إن الملائكة - وهم يتكللون بالبر - لا يخافون . أما البشر وهم يسقطون في الخطايا كل يوم ، فإن الخوف يلاحقهم ، لأنه لاصق بالخطية . هو يسبقها ، وهو أيضاً يلحقها . وهو مرتبط بها علي الدوام .
أول نوع من الخوف ، هو خوف السقوط :
هو خوف يسبق الخطية ، وهو نافع إن دفع صاحبه إلي الحرص . الإنسان الذي يحب أن يحيا حياة طاهرة يخاف من السقوط . لأنه قيل عن الخطية إنها طرحت كثيرين جرحي ، وكل قتلاها أقوياء "( أم 7 : 26 ) . نعم ، هذه الخطية التي أسقطت جبابرة أمثال داود وسليمان وشمشون ، والتي اسقطت رسلاً مثلاً بطرس ومثل توما … لذلك يقول القديس بولس محذراً … "
لا تستكبر ، بل خف " ( رو 11: 20 )
حتي الإنسان الروحي ، ينبغي أيضاً أن يخاف السقوط ، ليس عن رغب ، إنما عن حرص . ذلك بسبب عنف الحروب الروحية وقوة الشيطان المخادع الذي قال عنه القديس بطرس الرسول " اصحوا واسهروا ، لأن ابليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو " ( 1 بط 5: 8 ) . وقال القديس بولس الرسول عن المحاربات الروحية " فإن محاربتنا ليست مع لحم ودم ، بل مع الرؤساء مع السلاطين .. مع اجناد الشر الروحية " فإن محاربتنا ليست مع لحم ودم ، بل مع ( أف 6 : 12 ) . ولذلك فإنه يقول أيضاً " من يظن أنه قائم فلينظر لئلا يسقط "( 1 كو 10 : 12 ) بل أنه قال عن نفسه ، ليحذرنا :
" اقمع جسدى واستعبده ، حتى بعد ما كرزت للآخرين ، لا أصير أنا نفسي مرفوضاً "( 1 كو 9 : 27)
نعم ، ما أخطر هذه العبارة ، يقولها رسول عظيم قد صعد إلي السماء الثالثة ، وتعب أكثر من جميع الرسل . لذلك علي الإنسان الروحي أن يبذل كل جهده ، ويبعد عن كل أسباب الخطية ومصادرها خوفاً من أن يسقط !! يفعل هذا ، حتى إن كان قد سار شوطاً في الحياة بالروح ، لعله يحدث له كما حدث لأهل غلاطية الذين وبخهم الرسول قائلاً :
" ابعد ما ابتدأتم بالروح ، تكلمون الآن بالجسد ؟! ( غل 3 : 3 ) .
ليس المهم إذن كيف بدأنا ؟ أو كيف نحن الآن ؟ وإنما ماذا سنكون ، وكيف ستكون نهاي سيرتنا … هذا هو أول خوف يرتبط بالخطية وهو خوف السقوط ويستغله الروحيون لفائدتهم ، مستمعين إلي قول المرتل في المزمور " طوبي للإنسان الذي لم يسلك في مشورة الأشرار ، وفي طرق الخطاة لم يقف ، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس .." ( مز 1 ) .
فإن أخطأ الإنسان يقع في خوف آخر ، هو خوف الانكشاف .
يخاف أن يعرف الناس خطيئته ، وأن ينكشف ، فيقع في الفضيحة و العار ، ويتعرض لألسنة الناس التي لا ترحم ، وتصبح سمعته مضغة في أفواههم ..! لذلك يقول علماء النفس أن المجرم كثيراً ما يحوم حول مكان جريمته ، خائفاً من أن يكون قد ترك هناك أثراً يدل عليه .. وهذا العامل النفساني يستغله المحققون . فإن أشاروا إلي شئ ممن آثار الجريمة ، قد يضطرب المجرم أو ينهار . ومن أجل خوف الإنكشاف نلاحظ ملاحظة هامة وهي :
إن الخطية كثيراً ما تعمل في الظلام وفي الخفاء .
وهكذا قيل عن الخطاة أنهم " أحبوا الظلمة أكثر من النور ، لأن أعمالهم كانت شريرة "( يو 3 : 19 ) " لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور ، لئلا توبخ أعماله . وأما من يعمل الحق ، فيقبل إلي النور ، لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة "( يو 3 : 20، 21 ) . ولهذا فإن الأبرار يلقبون بأبناء النور ، والأشرار بأبناء الظلمة لأنهم يدبرون خطاياهم في الخفاء .
لذلك يخافون من اليوم الأخير الذي تنكشف فيه الأعمال ، وتفتح الأسفار ، وتفصح الأفكار والنيات .
أين يهربون في ذلك اليوم ؟ وأين يختفون ؟! إن كانت خطاياهم لا تنكشف علي الأرض ، بأسباب وطرق شتي ، فلابد أنها ستنكشف أمام الديان العادل وأما م الكل في يوم الحساب .. يخافون من ان الذي يقال في المخادع ، ينادي به فوق السطوح . ويخافون من تلك العبارة الرهيبة التي قالها الرب :
ليس مكتوم لن يستعلن ، ولا خفي لن يعرف ( مت 10 : 26 ) .
أين يخفون وجوههم إذن ؟ حين لا تكون هناك أسرار ولا خفايا بل الكل معلن معروف .ز بل هناك امر أخر يخاف منه الإنسان الروحي ، وهو أن خطاياه قد تكون مكشوفة أمام أرواح الذين انتقلوا من هذا العالم ، سواء أحبائه الذين كانوا يثقون به فيندهشون ! أو أمام الذين كانوا ينتقدونه فيرون أنهم كانوا علي حق ..!
لعل إنسان يسأل : وماذا تراني أفعل إذن ؟
أقول لك إن التوبة تمحو خطاياك ، وكأنك لم تفعلها ، تغسلك فتبيض أكثر من الثلج .. ولا تعود لك خطايا تخاف من أن تنكشف .. فإن كنت تخاف الانكشاف ، تب . وحينئذ يفرح بك ملائكة الله وأرواح القديسين . لأنه يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب ( لو 15 : 7 ) .
نوع آخر من الخوف يرتبط بالخطية ، وهو خوف العقوبة ، أو الخوف من نتائج الخطية .
أبونا آدم لما أخطأ ، خاف وأختبأ خلف الشجر . تحولت علاقته مع الله من حب إلي خوف . وقايين القاتل ، وقع ليس في الخوف فقط بل في الرعب . وهكذا قال الله " ذنبي أعظم من أن يحتمل إنك قد تطردتني اليوم عن وجه الأرض ، ومن وجهك اختفي وأكون تائهاً وهارباً في الأرض "( تك 4: 13 ، 14 ) . وداود النبي أيضاً لما أخطأ خاف . وقال " يارب لا تبكتني بغضبك ، ولا تؤدبني بسخطك . إرحمني يارب فإني ضعيف . اشفني فإن عظامي قد اضطربت " ( مز 6 ) .
والخاطئ يخاف من عقوبتين : أرضية وسماوية :
أما العقوبة السماوية ، فهي رهيبة وأبدية . وأرجو أن أتحدث عنها بالتفاصيل فيما بعد .
وأما العقوبة الأرضية فهي كذلك علي أنواع : أما عقوبة من المجتمع : فضحية واحتقار ، أو نبذ هذا الإنسان من المجتمع ، أ, عدم الثقة به في المستقبل .. أو عقوبة من القانون مثل السجون ، أو أما هو أشد .. أو عقوبة يوقعها الله عليه من مرض أو عاهة أو اللعنات التي وردت في ( تث 28 ) ، أو عقوبة تصيبه في أولاده واحفاده .
هناك خوف روحي أيضاً يتابع الخاطئ ، أو يخافه الإنسان المحترس من السقوط .
إنه يخاف من غضب الله عليه ، أو رفض الله له ، مثلما رفض شاول الملك من قبل ( 1 صم 16 ) . يخاف ان يحزن الروح أو يطفئ الروح ، بل يخاف أن يفارقه روح الله ( 1 صم 16 : 14 ) أو أن تتخلي عنه النعمة ، ويسلمه الله إلي ذهن مرفوض ، أو يسلمه إلي شهوات قلبه ( رو 1 : 28 ، 24 ) , يخاف أن يفقد صورته الإلهية التي خلقه الله بها في البدء . ويخاف لئلا يأخذ أحد إكليله وتتزحزح منارته من مكانها ( رؤ 2 : 5 ) يخاف أن يأخذ العدو سلطاناً عليه ، ويأتي وقت عليه يقد فيه إرادته ، ويفقد حرية أولاد الله . والشر الذي ليس يريده ، إياه يفعل ( رو 7 : 19 ). وهكذا يخاف أيضاً أن يتطور إلي أسفل وإلي أسوا . يخاف من قول الرب له : أن عارف أعمالك ، أن لك أسماً أنك حي وأنت ميت ( رؤ 3 : 1 ) . يخاف أن يأتيه الموت فجأة ، وهو في حالة غفلة ، وغير مستع لملاقاة الله …
أحد القديسين قال إني أخاف من ثلاثة أمور :
أخاف من لحظة مفارقة روحي لجسدي . وأخاف من ساعة الوقوف أما الديان العادل ، كذلك أخاف من لحظة صدور الحكم علي … فإن كان القديسون ، يخافون مع إرتفاعهم العجيب في حياة الفضيلة ، فماذا نقول نحن عن أنفسنا ؟!
الذي يخاف الله لا يخطئ . والذي يخطئ هو إنسان لا يخاف الله .
الذي يخاف الله لا يظلم ، لأنه يخاف الله الذي يحكم المظلومين . والذي يخاف الله لا يتدنس ، لأنه يعرف أن الله قدوس . والذي يخاف الله لا يعمل الشر حتي في الخفاء ، لأنه يعرف أن الله يري كل شئ ، ويسمع كل شئ ، ويفحص حتي أعماق القلوب
ولعل البعض يسأل : ما رأيك إذن فيمن يفعل الشر ولا يخاف ؟
نقول إنه وصل إلي حالة الاستهتار أو اللامبالاة . أو أن ضميره . مريض أو متعطل عن العمل . أو أن دوامة العالم تجرفه ولا تعطيه فرصة لمراجعة نفسه ولا للتفكير في أعماله . فهو في مثل هؤلاء الناس ، نراهم في ساعة الموت ، ، أو إذا اقتربوا من الموت لابد أن الخوف يرعبهم .لأنهم لم يعملوا لأجل تلك الساعة ولم يستعدوا لها … ويشعرون أنهم أضاعوا حياتهم .
تقول : أريد أن أحيا حياة الحب وليس الخوف . أقول لك : إذن لا تخطئ فالخطية مرتبطة بالخوف .
يقيناً أن الشخص الذي يخطئ ، كان في وقت خطيئته لا يخاف الله . أو يقول المزمور عن أمثال هذا الإنسان " لم يسبقوا أن يجعلوا الله أمامهم " . لو كنتم بلا خطية ، لا تخافوا . ولو أخطأتم وعدتم فاصطلحتم مع الله ، وندمتم ووبختم أنفسكم وعاقبتموها ، وعشتم في حياة التوبة ، حينئذ سوف لا تخافون …
أما ونحن خطاة ، فقد وهبنا الله المخافة لكي نصلح مسارنا
استمع إلي قول الرسول " فلنخف أنه مع بقاء وعد بالدخول إلي راحته ، يري أحد منكم قد خاب منه "( عب 4 : 1 ) وإن كنت تريد ألا تخاف في ذلك اليوم ، فلتخف إنه مع بقاء وعد الدخول إلي راحته ، يري أحد منكم أنه قد خاب منه "( عب 4 : 1 ) . وإن كنت تريد ألا تخاف في ذلك اليوم ، فلتخف الآن . والخوف يمنعك من الخطية ، ويمنع عنك الخوف في اليوم الأخير .