تيطس 3 - تفسير رسالة تيطس
العلاقات بالآخرين الجزء(2) للقمص تادرس يعقوب ملطي
. تجنب المقاومين
بعدما أرشدنا الرسول إلى الخضوع والطاعة للرئاسات ومحبة كل البشر مفتدين الوقت في كل عمل صالح، خشي لئلا يضربنا عدو الخير بالانهماك وإضاعة الطاقات في المناقشات الغبية مع المقاومين والمبتدعين، ذلك تحت دافع الدفاع عن الحق فقال:
"وأما المباحثات الغبية والأنساب
والخصومات والمنازعات الناموسية فاجتبها،
لأنها غير نافعة وباطلة،
الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين أعرض عنه،
عالمًا أن مثل هذا قد انحرف،
وهو يخطئ محكومًا عليه من نفسه11". [9-11]
قبلًا كان يحدث كل المؤمنين بجميع فئاتهم عن شهادتهم العملية وكرازتهم خلال سلوكهم وحياتهم اليومية وخضوعهم وطاعتهم للسلطات وحبهم لجميع الناس، والآن يوقف كل مضيعة للوقت إذ يمنع:
1. المباحثات الغبية: أي المناقشات التي لا تقوم على أساس التعرّف بالحق أو تذوقه، بل لمجرد التعصب وإبراز القدرة على الكلام والإقناع. يُصاب الكثير من الخدام بهذه الضربة، فما أن يلتقي الراعي أو الخادم بإنسان حتى تتفتح أبواب كثيرة للمناقشات والأحاديث البعيدة عن التوبة والخالية من التمتع بالشركة بالله وتتسم رائحة المسيح في سير القديسين أو خلال الطقوس الحية.
2. الأنساب: إذ كان اليهود يعتمدون على أنهم أبناء إبراهيم، الأمر الذي جر بعض المعلمين إلى إضاعة الوقت مع اليهود المقاومين في إطالة المناقشات بخصوص اتتساب البشرية لإبراهيم أو غيره من الآباء .وقد أبكم الرب اليهود بكلمات قليلة مختصرة.
3. الخصومات: يقول الذهبي الفم: ]أما الخصومات فيعني بها المناقشات مع الهراطقة. يود الرسول ألا نتعب فيها بغير جدوى، دون أن نجني منها شيئًا، لأنها تنتهي إلى لا شيء. لأنه إن صمم إنسان جاحد على عدم تغيير رأيه مهما حدث، فلماذا تتعب نفسك وتزرع على الصخر، مع أنه كان يليق بك أن توجه عملك العظيم إلى شعبك متحدثًا معهم عن الفضائل؟[
فإذا يتصلف الإنسان في عناده يليق بنا ألا نجادله بعد بل نعرض عنه.
إذن يجدر بالرعاة كما يقول القديس أمبروسيوس: ]أن يكونوا هكذا كمرشدين للسفن حكماء. فيفردون شراعات إيمانهم حيث يسير في أكثر الأماكن أمانًا، حاسبين تكاليف "رحلة الكتب المقدسة" فلا ننطق بكلمة إلا للبنيان.وباختصار يليق بالراعي أن ينخلع عن المباحثات الغبية والأنساب والخصومات وكل ما هو ليس للبنيان إذ يدعوها الرسول أنها أمور غير نافعة، من ينشغل بها يصير غبيًا[51].]
4. وصايا ختامية
في ختام الرسالة أرسل إليه عن بعض الأمور الخاصة قائلًا:
أ. "حينما أرسل إليك ارتيماس أو تيخيكس، بادر أن تأتي إليّ إلى نيكوبوليس لأني عزمت أُشتي هناك". [12]
إنه يرسل إليه ارتيماس أو تيخيكس اللذين هما أعزاء لديه، وذلك بعد خروجه من السجن، وقد طلب منه أن يأتيه إلى نيكوبوليس، لا ليرافقه في الأسفار والرحلات، وإنما كما يقول ذهبي الفم: ]لكي يشجعه ويرشده ويزوده للخدمة[.
أما "ارتيماس" فهو اختصار للاسم اليوناني "أرتيمادورس" أي "عطية الآلهة أرطاميس". وهو أحد رفقاء الرسول في الفترة الأخيرة من حياته.
و "تيخيكس"وهو اسم يوناني معناه "محصن"، كثيرًا ما كان يرافق الرسول بولس في رحلاته (أع 20: 4)، وقد شهد له أنه الأخ الحبيب والخادم الآمين (راجع كو 4: 7، 9). وأرسله حاملًا الرسائل إلى أفسس وكولوسي (أف 6: 21)، (كو 4: 7). يقترح هنا إرساله إلى تيطس في كريت ليخبرهم عن أحوال الخدمة ويعزي قلوبهم بما عمله الرب على يدّ الأسير بولس. كما أرسله الرسول إلى أفسس (2 تي 4: 12).
2. "جهز زيناس الناموسي وأبلوس باجتهاد للسفر، حتى لا يعوزهما شيء. ويتعلم من لنا أيضًا أن يمارسوا أعمالًا حسنة للحاجات الضرورية حتى لا يكونوا بلا ثمر". [13-14]
لعله دعاه بالناموسي لأن زيناس كما يقول القديس الذهبي الفم: ]كان متضلعًا في الناموس الموسوي. [
و"زيناس" اختصار للاسم اليوناني "زيندورس" أي "عطية الآلهة زفس"، كان من رجال القانون، جال في جزيرة كريت مع "أبلوس" للكرازة والخدمة يعاونان الأسقف "تيطس".
أما "أبلوس" السكندري الفصيح فسيجيء الحديث عنه في رسالة "الرسول بولس" الأولى إلى أهل "كورنثوس" إن شاء الرب وعشنا.
وقد طلب الرسول منه أن يعطيهما احتياجاتهما ليكون قدوة أمام المعلمين والرعية في كريت، فلا يكونوا طماعين بل أسخياء في العطاء، خاصة في احتياجات الخدمة. وقيمة هذا العمل إنه ثمر للحياة المسيحية الحقيقية والإيمان الحي العامل، فيشتمه الله تقدمه مقدسة.
3. وأخيرًا يختم الرسالة كعادته مقدمًا سلام مَن معه، طالبًا السلام على جميع المؤمنين، قائلًا: "يسلم عليك الذين معي جميعًا، سلم على الذين يحبوننا في الإيمان".
ثم يصلي من أجلهم طالبًا "النعمة مع جميعكم، آمين" [15]، وهذه زبدة كل الطلبات أن ترافقنا نعمة الله على الدوام. آمين
.