يوحنا الاولى 5 - تفسير رسالة يوحنا الأولى إمكانيات إيماننا بالرب المتجسد الجزء(2)للقمص تادرس يعقوب ملطي
5. الإيمان واستجابة الصلاة
"هذه هي الثقة التي لنا عنده،
أنه إن طلبنا شيئًا حسب مشيئته يسمع لنا" [14].
يقول الأب اسحق:
[إنه يأمرنا أن تكون لنا ثقة كاملة بغير ارتياب من جهة استجابة الطلبات التي ليست من أجل نفعنا (الأرضي) أو راحتنا الزمنية، إنما تطابق مشيئة ربنا. وتعلمنا الصلاة الربانية هذا، إذ نقول "لتكن مشيئتك" أي ليس حسب مشيئتنا نحن.
فإن تذكرنا كلمات الرسول: "لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي" (رو ٨: ٢٦)، ندرك أننا أحيانًا نسأل أمورًا تضاد خلاصنا، وبواسطة العناية الإلهية تُرفض طلباتنا، لأنه يرى ما هو لصالحنا بحق أعظم مما نستطيع نحن.
وهذا ما حدث مع معلم الأمم عندما صلى أن ينزع عنه ملاك الشيطان الذي سمح به ربنا لأجل نفعه. "من أجل هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني. فقال: تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل" (٢ كو ١٢: ٨-٩).]
"وإن كنا نعلم أنه يسمع لنا مهما طلبنا،
نعلم أن لنا الطلبات التي طلبناها" [15].
فالمؤًمن الذي يتجاوب مع روح اللَّه يتعلم ماذا يطلب، لذلك فكل ما يطلبه إذ هو حسب مشيئة اللَّه يستجيب ربنا له.
6. المؤمنون وصلاتهم من أجل إخوتهم
"إن رأى أحد أخاه يخطئ ليست للموت،
يطلب فيعطيه حياة للذين يخطئون ليس للموت.
توجد خطية للموت.
ليس لأجل هذه أقول أن يطلب" [16].
يقول القديس أغسطينوس:
[واضح هنا أن هناك إخوة لا نصلي من أجلهم مع أن ربنا يوصينا أن نصلي حتى من أجل الذين يضطهدوننا. فخطية الأخ هنا أشر من كل خطية المضطهد لنا. وواضح أن كلمة "أخ" هنا تعني الإنسان المسيحي كما في 1 كو ٧: 14-15... إنني أفترض أن خطية الموت هنا هي مقاومة الإنسان للحب الأخوي وامتلاء قلبه بالكراهية ضد النعمة التي بها تصالحنا مع اللَّه بعدما تعرفنا على اللَّه بنعمة ربنا يسوع المسيح. (أي مقاوم في داخل الكنيسة فيفقدهم نعمة الرب).
أما الخطية التي ليست للموت فهي ألا يقوم الإنسان بواجبات الحب الأخوي عن ضعف في الروح...
ونلاحظ أن الرسول بولس لم يصلِ من أجل إسكندر، وأحسب أن السبب هو أنه كان مسيحيًا أخطأ خطية الموت، إي كان مقاومًا لشركة الروح بالبغضة... إذ يقول "إسكندر النحاس أظهر شرورًا كثيرة ليجازه الرب حسب أعماله، فاحتفظ منه أنت أيضًا لأنه قاوم أقوالنا جدًا" (٢ تي ٤: 15). أما الذين يصلي من أجلهم فيقول عنهم "في احتجاجي الأول لم يحضر أحد معي بل الجميع تركوني. لا يحسب عليهم" (٢ تي ٤: 16).]
ولعله لهذا السبب كانت الكنيسة تصلي ضد المبتدعين المصرين على عدم التوبة ليس انتقامًا لأنها كعريسها لا تحب الانتقام، إنما خوفًا على أولادها البسطاء الذين يخدعهم هؤلاء المبتدعين أمثال أريوس ونسطور...
ويرى تقليد الآباء اليونان أن الخطية التي للموت هي التي يصر عليها مرتكبيها بغير توبة. لهذا لا تصلي الكنيسة من أجل المنتحرين لأنهم أصروا على يأسهم إلى النهاية.
هذا ونلاحظ أن الرسول لم يأمر بعدم الصلاة من أجل الذين يخطئون خطية الموت إنما لم يطلب منهم أن يصلوا، تاركًا للمؤمن الأمر.
"كل إثم هو خطية، وتوجد خطية ليست للموت" [17].
كلمة "إثم" كما جاءت في اليونانية تعني اعتداء الإنسان على حق الغير، وكلمة "خطية" تعني مخالفة إرادة اللَّه ووصاياه. فكل اعتداء على حق الآخرين هو خطية لأنها تخالف إرادة اللَّه، إذ يريد الحب بيننا.
ولكن هناك خطايا ليست للموت، ليس لأن طبيعتها هكذا، لكن لصدورها عن ضعف بغير إرادة أو عن جهل رغم توبتنا المستمرة. وهذه الخطايا ليست غير ملومة، ولا تعني أننا لا نتوب عنها. لهذا في كل يوم نصلي قائلين: "واغفر لنا ذنوبنا"
7. المؤمنون وهبوا بصيرة المعرفة
أ. "نعلم أن كل من وُلد من اللَّه لا يخطئ،
بل المولود من اللَّه يحفظ نفسه والشرير لا يمسه" [18].
وقد سبق أن رأينا أن المولود من اللَّه يدرك إمكانيات الولادة الجديدة، وهي أنه كابن لا يخطئ ما دام ثابتًا في أبيه، لكن في اللحظة التي فيها ينسى بنوته، وينحرف قليلًا عن أبيه يسقط. وهنا يطلب الرسول من المولود من اللَّه أن يجاهد "يحفظ نفسه". وإذ يرى الشرير (الشيطان) ثباته في اللَّه وجهاده لا يقدر أن يمسه.
ب. نعلم أننا نحن من اللَّه والعالم كله قد وضع في الشرير" [19].
يدرك أولاد اللَّه أنهم من اللَّه، ليس بالكلام إنما بالحياة معه. ويتطلعون إلى "العالم كله" وهنا لا يقصد كل البشرية، إنما الذين أحبوا العالم وتعلقوا به أنهم قد اختاروا ملكوت الشرير.
ج. "ونعلم أن ابن اللَّه قد جاء،
وأعطانا بصيرة لنعرف الحق.
ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح،
هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية" [20].
يعلم المؤمن من هو ربنا يسوع. إنه الحق واهب الحياة. هذه هي البصيرة الداخلية التي بها تعاين النفس ربنا يسوع أنه كل الحق فتشبع منه، وأنه مصدر حياتها، فتثبت فيه ولا تريد أن تفارقه.
8. الإنذار الأخير
"أيها الأولاد احفظوا أنفسكم من الأصنام" [21].
يذكرنا هنا بنسبنا للَّه "أيها الأولاد"، أي يا أولاد اللَّه، لا يليق بكم أن تسلموا أنفسكم لغير أبيكم "لأن" الأصنام هي تسليم القلب الذي للرب لغيره.
إنه يذكرنا بمركزنا كأولاد للَّه طالبًا أن تتقدس قلوبنا له. وفي نفس الوقت يشجعنا على المثابرة والجهاد "احفظوا أنفسكم" حتى لا نقبل شيئًا أو أحدًا أن يحتل مكان اللَّه في قلوبنا.
بركة ربنا وإلهنا بصلوات أبينا الحبيب القديس يوحنا وجميع القديسين تحفظنا إلى الأبد. آمين.