كيف نعرف مشيئة الله ؟وكيف نميز ارادة الله؟ اولاً: ما هي ارادة الله ؟
الأرادة في عصرنا تعنى قدرة الإنسان على ابتغاء شئ مع استخدام كل الوسائل لتحقيق هذه الرغبة رغم العقبات . فالإرادة هى دافع السلوك بأنماط المختلفة. وعندما يشعر الإنسان بشعور مَعين فإن وراء هذا الشعور ارادة تؤدى إليه, وبالتالى إن محبة النفس أو الأخرين ما هى إلا مظهر من مظاهر الإرادة.
الارادة ليس مجرد "رغبة" تخطر على بال الانسان, بل "رغبة ملحة" يريدها الانسان بكل عواطفه وافكاره واحساساته.
أرادة الله نقصد بها "مقاصد" الله السامية للبشر, التى يريدها أن تتحقق في حياتهم.
عبر الكتاب المقدس عن ارادة الله بتعبيرات عديدة مثل "رأى الله كل ما عمله أنه حسن"(تك12:1) كان ذلك يعنى أن ما عمل يتفق مع ارادته. وحينما يتحدث عن"مسرة الرب" فهو يتحدث عن "أرادته"(عبر6.12-7). فالارادة هى رغبة شخص يتمتع بقوة وسلطان.
ان تعليم المسيح هو أن أرادة الله ليست جامدة, مفروضة على الانسان, بل انها تمثل الآمال الصالحة لحياة الانسان وبنيانه, وله أن يقبلها وله أن يرفضها. قال السيد له المجد: "هكذا ليست مشيئته أمام أبيكم الذى في السموات أن يهلك أحد هولاء الصغار"(متى14:18). "وهذه مشيئة الأب الذى أرسلنى أن كل ما أعطانى لا أتلف منه شيئاً بل اقيمه في اليوم الأخير"(يو.39:6).
ان الانسان الحر, يجد في ارادة الله أهداف حياته وآماله المتفائلة سواء كانت على مرامه أو كان من الصعب عليه أن يتقبلها. وكلما تدرب انسان الله على ادراك ارادة الله, كلما وجد سروراً فيها, حتى وان رافق تحقيقها انسكاب الدموع.
أ- أهتمام الله بالفرد. هل يهتم الله بالفرد؟
ان اهتمام الله ليمتد للدول والشعوب والعالم كله والخليقة بأسرها وبكل أفلاكها, أذ أنها خليقته. الا أن الله- الى جانب ذلك-يهتم بصفة خاصة بالفرد كفرد. لقد أهتم الله بخلاص الفرد. دعي الله ابراهيم, يعقوب, اسحاق. تعامل الله مع أفراد واشخاص كما تعامل مع كل الشعب والجموع. ان حياة الفرد بكل مشتملاتها تقع فى اهتمام الرب وعنايته. لأقد خلق الله الانسان, ليكون يسوع "بكراً بين أخوة كثيرين". وليس من الطبيعى أن يخلق "أخوة" لايكترث بهم وبظروف حياتهم. جاءت اعلانات الحب الالهى للبشر في نبؤات لشعياء وارميا تدوى بصوت مرتفع, تعد العالم أجمع بالتجسد الالهى فى جسد البشر, حياً متجسداً لكل انسان على وجه الأرض. ان الله تعالى "تنازل" انساناً ليكون معنا, وعلى مستوانا. ان الفرد هو مركز اهتمام الله.
هل يريدنا الله ان نعرف ارادته؟
ان كان الله يهتم بالفرد, فهل يريد الله أن يخفى ارادته عن الفرد؟ أم أن الله يريده أن يعرف ارادته؟ ان الله يعلن سره لأبنائه المؤمنين
"اذ عرفنا(الله)بسر مشيئته, حسب مسرته التى قصدها في نفسه"(أف. 9:1)
"تغيروا عن شكلكم...لتختبروا ما هى ارادة الله"(رو. 2:12)
فانه لايكفى ان نعرف أرادة الله معرفة العقل, بل ان نختبرها
"من أجل ذلك, نحن أيضاً, منذ يوم سمعنا لم نزل مصلين طالبين لأجلكم: أن تمتلئوا من معرفة مشيئته في كل حكمة وفهم روحي"(كو. 9:1)
ان معرفة مشيئة الله جزء طبيعى من بناء حياة الايمان المسيحى. فان البنوة لله تعتمد أساساً على معرفة الابن لارادة أبيه خاصة بالنسبة له. ان مشيئة الله ليست لغزاً يترك الانسان حائراً, قد يكتشفه أو لا. ان طبيعة العلاقة بين الآب والابن أن تكون مشيئة الآب واضحة للابن.
ثانياً:كيف نعرف أرادة الله؟
يتجه تفكير الكثيرين الى أن أرادة الله شى يمكن أن يعرف بطرق محسوسة ملموسة ويتجهون بكل طاقاتهم لهذه الطرق.
وينادى البعض أن الانسان الروحى يصل الى شفافية روحية يعرف بها ارادة الله بسهولة ويسر.
والبعض يخلط بينه وبين المفاهيم القدرية المترسبة في مجتمعنا الشرقى.
1-من خلال الكتب القدسة.
الكتب المقدسة هى الاعلان الالهى الرئيسي ولأساسي للجنس البشري, لذلك فان أساس الارشاد الالهى هو فى صُلب كلمة الله.
قال يسوع: "ان شاء أحد ان يعمل مشيئته, يعرف التعليم, هل هو من الله؟ أم أتكلم من نفسى"(يو17:7)
فان أى تعليم ينبغى أن يرتبط اساساً بكلمة الله. ان كلمة الله تعلن الارادة الالهية الشاملة للبشرية كلها.
ا-أرادة الله لخلاص البشرية:
اعلن الكتاب المقدس أرادة الله الصادقة لخلاص البشرية. فان ابليس-عدو كل انسان-يريد أن يحطم حياة البش ويهلكها. لذلك أعلن الله أرادته الصريحة لخلاص البشرية. وكان آخر اعلان مجيد لها تجسد السيد المسيح. في شخص المسيح, يكون الاعلان كاملاً موضحاً للبشرية صورة صادقة لذات الله. وبتجسد المسيح صار اعلان الله لما أسماه "ملكوت الله" أو "ملكوت ابن الله" أو "ملكوت ابن محبته" أو "ملكوت السماء" ويمثل هذا الملكوت أنشطة من شكل جديد, وحياة جديدة, وأخلاق ستوكية للبشر تعلن عن ذات الله وعن عمل ارادته(اف. 5:1, غلا4:1, يع.18:1)
ب-أرادة الله للتقديس:
أن أرادة الله للانسان لاتكتفى بانقاذه من الخطيئة وابليس, بل تمتد الى تقديس الانسان, فان
"ارادة الله قداستنا"(1تس. 3:4). "كونوا قديسين لأنى أنا قدوس"(1بط.14:1-16,لا. 2:19). فان الانسان هيكل لروح الله وروح الله يسكن فيه (1:و.16:3), وبذلك لايصبح الانسان ملكاً لذاته بل لله (1:كور.19:6). ان أرادة الله السامية للانسان هى أن ترفع الانسان من هوة الهلاك, الى حياة روحية مقدسة ممتلئة من روحه, وتعده لحياة مجيدة فى خدمة مباركة مثمرة.
]ثانياً: معرفة ارادة الله من خلال العقل والفكر.
ولعل الله في حكمته أراد أن يترك لكل انسان أفق الفكر ليتصرف في حدود الارادة السماوية. ولم لايستخدم الله طاقلت الانسان الفكرية والعملية والعاطفية التى خلقها فيه؟
ان أرادة الله بالنسبة لسلوك الفرد قد لايتحتم أنها تكون حرفية تنطبق على كل انسان- فان أحس انسان بأن سلوكاً ما لايتفق معه ومع ايمانه فان هذا السلوك قد "يوافق" غيره. فلايتحكم فى ضميره فرد آخر, وطوبى لمن لايدين نفسه فيما يستحسنه. من هنا نرى أن أرادة الله معلنة في الكتب المقدسة أساساً. أما حرفيات او تفاصيل السلوك اليومي فان أرادة الله فردية شخصية, ترتبط اساساً بخطة الله لحياة الفرد. اذ يعمل الله في حياة الفرد وسلوكه اليومى, ليسلك حسب المسرة الالهية (فيل. 2:12).