا تمتع رجال العهد القديم بالنعمة، لكن من تحت برقع، خلال الرموز، وليس كرجال العهد الجديد الذين تجلت أمامهم، ويتمتعون بها إن أرادوا وتجاوبوا معها[35].
هذه النعمة مجانية ظهرت لجميع الناس، الشيوخ والعجائز، الأحداث والحدثات، السادة والعبيد، والكل يجدر بهم قبولها والتجاوب معها.
عمل النعمة
أولًا: "خلع أعمال الإنسان العتيق":
يقول الرسول: "معلمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية".
هذا هو عمل المسيح فينا، إنه النور المبدد للظلمة. فخلال موته وقيامته اللذان لنا حق الشركة معه فيها بالمعمودية يصير لنا الموت عن حياتنا القديمة والحياة بحسب الإنسان.
يقول القديس أغسطينوس: ]والآن يبدو واضحًا جدًا أنه يتمثل بسرّ موت المسيح وقيامته، موت حياتنا القديمة الآثمة، وقيام الحياة الجديدة، ويظهر هنا إبطال الإثم وتجديد البرّ[36].[
ولقد اختبر الرسول بولس عمل النعمة في حياته التي كانت كلها ضعفات، فلا عجب إن أطال الحديث عنها خاصة في رسالته إلى أهل رومية بل كان غالبًا ما يفتتح رسائله ويختمها بطلب ملازمة النعمة لأولاده[37].
ثانيًا: التمتع بأعمال الإنسان الجديد:
يقول الرسول: "ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر". [12]
إذ تختبر الكنيسة عمل النعمة في غربتها هنا، تهبها فضائل عريسها وتزينها براحته الذكية: أي بأعمال التعقل والبرّ والتقوى، لهذا دعتها "الأغنية الجديدة" التي لا تكف عن التسبيح بها.
يقول القديس إكليمنضس السكندري عن النعمة:
]هذه هي الأغنية، الأغنية الجديدة: ظهور الكلمة الذي كان في البدء وقبل البدء! المخلص الذي كان موجودًا قبلًا ظهر في الأيام القريبة!
ذاك الذي يظهر فيه ما هو حق، لأن الكلمة "عند الله"، الذي به كان كل شيء، ظهر كمعلمٍ لنا.. لقد تمم خلاصنا!
انظروا قدرة الأغنية الجديدة!
لقد خلقت من الحجارة أناسًا، ومن الوحوش بشرًا!
الذين كانوا أمواتًا، ليس لهم شركة في الحياة الحقيقية قد عادوا إلى الحياة مرة أخرى ببساطة بواسطة إنصاتهم إلى هذه الأغنية![38] [
ثالثًا: ترجي الحياة الأخرى:
عمل السيد المسيح، النعمة الحقيقي، فينا أن يبدد أعمال الظلمة، وينطلق بنا إلى أعماله، أعمال البر، ويتجلى في حياتن،ا فنعشق الراحة الأبدية في أحضانه، أو كما يقول الرسول:
"منتظرين الرجاء المبارك،
وظهور مجد الله العظيم، ومخلصنا يسوع المسيح،
الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم،
ويظهر لنفسه شعبًا خاصًا غيورًا في أعمال حسنة" [13-14].
عمل النعمة أن ننتفع من مجيء المسيح الأول، فنحيا كما يليق شاكرين إياه على الفداء الذي تممه على الصليب، وأن ننتظر مجيئه الثاني متهيئين للقاءٍ أبديٍ معه وجهًا لوجه.
يقول القديس كيرلس الأورشليمي: ]بولس أيضًا عرف الميجئين (للرب) عندما كتب إلى تيطس.. ها هو يتحدث عن المجيء الأول الذي من أجله نقدم تشكرات، وعن الثاني الذي نتطلع إليه "نترجاه"![39]]
مجيء المسيح الثاني الآتي يشوقنا لقبول الاتحاد والثبوت والنمو في الشركة مع المسيح المتألم، فنقبل تجسده وآلامه وصلبه وموته ودفنه وقيامته وصعوده في حياتنا.
ندرك أنه بتجسده قبل ما لي، وصار لي ما له في شخصه.
وبآلامه حمل آلامي، وصار لي أن أتألم آلام الحب فيه.
وبصليبه حمل آثامي، وصار لي برّ المسيح.
وبدفنه مات عني، لأدفن أنا أيضًا من أجله.
وبقيامته وُهب لي فيه قوة الحياة.
وبصعوده، أدرك أنني بالمسيح يسوع أجلس عن يمين الله.
بهذا كله تصير لي أعمال المسيح -أعمال البرّ- فأصير عضوًا في شعبٍ غيورٍ في أعمال حسنة، طاهرًا من كل إثم، مستعدًا للعرس السماوي!
وبهذا أترنم قائلًا: "منتظرين الرجاء المبارك، وظهور مجد الله العظيم، ومخلصنا يسوع المسيح" [15].
وهذه هي نفس العبارة التي نصلي بها في خاتمة قانون الإيمان، قائلين في كل مناسبة: "وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي أمين".