أعطوني القفا لا الوجه

+ أعطوني القفا لا الوجه
+ الشاهد :
( أر 2: 24 – 29 ) " يا أتان الفرا قد تعودت البرية في شهوة نفسها تستنشق الريح عند ضبعها من يردها كل طالبيها لا يعيون في شهرها يجدونها احفظي رجلك من الحفا و حلقك من الظمأ فقلت باطل لا لاني قد أحببت الغرباء و وراءهم اذهب كخزي السارق إذا وجد هكذا خزي بيت إسرائيل هم و ملوكهم و رؤساؤهم و كهنتهم و أنبياؤهم قائلين للعود أنت أبى و للحجر أنت ولدتني لانهم حولوا نحوي القفا لا الوجه و في وقت بليتهم يقولون قم و خلصنا فأين الهتك التي صنعت لنفسك فليقوموا إن كانوا يخلصونك في وقت بليتك لانه على عدد مدنك صارت الهتك يا يهوذا لماذا تخاصمونني كلكم عصيتموني يقول الرب "
+ و ايضا : ( أر 7: 23 – 24 ) " 23 بل إنما أوصيتهم بهذا الأمر قائلا اسمعوا صوتي فاكون لكم إلها و انتم تكونون لي شعبا و سيروا في كل الطريق الذي أوصيكم به ليحسن إليكم فلم يسمعوا و لم يميلوا أذنهم بل ساروا في مشورات و عناد قلبهم الشرير و أعطوا القفا لا الوجه "
+ و أيضا ( أر 32: 32- 33 ) " من اجل كل شر بني إسرائيل و بني يهوذا الذي عملوه ليغيظوني به هم و ملوكهم رؤساؤهم و كهنتهم و أنبياؤهم و رجال يهوذا و سكان أورشليم و قد حولوا لي القفا لا الوجه و قد علمتهم مبكرا و معلما و لكنهم لم يسمعوا ليقبلوا ادبا "

+ أمر محزن :
+ يشرح ارميا النبى حالة من يعطى الله القفا لا الوجه فى الجزء الذى ذكرناه ( أر 2: 24 –29 ) فمثل هذا الإنسان يصير كأنثى الجمل التى بلا قائد لها تتحرك بخفة و بغير توقف بلا هدف و لا نفع ، تجرى فى كل اتجاه متخبطة ، و كالضبعة التى تحفر القبور لتأكل الجثث ، رائحتها كريهة جبانة بطبعها ! تصير كأنثى الحمار الوحشى التى تعودت الحياة فى برية القفر و لا تستريح وسط الخيرات و البركات ، إنما تقضى كل وقتها تجرى وراء الذكور من هنا و من هناك صارت تشتهى أن تستنشق الريح !
ماذا أخذت من تركها إلهها واهب الخيرات و انجذابها إلى البعليم إلا فقدان إنسانيتها و أولادها و تعقلها و كل بركة لتعيش هكذا هائمة فى البرية !
صارت فى خطر كمن يسلك فى أرض وعرة خافيا و قد جف من الظمأ و مع ذلك لا يريد أن يلبس نعلا و لا أن يشرب ماءا " احفظي رجلك من الحفا و حلقك من الظمأ فقلت باطل لا لاني قد أحببت الغرباء و وراءهم اذهب " ع 25
+ و حالة الأشرار يلخصها الوحى بالعبارة " حولوا نحوى القفا لا الوجه " يرى العلامة أوريجانوس أن الأشرار يختفون عن وجه الرب إذ قيل : حولوا نحوى الفقا لا الوجه " ( أر 2: 27 ) أما الأبرار فيقفون أمامه بثقة ليبهم الحياة المقدسة ( 1يو 3: 21 ) قائلين مع أليشع النبى " حى هو الرب الذى أنا واقف قدامه " ( 2مل 5: 16 )
+ من اكثر الأمور التى تحزن الله قساوة قلب الإنسان و عدم استجابته لنداءات الروح القدس المتكررة يوم بعد يوم ، لدرجة أن الرب دعا هذا الرفض الدائم و المتعمد الناتج عن قلب قاسى " خطية تجديف على الروح القدس " و انه لا مغفرة لها – و هذا أمر طبيعى لأن الذى يرفض صوت الروح القدس لا يتوب و من لا يتوب لا مغفرة له
+ صاحب القلب القاسى الرافض صوت الله هو إنسان يعطى الله قفاه لا وجهه
رغم أن الإنسان هو المحتاج إلى الله و مع ذلك فالإنسان غالباً ما يعط الله القفا و رغم أن المثل يقول " أخذنا إيه من وشك لما تدينا قفاك " فأنت يا إنسان المحتاج إلى الله و ليس الله المحتاج إليك " لم تكن أنت المحتاج إلى عبوديتى بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك "
+ من العجيب أن ترى إنسان أمامه بئر ينبوع ينبع ماء عذب و فائض و يتركه ليحفر لنفسه آبارا فى منطقة صخرية صعبة و إن حفر لا تخرج له ماء هذا ما قاله الرب على فم ارميا النبى :" تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارا آبارا مشققة لا تضبط ماء (أر 2 : 13)
مثل الذى يترك الاجتماع و يجلس أمام التليفزيون أو فى الجلسات الهدامة و مثل الذى يترك القداس و ينام .. الخ نترك مصدر البركات و نتجه نحو اللعنات .

+ معنى أن تعطى الله قفاك و سبب ذلك:
1- لما إنسان يعطى قفاه لشخص آخر فانه لا يحبه و لا يريد أن يراه ،
2- و معناها أيضا أنه مستهتر به أو غير معتنى به ( متكبر عليه ) – اعمل اللى أنا عايزه و لا يهمنى
3- قد تكون حالة طارئة و عارضة
مثل آدم بعدما سقط نجده يعطى الله القفا و يحاول الهروب و الاختباء من وجه الله لعله بسبب خجله و كسوفه أو خوفه بسبب السقوط ف المخالفة و العصيان
أما قايين فقد كان طبعه المستمر هو أن يعطى الله القفا – حاله الدائم هو الرفض لصوت الله و حذره الرب :" إن أحسنت أفلا رفع و إن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة و إليك اشتياقها و أنت تسود عليها " ( تك 4: 7 ) و رغم هذا سقط قايين و قتل أخاه
4- كثيرون من الذين يعطون الله القفا لا الوجه لا يكتفون بعنادهم و قلبهم القاسى و رفضهم بل بالأكثر تجدهم يستهزئون باله و خدامه مثل أهل سدوم الذين لما كلمهم لوط و حذرهم من غضب الله " كان كمازح فى أعين أصهاره " ( تك 19: 14 ) ... كلمة الله بالنسبة الى قلوب القساة مثل بذار وقع على صخر .
القلب القاسى ليس فقط لا يتأثر بكلام الروح بل قد يسخر و يتهكم و يرفض السماع !
و يرفض المجال الذى تقال فيه كلمة الله و ذلك إذا تقسى قلب إنسان من جهة الله يبعد عن الكنيسة و الاجتماعات و يبعد عن الكتاب المقدس و عن الصلاة و عن كل الممارسات الروحية و لا تعود هذه الأمور تؤثر فيه كما كانت قبلا ..
5- و من أسباب تقسى القلب و إعطاء الله القفا لا الوجه هو الصحبة الشريرة ؛ عيسو أيضا اختلط بالشعوب و تزوج منهم زوجتان كانت مرارة نفس لاسحق و رفقة و أعطى الله القفا لدرجة انه استهان بالبركة و البكورية و طلب التوبة بدموع و لم يجد بعكس يعقوب الذى اتجه بوجهه نحو الله و سعى نحو البركة فأتته حتى فى زواجه تزوج من بنى أمه من وسط العائلة التى خرج منها قديما إبراهيم أو الشعب المختار .
6- لما الإنسان ينسى بركات الله يعطيه القفا : شعب إسرائيل كثيرا ما كانوا يتركون الله الحى الذى أراهم العجائب و أعطوه القفا أكثر من مرة و اشهرها لما عبدوا العجل الذهبى – و تذمروا كثيرا و فضلوا على الله التوم و الكرات و البطيخ و البصل فضلوها على نعم الله و بركاته و معجزاته .
+ و أحفادهم من شعب اليهود ما أقسى قلوبهم التى تحجرت و بدل ما يتلفتون إلى المسيح و آياته و يخلصون نجدهم يبتعدون عنه متمسكين بذواتهم و رفضوه و رذلوه
7- و لما الإنسان يتغاضى عن صوت الله و يحاول أنة يسد أذنيه فانه يعطى الله القفا : يهوذا الاسخريوطى كان يسير مع المسيح و التلاميذ بجسده فقط و لكن قلبه يسير فى اتجاه مخالف ، و لم يستجب لتحذيرات الرب يسوع له بل سلك فى عناد قلبه و باع سيده بأبخس الأثمان .
8- الإنسان لما يترك نفسه للحكم على الآخرين فانه يعطى الله القفا فهو بمثابة جالس على كرسى بجوار الله ليدين الناس: سمعان الفريسى الذى دعا يسوع إلى الوليمة نجده ريائيا فى الظاهر يدعى الصداقة و المودة لشخص السيد المسيح و لكنه فى حقيقة الأمر يعطيه القفا غير متعلم منه الوداعة و المحبة ةو قبول الخطاة لذلك لما أتت المراة الخاطئة و فى قلبها توبة قوية قلبت إلى الرب بكل وجهها و قلبها معا قبلها الرب و رفض سمعان الريائى الفريسى ... و هكذا لا يهم فى كثير من الحيان الحضور بالجسد أما الذهن و القلب مبتعدان بعيدا لذلك يقول الرب على لسان الحكيم " يا ابني اعطني قلبك و لتلاحظ عيناك طرقي "( أم 23 : 26)
+ الفريسى و العشار : صلى الفريسى و وقف أمام الله و كان همه الظهور و التعالى و الغرور ن كان أمام الله بجسده و شفتيه فقط فهو فى حقيقة الأمر يعطى الله القفا لا الوجه
أما العشار فهو يعطى الله وجهه لا قفاه رغم انه لم يشأ أن يرفع بصره نحو السماء بل وقف من بعيد بوجه مطاطى قرع صدره و قال " اللهم ارحمنى أنا الخاطى " فنزل مبررا دون ذاك ( لو 18 : 13)
+ احذر يا صديقى أن تعطى الله القفا لا الوجه لأن :

+ المعاملة بالمثل :
* و كما تعطى الله القفا هو أيضا يعطيك القفا لما يجدك دائما متقسى القلب و ذلك ما قاله بفم ارميا النبى : " كريح شرقية أبددهم أمام العدو أريهم القفا لا الوجه في يوم مصيبتهم " ( أر 18 : 17)
* لأن الرب يقول : بسطت يدى طول النهار إلى شعب معاند و مقاوم " ( رو 10: 21 ) و ماذا نريد من الله بعد هذا الانتظار الطويل و طول الأناة العجيبة .
* فما اصعب أن تتخلى النعمة عن مثل هذا الشخص كما قال الرب :" فسلمتهم إلى قساوة قلوبهم ليسلكوا فى مؤامرات أنفسهم "( مز 81: 12 )

+ أقبل إليه لتكن لك جلسات و لقاءات متكررة معه فى الصلاة و الاعتراف و الافخارستيا .
+ يفرح الله بالمقبلين إليه :
و كما أن الرب يحزن للمبتعدين عنه يسر و يفرح بالراجعين إليه و الملتمسين وجهه دائما
أولا : فى الصلاة
* من أهم العلامات الروحية التى تدل على أن الإنسان يلتمس وجه الله و لا يعطه القفا هى الصلاة
" نحن لا نعلم ماذا نعمل و لكن نحوك أعيننا " ( 2 أخبار 20 : 12)
" عيناي دائما إلى الرب لانه هو يخرج رجلي من الشبكة (مز 25 : 15)
* فالصلاة تحنن قلب الله و تجعله يغير رأيه و لا يغضب علينا مثلما استجاب لصلاة موسى النبى عندما سخط الرب عليهم و توسط موسى فقبله الرب صلاته و رحم شعبه .
* و الصلاة تحنن قلب الله و خاصة المنسحقة بالدموع " حولي عني عينيك فانهما قد غلبتاني " (نش 6 : 5 ) – الإنسان الحساس المتجه نحو الله دموعه قريبة أما القاسى فيندر أن تبتل عيناه مهما كانت الأسباب لأن الدموع دليل على رقة الشعور و القاسى لا رقة فى مشاعره سواه فى تعامله مع الله أو مع الناس .
* و الإنسان الروحى لسان حاله يقول مع داود النبى :" في ضيقي دعوت الرب و إلى الهي صرخت فسمع من هيكله صوتي و صراخي قدامه دخل أذنيه (مز 18 : 6 )
" فلتات قدامك صلاتي أمل أذنك إلى صراخي " ( مز 88 : 2 )
" لتستقم صلاتي كالبخور قدامك ليكن رفع يدي كذبيحة مسائية " (مز 141 : 2)
* و الإنسان المصلى باشتياق يقول مع المرتل :" عطشت نفسي إلى الله إلى الإله الحي متى أجيء و أتراءى قدام الله (مز 42 : 2 )

+ ثانيا : الاعتراف الذى يصحبه توبة
* الإنسان الروحى متى يخطئ يحزن جدا و يطلب من الله قائلا :" لا تطرحني من قدام وجهك و روحك القدوس لا تنزعه مني " ( مز 51 : 11)
* ما أجمله لقاء تكون فيه أمام الله هو لقاء المغفرة لثناء قراءة الأب الكاهن لصلاة التحليل على رأسك المنحنية تحت صليب رب المجد الذى يحمل عنك خطاياك و يطرحها فى بحر النسيان .

+ ثالثا : التناول :
* قمة الشركة مع الله و قمة الاتحاد به تكون من خلال التناول من سر الافخارستيا ففى هذا السر لا تكون فقط أمام الله و هو أمامك بل أنت فيه و هو فيك " من يأكل جسدي و يشرب دمي يثبت في و أنا فيه " ( يو 6: 56 )

+ بركات أن تعطى الله الوجه لا القفا :
1- تتنعم برؤية الله فى الأبدية
" أنك نجيت نفسي من الموت نعم و رجلي من الزلق لكي أسير قدام الله في نور الأحياء " ( مز 56 : 13 ) " يجلس قدام الله إلى الدهر اجعل رحمة و حقا يحفظانه " ( مز 61 : 7 )
" يذهبون من قوة إلى قوة يرون قدام الله في صهيون " ( مز 84 : 7 )
2- الله يكون قدامك :
و لما تكون متجها بوجهك نحو الله يكون هو قائدك و متقدمك فى حروبك الروحية و معينا لك فى ضيقاتك " أنا أسير قدامك و الهضاب امهد اكسر مصراعي النحاس و مغاليق الحديد اقصف " ( أش 45 : 2)
3- تتشبه بالشاروبيم :
الإنسان الروحى متشبها بالشاروبيم ، ليس له قفا و لا ظهر بل كله عيونا
فنقول فى القداس عن الشاروبيم انهم " الممتلئون أعينا " و هذا ما ورد عنهم فى سفر حزقيال :" و أيدي إنسان تحت أجنحتها على جوانبها الأربعة و وجوهها و أجنحتها لجوانبها الأربعة و أجنحتها متصلة الواحد بأخيه لم تدر عند سيرها كل واحد يسير إلى جهة وجهه " ( حز 1: 8 – 9 ) ، إذ يليق بالحامل للعرش الإلهى و قد دخل إلى كمال المجد ألا يكون له ظهر بل يكون كله جودها و كله عيونا دائم التطلع إلى الله بلا عائق – فهنا بدلا من أن يوبخهم على تقديم القفا لا الوجه يثير فيهم الاقتداء بهذه الخليقة السماوية فى يكون لهم قفا مطلقا بل تكون حياتهم فى الرب كلها وجوها و لقاءات معه !
+ الرب قادر أن يمنحنا أن نسير أمامه كل حين ملتمسين وجهه دائما لا نعطيه الفقا على الإطلاق لكى ما نتمتع به فى الأبدية . أمين