القديس الشهيد مار مينا العجائبي
← اللغة الإنجليزية: Saint Mina, Saint Minas - اللغة القبطية: abba Mhna، اللغة اليونانية: Άγιος Μηνάς.
أشهر الشهداء المصريين، نال شهرة لم ينلها أي شهيد مصري سواء في القطر المصري أو خارجه. ولعل السبب في ذلك العجائب الكثيرة التي يجريها الرب بصلواته إلى يومنا هذا لذا يطلق عليه الشهيد مارمينا العجايبي.
وُلد حوالي سنة 285 م. ببلدة نقيوس Niceous مركز منوف محافظة المنوفية. كان والده أودكسيوس Eudouxious حاكمًا للمدينة، وكان جده Plondionus أيضًا حاكمًا. وقد نال أودكسيوس شهرة عظيمة بسبب فضائله وتقواه. حسده أخوه أناطوليوس لأن الجموع كانت تحبه أكثر منه، فوشى به لدى الملك كارينوس. لكن الملك أراد أن يكسب الاثنين، فأرسل قائده هيباتوس Hypatos ومعه أمر تعيين أودكسيوس حاكمًا على مدينة أفريقيا القديمة (الجزائر) عوضًا عن حاكمها الذي كان قد مات. وطلب من القائد أن يرافقه ويطمئن عليه وعلى أسرته، ويُسهل له الطريق في مقره الجديد.
حزن شعب نقيوس جدًا عليه، بل وندم أخوه أناطوليوس على ما فعله.
ابن الموعد:
اشتاقت أوفيميه زوجة أدوكسيوس العاقر أن يهبها الرب نسلًا طاهرًا. وكانت تصوم حتى المساء وتقدم صدقات كثيرة للفقراء والغرباء. وفي أحد أعياد السيدة العذراء في 21 طوبة في كنيسة العذراء بأتريب رفعت قلبها المنكسر نحو الرب يسوع وطلبت شفاعة القديسة مريم. وإذا بها تسمع صوتًا من أيقونة الطفل يسوع المسيح وقد حملته والدته يقول لها "آمين". حملت وأنجبت ابن صلواتها الذي قدمه لها السيد المسيح كوعدٍ منه، فدعته مينا أي آمين. ابتهجت المدينة كلها بميلاده وأطلق أودكسيوس كثير من المسجونين، وقدم صدقات كثيرة.
نشأته:
اهتم به والده، فهذبه بتعاليم الكنيسة بروح إنجيلية، وغرس فيه محبة الكتاب المقدس والعبادة والسلوك بروح التقوى. مارس حب المعرفة الحقيقية بفكرٍ كنسي تعبدي بورع وتقوى. مات والده وهو في الحادية عشر من عمره، ثم والدته وهو في الرابعة عشر. ورث عنهما خيرات كثيرة وبركات روحية مع كرامة.
بعد سنة من نياحة والدته عُيّن وهو في الخامسة عشر من عمره ضابطًا في الجيش في فرقة أفريقيا القديمة (الجزائر)، ونال مركزًا مرموقًا لمكانة والده.
رهبنته:
التهب قلب مينا الضابط بالجيش بمحبة الله الفائقة، فقام بتوزيع أمواله على أخوة يسوع الأصاغر. وإذ اشتهى تكريس كل وقته وطاقاته لحساب مملكة الله ترك خدمة الجيش بعد ثلاث سنوات (سنة 303 م) وتوجه إلى البرية ليتعبد فيها.
صدر منشور من قِبل الإمبراطورين الجاحدين دقلديانوس ومكسيميانوس يأمران فيه بالسجود للأوثان وتقديم قرابين لها.
بعد خمسة أعوام من رهبنته رأى وهو يصلي الشهداء يُكللون بواسطة الملائكة، ويحملونهم إلى الفردوس، وقد صاروا في بهاء أعظم من الشمس. اشتهى القديس مينا أن يصير شهيدًا، فسمع صوتًا من السماء يقول: "مبارك أنت يا آبا مينا لأنك دُعيت للتقوى منذ حداثتك. فستنال ثلاثة أكاليل لا تفنى ولا تزول... واحد من أجل بتوليتك، والآخر من أجل حياتك النسكية، والثالث من أجل استشهادك هذا. سيصير اسمك مشهورًا بين الشهداء. لأني أجعل الناس من كل قبيلة ولسان يأتون ويعبدونني في كنيستك التي ستُبنى على اسمك، وفوق ذلك كله ستحصل على مجدٍ لا يُنطق به ومجيد في ملكوتي الأبدي".
في ساحة الاحتفال:
ترك القديس مينا البرية وانطلق إلى المدينة في ثياب النسك، وكان ذلك اليوم يوافق احتفال ديني عظيم. تمرّرت نفسه وهو يرى الجماهير الكثيرة في هذا الضياع. تقدم إلى ساحة الاحتفال، وصرخ نحو الجماهير معلنًا اشتياق الله أن يعرف الكل محبته وخلاصه فقال بصوتٍ عالٍ: "وُجدتُ من الذين لم يطلبونني وصرتُ ظاهرًا للذين لم يسألوا عني" (راجع إش 65: 21؛ رو 10: 20).
ذُهلت الجماهير لهذا المنظر، وحدث صمت رهيب. حينئذ تساءل الوالي عمّا حدث، وكيف تجاسر هذا الإنسان ليُعطل الاحتفال بعيد الإمبراطور مزدريًا بالأمر الإمبراطوري. أعلن الراهب إيمانه بشجاعة. تعرف عليه بعض العسكريين وأخبروه عن مركزه القديم. اندهش الوالي لساعته وقال له: "لماذا تركت جنديتك؟ وكيف تعترف أنك مسيحي؟" أجابه القديس" "إني جندي حقًا، لكنني آثرت أن أكون جنديًا لربي يسوع المسيح لأجل مرضاة اسمه القدوس".
وضعوه في الهنبازين Hemetarim وكشطوا جسمه حتى ظهرت عظامه. وفي سخرية كان القائد يسأله إن كان قد شعر بالعذاب أم لا. أما هو فأجابه: "عذاباتكم هي رأسمالي، فهي تُعد لي الأكاليل أمام المسيح ملكي وإلهي".
سحبوه على أوتاد حديدية حادة مدببة حتى تمزق جسمه، وأخذوا يدلّكون جراحاته بأقمشة خشنة. سلّطوا مشاعل متقدة على جنبيه لمدة ساعتين كاملتين، وقد رفع عنه الرب الألم فلم يتأوه.
ضرب على فمه حتى تكسرت أسنانه، فكان يلهج قلبه بالشكر، حاسبًا أنه غير مستحق أن يُهان من أجل اسمه القدوس.
إذ فشل القائد في إقناعه أرسله إلى الوالي مع رسالة شرح فيها ما حدث وركب الجند السفينة مع القديس مينا. سمع صوتًا من السماء يناجيه: "لا تخف يا حبيبي مينا لأني سأكون معك أينما تحل".
ألقاه الوالي في السجن مع كثيرين فكان يُعزّيهم ويشجعهم. هناك ظهر له السيد المسيح نفسه وعزّاه ثم صعد إلى السماء.
في اليوم التالي استدعاه الوالي إلى مجلس القضاء وأخذ يلاطفه ويتملّقه، وإذ لم يجد حيلة توعده بالموت. أمر بجلده بسيور جلد الثور، وحاول نشره بمنشار حديدي صلب، وإذا بالمنشار يذوب كالشمع. أخيرًا أمر الوالي بقطع رأسه بالسيف. وفي مكان الاستشهاد ركع القديس وصلي رافعًا يديه إلى السماء فضربه السيّاف وتمت شهادته في اليوم الخامس عشر من شهر هاتور حوالي سنة 309 م.، وكان عمره 24 عامًا.
أوقد الجند نارًا لحرق جسده، لكن بقي الجسد ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ داخل اللهيب ولم يحترق.
حمله بعض المؤمنين وكفّنوه بأكفان ثمينة ودفنوه بكل وقارٍ.
جسد مارمينا:
خرج القائد أثناسيوس ليُحارب البربر الذين كانوا يهاجمون مدينة مريوط، وأصر أن يأخذ معه جسد القديس. وإذ كشف الجنود القبر ظهر نور عظيم فسقطوا على الأرض وسجدوا لإله مارمينا. أخذوا الجسد وأخفوه ووضعوه في مركب قاصدين الإسكندرية ومنها إلى مريوط. وفي البحر هاجمتهم حيوانات مفترسة فخرجت نار من الجسد وانطلقت كالسهام نحوها، فهربت للحال.
إذ وصلوا إلى الإسكندرية، وحملوا الجسد على جمل إلى مريوط هزموا البربر، وعند رجوعهم رفض الجمل القيام والسير معهم بالرغم من الضرب الشديد. نقلوا الجسد على جملٍ آخر أقوى منه فلم يتحرك، وهكذا تكرر الأمر فأدرك القائد أثناسيوس أن هذه إرادة الله أن يبقى جسد القديس في مريوط.
كسيح يكشف عن مكان الجسد (320-325 م):
يذكر لنا البابا يوحنا الرابع أن كسيحًا يسكن في قرية قريبة من مكان الجسد زحف حتى خرج من قريته ورأى مصباحًا منيرًا فأسرع وهو يزحف فبلغ إلى القبر. هناك رقد ونعس، وإذ كان والداه يبحثان عنه وجداه نائمًا. وبينما هما يصرخان في وجهه قام يقفز ويجري يخبر أهل القرية بما رآه. جاءوا إلى القبر فرأوا نورًا يخرج منه. توافدت الجماهير إلى القبر، وكان الله يصنع عجائب كثيرة بصلوات القديس مينا.
شفاء ابنة الإمبراطور:
بعد زمن كان أحد الرعاة يرعى غنمه خارج المدينة، وإذا بخروف أجرب ينزل في بركة ثم خرج ليتمرغ في التراب فبرئ للحال. بُهت الراعي جدًا فكان يحضر الخراف المريضة يبلها بالماء ثم يُمرّغها في تراب هذه البقعة فتُشفى.
ذاع الخبر وسمع إمبراطور القسطنطينية بذلك. وإذ كانت له ابنة وحيدة مصابة بمرض الجُزام أرسلها مع حاشيتها إلى مصر لتنال الشفاء من هذا المكان العجيب. في الليل ظهر لها القديس وأخبرها بأن تحفر في ذلك المكان على عمق بعض الأمتار حتى تجد رفاته المقدسة. ففعلت ذلك وبنى والدها كنيسة على اسم القديس وكُرّست في 15 بؤونة.
قام القديس أثناسيوس الرسولي (363-373 م) ببناء كنيسة في ذلك الموضع ووضع فيها رفات القديس. كتب البابا ثاوفيلس (395-477 م) إلى أركاديوس بن ثيؤدوسيوس الكبير يشكوا له من ضيق المكان بسبب كثرة الزائرين فسمع له الملك، وبُنيت كنيسة عظيمة جميلة ملتصقة بكنيسة البابا أثناسيوس السابقة.
في أيام المُعزّ (1320-1330 م) تزايدت غارات البربر على مدينة الإسكندرية وأعمالها فنُقل الجسد إلى كنيسة مارمينا بفم الخليج بظاهر مصر. وفي عهد البابا كيرلس السادس نُقل جزء من رفاته إلى موضعه الأصلي، دير مارمينا بمريوط.
العمل الروحي:
استشهد القديس مينا وهو في الرابعة وعشرين من عمره، لكن سيرته العطرة وصلواته كانت ولا تزال لها فاعليتها على الكثيرين. ففي بداية القرن الخامس التهبت قلوب كثير من الشبان وباعوا كل شيء وانطلقوا إلى ذلك الموضع المقدس ليمارسوا الحياة الرهبانية.
يشهد التاريخ أن سبعة رهبان من دير مارمينا كرزوا بالإنجيل في أيرلندا وبنوا أول كنيسة هناك باسم مار مينا. لا تزال الكنيسة الأيرلندية تحتفظ في صلواتها إلى يومنا هذا بصلاة خاصة للآباء الأقباط الذين حملوا إليهم شعلة الإيمان.
بعدما تخرّبت المدينة العظيمة في عصر الدولة العباسية في أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر بدأ الدير يزدهر من جديد، وذلك في عصر البابا شنودة الأول.
وفي عصر البابا كيرلس السادس تم بناء دير مارمينا الحالي وظهرت حركة الرهبنة فيه من جديد.
آثار مارمينا:
يوجد متحف كامل لمارمينا في مدينة فرانكفورت بألمانيا الغربية حيث حمل العلامة الألماني الأسقف كارل ماريا كوفمان الذي اكتشف آثار منطقة مريوط سنة 1906/1907 م. ونقل 100 صندوقًا من الحجم الكبير مملوءة تحفًا بديعة وتيجان الأعمدة الرخامية وغيرها.
تحركت متاحف العالم للاستيلاء على هذه الآثار، لكن كوفمان استولى على أغلبها. ولا يزال بعض الباحثين الألمان بتكليف من المعهد الألماني للآثار بالتعاون مع المتحف القبطي يقومون بعمل حفريات جديدة ودقيقة.
نقل المرحوم بانوب حبشي الكثير من آثار مارمينا إلى المتحف الروماني اليوناني بالإسكندرية ودعاه المتحف القبطي في عصر مارمينا.
حب مسكوني:
قلب مارمينا المتسع لمحبة الله يعمل حتى بعد استشهاده. فقد جاء المرضى من كل المسكونة لنوال بركة صلواته ويتمتعون بالشفاء، وكانوا يحملون معهم قنِّينات من الفخّار عليها صورة مارمينا واسمه، وقد وُجدت في بلاد عديدة متباعدة مثل كولونيا وهيدلبرج بألمانيا ومرسيليا بفرنسا ودلماتا بيوغسلافيا وميلان بإيطاليا ودنجلة بالسودان وأورشليم وفي إنجلترا.
أيقونة مارمينا:
يحتفظ متحف اللوفر بباريس بأيقونة قبطية من القرن الخامس فيها نرى السيد المسيح يضع يده على كتف القديس مارمينا في مودة فائقة. تكشف هذه الأيقونة عن نظرة الكنيسة للقديسين، وهي التعرف من خلالهم على حنو الله الفائق واشتياقه نحو المؤمن ليُقيم معه عهد حب وصداقة على مستوى أبدي.
عمل لا يتوقف:
روى أحد الأحباء (ح. ي.) للقمص تادرس يعقوب هذا، وهو صديق شخصي لقداسة البابا كيرلس منذ كان راهبًا في مصر القديمة. لاحظ في إحدى العشيات في دير مارمينا ولم يكن بها سوى قداسة البابا وهذا الشخص وشخص أو اثنين، أن قداسة البابا وحده في الهيكل يضحك.
بعد الانتهاء من الصلاة انطلق هذا الأخ إلى قداسة البابا وقال له:
"إنني منذ عرفتك لم أرك ضاحكًا قط في الهيكل فماذا رأيت؟" بعد إلحاح شديد قال له: "أنت تعلم الضيقة التي نعيش فيها (في بداية حكم جمال عبد الناصر)".
كنت أشكو لله أنني عاجز عن حلّ مشاكل أولاده بسبب مرارة الضيق.
ظهر لي مارمينا ونخسني في بطني وهو يقول: هل أنت وحدك؟ كلنا نعمل معك! لا تحزن! فضحكت!"
بعد أكثر من 16 قرنًا من استشهاده ورحيله من هذا العالم يبقى هذا القلب المتسع بالحب عاملًا لحساب ملكوت الله! يسند الكثيرين من بطاركة وأساقفة وكهنة وشعب! حقًا المحبة لا تسقط أبدًا!
القديس مارمينا العجايبى
من أشهر الشهداء في الشرق والغرب، وذلك بسبب المعجزات التي تمت بصلواته عنا. هذا ما يشهد به الأعداد الكبيرة من الأواني الفخارية الصغيرة التي تحمل صورته واسمه، وجدها علماء الآثار في كثير من المدن في العالم, مثل هيدليرج بألمانيا، ميلان، دالماتا بيوغوسلافيا، مارسيل، دنقلة بالسودان, أورشليم.
ولد القديس مينا عام 258م في نقيوس. كانت اوفيمية والدته التقية عاقرا, تطلب من الله طفلا, وذلك في عيد القديسة مريم وأمام أيقونتها، فسمعت صوتا يقول: "آمين". لذلك دُعِيَ "مينا". توفى والده أودكسيوس والى أحد الولايات, وعندما بلغ مينا الخامسة عشر من عمره التحق بالجيش، ونال مرتبة عالية. بعد ثلاث سنوات ترك الجيش ليعيش في البرية. إذ نظر رؤيا أسرع إلى الوالي وشهد ليسوع المسيح، وقد جذب احتماله للعذابات غير المحصية الكثير من الوثنيين حتى الاستشهاد. دفن جسده في مريوط, بجوار الإسكندرية، وقد اكتشفته ابنة الملك زينون, إذ رقدت هناك وشفيت من مرضها, بنى الملك كنيسة هناك، وأنشأ مدينة حيث كان الناس يأتون للاستشفاء من أنحاء العالم. هناك أنشأ المتنيح البابا كيرلس السادس ديرا.
استشهاد القديس مارمينا العجايبى (15 هاتور)
في مثل هذا اليوم استشهد القديس مينا الملقب بالآمين المبارك، كان والده اوذكسيوس من أهالي نقيوس وواليا عليها، فحسده أخوه وسعي به عند الملك، فنقله إلى أفريقيا وولاه عليها ففرح به أهلها لأنه كان رحومًا خائفا من الله.
أما أمه إذ لم يكن لها ولد، وذهبت في أحد الأيام إلى الكنيسة في عيد السيدة البتول والدة الإله الكائنة باتريب، ونظرت الأولاد في الكنيسة بملابسهم النظيفة مع والديهم فأنها تنهدت وبكت أمام صورة السيدة العذراء متوسلة بها إلى ابنها الحبيب إن يرزقها ولدا، فخرج صوت من الصورة قائلا "امين"، ففرحت بما سمعت وتحققت إن الرب قد استجاب صلاتها، ولما عادت إلى منزلها وأخبرت زوجها بذلك، قال له "فلتكن إرادة الله"، وقد رزقهما الله هذا القديس فأسمياه مينا كالصوت الذي سمعته والدته، ولما نشا علماه الكتابة وهذباه بالآداب المسيحية، ولما بلغ من العمر إحدى عشرة سنة توفي والده بشيخوخة صالحة، ثم والدته بعد ثلاث سنوات، فكرس هذا القديس حياته للصوم والصلاة والسلوك المستقيم، حتى انه من حب الجميع له ولأبيه، أقاموه مكان أبيه، ومع هذا فانه لم يتخل عن عبادته، ولما ارتد دقلديانوس واصدر أوامره بعبادة الأوثان، واستشهد كثيرون علي اسم السيد المسيح، ترك هذا القديس ولايته ومضي إلى البرية حيث أقام هناك أياما كثيرة يتعبد لله من كل قلبه، وذات يوم رأي السماء مفتوحة والشهداء يكللون بأكاليل حسنة، وسمع صوتا يقول "من تعب علي اسم المسيح ينال هذه الأكاليل"، فعاد إلى المدينة التي كان واليا عليها واعترف باسم المسيح، فلاطفوه أولا لعلمهم بشرف اصله وجنسه، ووعدوه بعطايا ثمينة، ثم توعدوه، وإذ لم ينثن عن رأيه أمر القائد بتعذيبه، ولما عجز عن تحويله عن إيمانه بالمسيح، أرسله إلى أخيه عساه يتمكن من التأثير عليه، ولكنه فشل أيضًا، وأخيرا أمر بقطع رأسه بحد السيف وطرح الجسد في النار، وتذرية رماده في الرياح، فلبث الجسد فيها ثلاثة أيام وثلاث ليال لم ينله فساد، فتقدمت أخته وبذلت أموالا كثيرة للجند حتى آخذت الجسد، ووضعته في فرد (جوال) خوص وعزمت علي التوجه إلى الإسكندرية كما أوصاها أخوها، فركبت ومعها جسد أخيها إحدى المراكب إلى الإسكندرية، وقد حدث أثناء سيرهم إن طلعت عليهم وحوش بحرية له رقاب طويلة مثل الجمال لافتراس ركاب المركب، ففزعوا وصرخوا، فصلت آخت القديس إلى الله واستشفعت بأخيها، وبينما كان الركاب في فزع واضطراب خرجت نار من الجسد إلى وجوه تلك الوحوش، فغطست لوقتها في الماء، ولما عادت إلى الظهور ثانية لحقتها النار أيضًا، فغطست ولم تعد بعد، ولما وصلت المركب إلى مدينة الإسكندرية، خرج اغلب الشعب مع الآب البطريرك وحملوا الجسد الطاهر بكل إكرام واحترام، وادخلوه المدينة باحتفال مهيب وأودعوه في الكنيسة بعدما كفنوه بأكفان غالية، ولما انقضي زمان الاضطهاد، ظهر ملاك الرب للقديس المكرم البطريرك أثناسيوس الرسولي، وأعلمه بأمر الرب إن يحمل جسد القديس مينا علي جمل ويخرجه من المدينة، ولا يدع أحدا يقوده بل يتبعه من بعيد، حتى يقف في المكان الذي يريده الرب فساروا وراء الجمل حتى وصلوا إلى مكان يسمي بحيرة بياض بجهة مريوط، وحينئذ سمعوا صوتا يقول “ هذا هو المكان الذي أراد الرب إن يكون فيه جسد حبيبه مينا، فأنزلوه ووضعوه في تابوت وجعلوه في بستان جميل وجرت منه عجائب كثيرة،
و حدث بعد ذلك إن ثار أهالي الخمس المدن علي البلاد المجاورة للإسكندرية، فتأهب الأهالي للقاء هؤلاء البربر، واختار الوالي إن يأخذ معه جسد القديس مينا ليكون له منجيا وحصنا منيعا، أخذه خفية وببركة هذا القديس تغلب علي البربر، وعاد ظافرا منصورا، وقد صمم الوالي علي عدم إرجاع جسد القديس إلى مكانه الأصلي وأراد أخذه إلى الإسكندرية، وفيما هم سائرون مروا في طريقهم علي بحيرة بياض مكانه الأصلي، فبرك الجمل الحامل له ولم يبرح مكانه رغم الضرب الكثير، فنقلوه علي جمل ثان فلم يتحرك من مكانه أيضًا، فتحقق إن هذا أمر الرب، ثم صنع تابوتا من الخشب الذي لا يسوس ووضع فيه التابوت الفضة ووضعه في مكانه، وتبارك منه وسافر إلى مدينته، ولما أراد الرب إظهار جسده المقدس كان في البرية راعي غنم قد غطس منه يوما ما خروف اجرب في بركة ماء كانت بجانب المكان الذي به جسد القديس، ثم خرج وتمرغ في تراب ذلك المكان فبرئ في الحال، فلما عاين الراعي هذه الأعجوبة بهت وصار يأخذ من تراب ذلك المكان ويسكب علي الماء ويلطخ به كل خروف اجرب، أو به عاهة فيبرا في الحال، وشاع هذا الأمر في كل الأقاليم حتى سمع به ملك القسطنطينية، وكانت له ابنة وحيدة مصابة بمرض الجذام، فأرسلها أبوها إلى هناك، واستعلمت من الراعي عما تفعل، فأخذت من التراب وبللته بالماء ولطخت جسمها ونامت تلك الليلة في ذلك المكان، فرأت في نومها القديس مينا وهو يقول لهه "قومي باكرا واحفري في هذا المكان فتجدي جسدي"، ولما استيقظت وجدت نفسها قد شفيت، ولما حفرت في المكان وجدت الجسد المقدس فأرسلت إلى والدها وأعلمته بالأمر ففرح كثيرا وشكر الله ومجد اسمه، وأرسل المال والرجال وبني في ذلك الموضع كنيسة، كرست في اليوم الخامس عشر من شهر بؤونة،
و لما ملك أركاديوس وانوريوس أمرا إن تبني هناك مدينة وكانت الجماهير تتقاطر إلى تلك الكنيسة يتشفعون بالقديس الطوباوي مينا، وقد شرفه الله بالآيات والعجائب التي كانت تظهر من جسده الطاهر، ومع دخول العرب مصر اعتدي البعض علي المدينة وتهدمت الكنيسة ولم تبق إلا آثارها،
و عندما ارتقي غبطة البطريرك المتنيح البابا الأنبا كيرلس السادس كرسي الكرازة المرقسية، اهتم بإقامة دير كبير في تلك المنطقة باسم القديس مار مينا، انفق عليه مبالغ طائلة، وبالدير كنيستان يزورهما شعب الكرازة المرقسية للتبرك والصلاة، كما اشتري أيضًا مائة فدان وأقام سورا لاحاطتها، وقد رسم عددا من الآباء الرهبان الذين نالوا قسطا وافرا من الثقافة العلمية والدينية.
شفاعة القديس مار مينا، البابا الأنبا كيرلس السادس، تكون معنا ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.