امرأة تاباص كتابيا

(قض 9: 50- 57، 2 صم 11: 21)
من هي امرأة تاباص؟
لا نعرف عنها سوى ما جاء في (قض 9، 2 صم 11: 21) حيث أشار يوآب إلى ما فعلته إذ قال في وصيته لرسوله إلى الملك داود بعد مقتل أوريا الحثي: "من قتل أبيمالك بن يربوشث (اسم آخر لجدعون معناه ليخاصم العار)؟ ألم ترمه امرأة بقطعة رحى على السور فمات في تاباص؟ (2 صم 11: 21).
• ما هي تاباص؟
اسم عبري معناه "ضياء أو لمعان" وهي مدينة في جبل أفرايم قريبة من شكيم وكانت ذات موقع عسكري هام، وهي نفسها قرية "توباس" الحالية. وقد رفضت الخضوع لأبيمالك بن جدعون، وكان في وسطها برج قوي. وعندما هاجم أبيمالك المدينة هرب إلأيه جميع الرجال والنساء وأهل المدينة، وأغلقوا وراءهم باب البرج وصعدوا إلى سطحه، فجاء أبيمالك وحاربه واقترب إلى بابه ليحرقه بالنار، إلا أن امرأة طرحت قطعة رحى على راسه فشجت جمجمته (قض 9: 50 – 57).
وبالرغم من الأعداد القليلة التي كُتبت عن هذه المرأة ولم يُذكر اسمها، لكن لنا في شخصيتها تأملات مضيئة إذ أن ما فعلته يؤكد لنا الحقائق الآتية:
أولاً: ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً:
الدارس لشخصية وسيرة أبيمالك بن دعون يعرف أن عشيرة أمه كان لها نفوذ كبير. وقد استطاع أبيمالك بتأييد هذه العشيرة أن يملك على الشعب بعد أن قتل إخوته السبعين أبناء أبيه من غير أمه. ولم يُنقذ إلا الابن الأصغر يوثام لأنه اختبأ. ويقول الكتاب: "أنه قتلهم على حجر واحد وقتل اخوته سبعين رجلاً على حجر واحد" (قض 9: 5). ولكن بعد ثلاث سنوات من ملكه، قامت فتنه ضده في شكيم وتمكن من إخمادها وأخضع شكيم له، وحرق برجها بمن فيه. ثم ذهب إلى تاباص وأخذها وأراد أن يحرق برجها أيضاً، وعندما اقترب من بابه، طرحت عليه هذه المرأة الشجاعة قطعة رحى فشجعت جمجمته. هنا نرى كيف أن أبيمالك الشرير كما قتل إخوته السبعين على حجر واحد، كذلك حجر واحد قتله، فالله لا يُشمخ عليه.
ثانياً: لا بالقوة ولا بالقدرة:
بعد أن نجح أبيمالك بقسوة في التخلص من إخوته السبعين واستطاع بقوته وقواته أن يخمد ويخضع شكيم لنفسه، نراه هنا يموت بيد امرأة لا سلاح لها ولا خبرة حربية لديها. يموت لا بسيف وبرمح بل بحجر. وهذا يذكرنا بداود الغلام صاحب الحجارة أمام جليات الجبار رجل الحرب صاحب السيف والرمح والقوس.
إن داود لم يُصب جليات في جبهته لأنه كان ماهراً في تصويبه، فبلا شك أنه مهما بلغت مهارته وبراعته ما كان ليصيب جليات بحجر رماه بمقلاع في هذه المنطقة المكشوفة من جسمه، لكن الله هو الذي أعطاه الشجاعة ليقف أمامه وحول الحجر إلى هذه المنطقة. إنها معجزة بكل المقاييس. هذا ما حدث تماماً مع المرأة عندما ألقت بالحجر على رأس أبيمالك.
ثالثاً: ضرورة استخدام المتاح بين أيدينا:
لم تجد امرأة تاباص أمامها سوى حجر رحى، وبالرغم من أن كثيرين من رجال ونساء رأوا هذا الحجر إلا أن أحداً لم يفكر في استخدامه هكذا.. إن الرب قد يضع بين أيدينا أشياء ووزنات تبدو وكأنها بلا نفع، ولكن بقليل من التفكير وبمزيد من الانفتاح على روح الله نستطيع أننفعل بها المعجزات، وأن نُبدع بما يُتاح لنا. ربما بدا ما قامت به امرأة تاباص أمراً غريباً في نظر المحيطين بها، ولكن هذا الفعل البسيط قد صنع خلاصاً عظيماً. إن الرب يدعوك أن تستخدم ما بين يديك مهما بدا ضئيلاً ولا تنتظر حتى تأخذ الكثير والمتميز لكي ينفعل.
رابعاً: الإناء النسائي "كالأضعف":
في الوقت الذي كان فيه الرجال يهربون إلى البرج في حالة خوف وشلل في التفكير، ولم يفكر أحدهم ماذا يمكن أن يفعل لحماية المدينة، نرى تلك المرأة الإناء النسائي "كالأضعف" (1 بط 3: 7).
لقد تصرفت بشجاعة ومهارة، ذكرتنا بشجاعة دبورة التي لم يخرج باراق الرجل للحرب ضد سيسرا إلا بعد أن أخذها معه ( فقاللها باراق: إذا ذهبت معي أذهب، وإن لم تذهبي معي فلا أذهب. فقالت إلى أذهب معك.. لأن الرب يبيع سيسرا بيد امرأة" (قض 4: 8 و 9). وفي الوقت الذي هرب فيه التلاميذ الرجال من حولالرب يسوع عند الصليب يقول الكتاب "وكانت أيضاً نساء صعدن معه إلى أورشليم.." (مر 15: 40 و 41). امرأة تاباص نموذج للخلاص الذي يأتي بواسطة الإناء "كالأضعف".

شكرا يا بابا جورج