شباب ماسبيرو ... هدية السماء لأقباط مصر

في مثل هذا الوقت منذ عشرة سنوات شاركت بالكاتدرائية في اول تظاهرة قبطية في العصر الحديث وربما منذ قرون وكانت في اعقاب نشر جريدة النبأ عن راهب مشلوح من دير المحرق بأسيوط وتطاول الجريدة علي الرهبنة بصفة عامه ورهبان دير المحرق بصفة خاصة. وكان هذه السنوات الاولي لحرية الصحافة المزعومة في عهد الرئيس السابق وكانت تمثل لنا بجاحة وتطاول غير مسبوق. واعتصم الشباب حينئذ عدة ايام حتي بدأت تحقيقات النيابة في الامر. وبعدها كنا نتابع من خارج مصر تظاهرات وفاء قسطنطين ثم تظاهرات الطبيبتين ماريان وتريزا وانتهاءً بتظاهرات كامليا شحاته. والحقيقة ان هذه التظاهرات كانت غير ناضجة سياسياً فلم تكن لاجل التمييز ضد الاقباط ولا لأجل وضع الاقباط المذري في وطنهم، بل كانت اقرب الي حماس لامور قبلية تتعلق بالشرف فقط لا غير. وكان الاقباط حينئذ مثلهم مثل باقي المجتمع يثورون لأمور فردية ويغضون البصر علي الامور الكبري والمصيرية في حياته. ومنذ بداية العام الماضي والتي بدأت بأحداث مذبحة نجع حمادي بدأنا نلاحظ نضج قبطي ووعي بأن الامور لا يجب ان تتم كسابقتها في الكشح وديروط وابو قرقاص ولكنه كان وعي لم يتطور الي الفعل فكانت تظاهرات الخارج هي المشهد المتصدر بالمقارنة بالتحرك في الداخل، ثم جاءت احداث العمرانية ليبدأ التحرك في الداخل علي استحياء من خلال اعتصامات امام الكنيسة بالعمرانية وشاركهم اقباط المقطم حينئذ الي ان جاءت مذبحة كنيسة القديسين ليرفض الاقباط وامام الشاشات تعزية رئيس طاغي في كامل قوته حينئذ، بل وبدأت تظاهرات الاقباط في معظم احياء القاهرة وعدد كبير من محافظات مصر في وقت واحد في مشهد غريب علي المجتمع المصري ليمهد الحالة الذهنية للشباب المصري عامة للقيام بنفس الدور في احداث ثورة 25 يناير والتي شارك بها الشباب القبطي والمسلم في معركة لأجل الحرية. ثم جاءت احداث اطفيح ليخرج للنور شباب استفاد في نضاله من كل التجارب سواء الطائفية الخاصة به او التجارب الوطنية عامة، واطلق علي نفسه «حركة شباب ماسبيرو» نسبة الي مكان التظاهر والذي كان امام مبني الاذاعة والتلفزيون بالقاهرة. واذا قلنا ان شباب التحرير هو افضل جيل انجبته مصر فأن شباب ماسبيرو هو افضل جيل انجبته الامة القبطية تلك «هدية السماء»لأقلية مؤمنة مضطهدة. هذا الشباب هو حالة فريدة في العمل القبطي فهو جزء من شباب التحرير اي انه يعي الدور الوطني العام جيداً وشارك في صنع الحلم من قبل ونجح ويعي دوره كجزء من اقلية تطلب فقط المساواة، هو شباب يعلم مفرداته وادواته يعلم ان الحسم في الشارع وهو والذي سيقودك منتصراً الي مكاتب صناع القرار. شباب يعلم حرفة التظاهر جيداً ويعلم ان عشرات الافراد قادرين علي جذب المئات ليكونوا الوف ثم عشرات الالوف ثم مئات الالوف. كان اختيار مكان التظاهر وهو «ماسبيرو» اختيارا غاية في الذكاء فبعد سنوات من تجاهل المسئولين الاعلاميين علي تسليط الضوء علي النشاط القبطي، اجبر هؤلاء الشباب التلفزيون الرسمي لينقل هذا الاحتجاج القبطي ودوافعه. ورأينا ولأول مرة شباب يجلس في التحاور مع المسئولين ويتكلم بحرية ولباقة ويتلي المشاكل ويملي شروطه لانه لا يريد غير حقه، لأول مرة نجد من يجلسون للتحدث بأسم الاقباط يرفضون ويقولون «لا» وهذا «غير كافي»و«نحتاج اكثر واكثر». وبذكاء يحسدون عليه اداروا معركة اطفيح والافراج عن القس متاؤس واعطوا المجلس العسكري ورئاسة الوزراء فرصة 45 يوماً لتحقيق باقي المطالب وعندما لم يحدث شئ تركوهم اسبوعين اخرين قبل ان يعتصموا في وقفة سلمية حضارية ليصبح ذلك الاعتصامهم هو الخبر الرئيسي في شريط اخبار التلفزيون المصري. تحية من القلب لهؤلاء الشباب الاقباط والذين طال انتظارهم. تحية لابيهم الروحي القمص «متياس نصر» والذي يستحق ان يكون «مارتن لوثر» الاقباط فهذا الرجل سيكون له ن مكانة في التاريخ القبطي. تحية لهؤلاء الشباب المستقل فكرياً فرفض اصوات كنسية طالبته بعد المشاركة في ثورة يناير وشارك وبمشاركته حمي الاقباط من «عار» كان سيلازم الاقباط تاريخياً اذا لم يشارك بهذه الثورة فنحن مدينين لهم. ونداء الي قيادات كنيستنا الجبيبة "نعلم محبتكم وابوتكم لابنائكم ولكن التدخل الكنسي في هذه الحركة الشبابية السلمية سيقضي عليها، فلتكن هذه الحركة بعيدة عن اي مجاملات مع السلطة فالاقباط في اشد احتياج لهم ........والي الجميع اتركوهم وشأنهم فهم وهم فقط من يقررون متي يعتصموا ومتي يفضوا الاعتصام. ارتكوهم فهم قادرون علي العبور بنا الي بر الامان ويكفينا فقط ان نشاهدهم ونتعلم منهم بعد ان جعلوا الحلم حقيقة والفضل لهؤلاء الشباب حيث قرر مجلس الوزراء بإعداد مشروع قانون يجرّم كل أنواع التمييز بين كافة المواطنين المصريين، وتكليف لجنة لدراسة مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة، على أن يتم إنجازهما خلال ثلاثين يوماً، وتكليف جهات التحقيق بموافاة رئاسة مجلس الوزراء بنتائج أحداث الفتنة الطائفية فى كنيسة القديسين بالإسكندرية، وكنيسة صول بأطفيح، والمقطم، وقرية البدرمان بالمنيا، وأحداث أبو قرقاص، وإمبابة. وكان رد هذا الشباب الناضج والواعي هو انه شكر مجلس الوزراء ولكنه قرر استمرار الاعتصام حتي اقرار هذه الامور في شكل قانوني ملزم ...الم نقل لكم يعرفون جيداً ماذا يفعلون