تفسير سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي - المقدمة الجزء(2) للقمص تادرس يعقوب ملطي
مكان كتابته
في جزيرة صغيرة على بعد حوالي 25 ميلًا من شواطئ آسيا الصغرى (تركيا الحديثة) تُسمى بطمس أو بتمو، وتدعى حاليًا "بتينو"، كتبها الرسول وهو منفي[5] (1: 9).
وترى قلة من العلماء أنه سجل رؤياه التي رآها في المنفي عندما عاد إلى أفسس. إلاّ أن هذا الرأي لا يستند على دليل، خاصة وأنه أمر بكتابة ما يراه بغير تأخير (1:10-11).
ويوجد في هذه الجزيرة كهف يقول عنه سكانه أنه مسكن الرسول أثناء نفيه.
زمان كتابته
ترى الأغلبية أنها كُتبت بعد خراب أورشليم حوالي سنة 95 م.، ويقول القديس إيريناؤس[6] عن هذه الرؤيا أنها أُعلنت في نهاية حكم دومتيانوس.
اهتمام الكنيسة به
بالرغم مما أثاره بعض الهراطقة مثل مرقيون من جهة قانونية هذا السفر، لكننا نجد الكنيسة منذ القرون الأولى تعطيه اهتمامًا خاصًا، لذلك قام بعض الآباء بتفسيره أو بكتابة مقالات عنه منهم: الشهيد يوستينوس، إيريناؤس، أيبوليطس[7]، ميلتون، فيكتوريانوس[8]، ديوناسيوس الإسكندري، ميثوديوس، باسيليوس الكبير، غريغوريوس النزينزي، كيرلس الكبير، جناديوس.
صعوبته
يعتبر تفسير سفر الرؤيا أمرًا عسيرًا للأسباب:
1. بكونه سفر نبوي (رؤ 22: 7) وهو السفر النبوي الوحيد في العهد الجديد.
2. يتنبأ عن حقائق روحيّة سماويّة، لا يعبر عنها بلغة بشريّة، لهذا جاءت في أعداد ورموز وألوان وتشبيهات.
3. تحدث عن أمور لا شأن للمؤمن أن يدرك دقائق أسرارها، ولا غنى له عن التعرف عليها فلو عرف الأزمنة أو الأوقات لأصابه الخمول أو اليأس، ولو لم يعرف ما سيتعرض له من ضيقات أثناء جهاده لأصابه يأس وقنوط. لهذا يقدم لنا سفر الرؤيا الأحداث بالقدر الذي به يلتهب القلب غيرة ويمتليء رجاء دون أن يبحث عن أزمنة أو أوقات أو يهتم بمجرد حب الاستطلاع للحوادث المقبلة.
4. حملت كلماته معانٍ عميقة، وقف آباء الكنيسة في دهشةٍ أمامها! فقد كتب القديس إيرونيموس[9]إلى الأب بولينوس أسقف نولا يقول:[إن أسرار سفر الرؤيا كثيرة قدر ألفاظها. فكل لفظ يحمل في طيَّاته سرًا. وهذا قليل بالنسبة لسمو شرف هذا السفر، حتى ليحسب كل مديح له قليلًا. لأن كل كلمة فيه تحمل معانٍ كثيرة. وإنني أمتدح فيه ما أفهمه وما لا أفهمه.]
ويقول عنه البابا ديوناسيوس السكندري: [مع أنه يحمل فكرًا يفوق إدراكي إلا إنني أجد فيه الحاوي لفهم سري عجيب في أمور كثيرة... وبالرغم من عجزي عن فهمه غير إنني لا أزال أؤمن أن هناك معانٍ عميقة وراء كلماته. فإنني لا أقيس عباراته ولا أحكم عليها حسب قدرة إدراكي بل أتقبلها بالإيمان وببساطة. أنظر إليها أنها حلوة ولذيذة لفهمي. فلا أرفض ما لا أفهمه بل بالأكثر أقف مندهشًا أمامه[10].]
مفتاح السفر
في هذا السفر يرافق الروح القدس النفس البشرية في طريق الأبدية، كاشفًا لحواسها الداخلية أن ترى وتسمع وتتلامس وتتقوى حتى تبلغ إلى العرس الخالد!
1. فيبدأ بإظهار "باب مفتوح في السماء"، لنصعد إليه بالرب يسوع الحمل القائم كأنه مذبوح. وماذا نرى؟
2. نرى أولًا "حال الكنائس السبع" التي تكشف عن مقدار الضعف البشري وقوة عمل النعمة في الكنيسة. وهنا يتقدم ربنا يسوع ليُعلن أنه هو العلاج الوحيد لكل ضعف فينا.
3. ثم يرتفع بها كما بجناحيّ حمامة تجاه الأبدية في طريق الصليب، طريق الألم، لترى الخروف يفتح "الختوم السبع"، معلنًا عن حالة حرب دائمة بين الله المهتم بأولاده والشيطان الذي لا يكف عن محاربة أولاد الله.
4. ونسمع "الأبواق السبعة" معلنة إنذارات الله تجاه البشر حتى لا يقبلوا أضاليل إبليس، بل يكونوا مرتبطين بالرب، كما تعلن عن قوة المرأة الملتحفة بالشمس ضد عدوّها التنين ومن يثيره "الوحش البحري والوحش البري".
5. وترى "الضربات السبع" لتأديب الأشرار لعلهم يتوبون، كاشفًا عن الخراب الذي يحدق بالزانية وعُشَّاقها. وفي كل مرة تتكشف النفس على مرارة تعم البشرية، أو ضيق ينتاب المؤمنين، للحال يظهر شخص الرب يسوع في صورة أو أخرى يشجع ويعزي ويقوي أولاده حتى يتمموا جهادهم بسلام.
6. وأخيرًا يدخل الروح بالنفس إلى "أورشليم السماوية" لترى وتُبهر مما لابد أن يكون من أجلها، ما أعده الله للبشر، كما ترى بعينيها إبليس عدو البشرية منطرحًا في البحيرة المتقدة بالنار.
أقسام السفر
أولًا: الكنائس السبع
1 -3.
ثانيًا: الرؤى النبوية
4 - 20.
ثالثًا: مجد أورشليم السماوية
21 - 22.
ملاحظة هامة: كثيرون شوَّهوا سفر الرؤيا بتحويل تفسيره إلى البحث عن تفاصيل حوادث مقبلة، وأمور ليس لنا أن نبحث فيها، تاركين المعاني الروحية السامية، التي يريد الرب أن يُعلنها لنا لنحيا بها وننمو روحيًا، لا أن نقيم من أنفسنا أنبياء، لنرى أو نعلن ما لا يمس حياة الإنسان وخلاصه، حتى لا نسمع ذلك التوبيخ "أعلِمونا المستقبلات، أخبروا بالآتيات فيما بعد فنعرف أنكم آلهة" (إش 41: 22-23).