يوحنا 1 - تفسير إنجيل يوحنا الكلمة المتجسد الجزء(13) للقمص تادرس يعقوب ملطي
نعمة جامعة
* "صرت كل شيء لكل البشر، لكي أربح الكل" (١ كو ٩: ٢٢). تمطر النعمة الإلهية على الأبرار والأشرار (مت ٥: ٤٥).
هل هو إله اليهود وحدهم، أم إله الأمم أيضًا؟ نعم هو إله الأمم أيضًا، بالحقيقة هو الله الواحد (رو ٣: ٢٩-٣٠)، هذا ما يعلنه الرسول السامي[324].
القديس اكليمنضس السكندري
* شكرًا لله، فإنه وإن كانت نعمة النبوة قد اقتصرت على إسرائيل، صارت الآن نعمة أعظم من كل ما كان لهم، انسكبت على الأمم بيسوع المسيح[325].
العلامة أوريجينوس
* تأملوا نقطة أخرى، "إنما صالح الله لإسرائيل، لأنقياء القلب" (مز 1:73). فهل الله ليس صالحًا للجميع إذن؟ حقًا هو صالح للكل، لأنه مخلص جميع البشر، خاصة للمؤمنين. لهذا أتى الرب يسوع ليخلص ما قد هلك (لو 10:19).
حقًا جاء ليحمل خطية العالم" (يو 29:1)، ويشفي جراحتنا، لكن ليس الجميع يرغبون في العلاج!
كثيرون يتجنبونه! لئلا يحقن القرح بالعقاقير، ويفقد سطوته. لهذا السبب يشفي الذين يريدون الشفاء ولا يرفضونه.
فمن يرغبون في العلاج يستعيدون صحتهم، أما الذين يقاومون الطبيب ولا يطلبونه لا يتمتعون بصلاحه، لأنهم لا يختبرونه!
من نال الشفاء يستعيد صحته، لهذا فالطبيب صالح بالنسبة للذين أعاد إليهم عافيتهم. من ثمة الله صالح لأولئك الذين غفر خطاياهم، لكن إن كان لإنسان خطية لا علاج لها في روحه، فكيف يُقيّم الطبيب على إنه صالح، بينما هو يتحاشاه؟
لهذا كما قلت قبلًا، شرح الرسول بحق أن الله "الذي يريد أن الجميع يخلصون" (1 تي 4:2)، هو صالح لكل الناس. أما نعمة صلاح الله الخاصة فهي مكفولة بالأكثر لجميع المؤمنين، الذين ينالون عونًا من إرادته الصالحة ونعمته. لكن حين يقول المرتل أيضًا: "إنما صالح الله لإسرائيل، لأنقياء القلب" فإنه ينقل مشاعر الذين لا يعرفون كيف يتمتعون بما يخص الله، عدا إنه صالح نحو كل شيء وهو في الكل[326].
القديس أمبروسيوس
واهب النعمة يطلب النعمة لحسابنا
عندما يقول المخلص إذن، بحسب الأقوال التي يتذرعون بها، "دُفع إلى كل سلطان" (مت 28: 18) و"مجد ابنك" (يو 17: 1)، وحينما يقول بطرس "وسلاطين وقوات مخضعة له" (1 بط 3: 22)، يجب أن نفهم كل تلك النصوص بنفس المعنى، أعني أن المخلص يقول ذلك كله بشريًا، بسبب الجسد الذي لبسه، إذ أنه وهو غير المحتاج قيل عنه رغم ذلك إنه نال ما ناله بشريًا.
هكذا أيضًا، فبقدر ما نال الرب، وبقدر ما تستقر النعمة عليه، تبقي النعمة محفوظة لحسابنا، لأن حينما يأخذ الإنسان بمفرده، فهناك احتمال فقدان ما أخذه، وقد ظهر ذلك في حالة آدم، لأنه بعد أن نال خسر ما ناله.
ولكي تصير تلك النعمة بلا استرداد، وتظل محفوظة للبشر فقد أخذ المخلص العطية لنفسه وقال إنه قد أخذ سلطانًا كإنسانٍ، ذلك السلطان الذي يمتلكه على الدوام كإله.
ومن يمجد الآخرين يقول: "مجدني"، ليظهر أن له جسد في حاجة إلى السلطان والمجد. ومن هنا فحينما يأخذ الجسد (شيئًا ما)، ولأن ذلك الجسد الذي يأخذ خاص بالمخلص الذي صار إنسانًا، لهذا قيل إن المخلص هو الذي نال ما ناله[327].
القديس أثناسيوس الرسولي
* إن كان اللوغوس قد حلّ بيننا لكي يفدي البشر، وصار جسدًا لكي يُقدسهم ويؤلههم (لأنه لأجل هذا حقا قد صار جسدًا). فإنه يبدو جليًا للجميع، إنه حينما صار جسدًا نال مواهب الروح لأجلنا، وليس لأجله هو، لأن مواهب الروح التي يعطيها الآب بواسطة الابن كانت تُعطى لأجل ذلك الجسد، الذي كان يلبسه حينما تحدث.
لكن لنتأمل ما طلبه الرب، وماذا كانت تلك المواهب التي قيل إنه نالها، حتى يعود (أولئك الهراطقة) إلى رشدهم. لقد سأل إذ طلب المجد (يو17: 1)، ومع هذا قال: "كل شيء قد دُفعإليّ من أبي" (لو 10: 22). وبعد القيامة، يقولإنه نال كل سلطان في السماء وعلى الأرض (أنظر مت 28: 18). لكنه حتى قبل ذلك قال فعلًا: "دُفع إليّ كل شيء"، إذ إنه رب الجميع، "لأن كل شيء به كان" (يو 1: 1)، ويوجد "رب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به"(1كو8: 6). وحينما كان يطلب المجد، كان هو رب المجد، كما هو دائمًا كما يقول بولس: "لو عرفوا لما صلبوا رب المجد"(1كو2: 8). وحين طلب المجد بقوله: "مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" فإن ذلك المجد كان له أصلًا[328].
القديس أثناسيوس الرسولي
من وحي يو 1
قلبي متعطش إليك يا واهب النعم
* مالي أراك قادمًا إلى عالمنا.
يستحيل عليّ أن أرتفع إلى سماواتك!
لكن حبك أنزلك إليّ، يا أيها الكلمة الخالق!
حللت على أرضي، لترافقني رحلتي!
* تجسدك أعلن حبك العجيب لي،
ألهب قلبي، فصرت متعطشًا إليك يا واهب النعم!
أنت حياتي، بدونك لا وجود لي.
أنت نوري، بدونك أبقى في ظلمة فسادي.
حسبتني من خاصتك، ونزلت إليّ لألتصق بك!
* أقمتني بنعمتك الفائقة،
كل نعمة من عندك تسحبني لأتمتع بفيضٍ جديدٍ من النعم.
وهبتني وجودي من العدم،
أنعمت عليّ بصورتك ومثالك،
قدمت لي الناموس عونًا، يقودني للشعور بالحاجة إليك.
أخيرًا، قدمت لي ذاتك يا واهب النعم!
فتحت عيني لأشاهد مجد جلالك!
بهاؤك يعلن لي أنك ابن الله الوحيد!
* انفتحت أذناي لأسمع النذير، الصوت الصارخ في البرية!
يا له من صوت يدوي كما في صحراء قاحلة،
لكنه صوت عذب، يسبقك أيها الكلمة الإلهي.
صوته يعلن عن الحق،
أنك أزلي، واحد مع أبيك.
صوته يعلن عجزه عن أن يحل سيور حذائك،
لأنه بقي سرّ تجسدك غامضًا حتى تممت الخلاص بالصليب.
اسمح لي أن أتقدم وأحل سيور حذائك،
حيث يكشف لي روحك القدوس عن أسرار خلاصك!
* عرفك الجنين يوحنا فصرخ متهللًا.
سمعت أليصابات صوته في داخلها، فانفتح لسانها بالتسبيح!
لكنه حسب هذه المعرفة كلا شيء بعدما تمتع بعمادك!
عرفك أنك أنت تعمد بالروح القدس الناري.
أنت وحدك تغسل النفس بماء فريد،
وتلهب القلب بنار روحك القدوس.
* سحب نذيرك عيون الكل إليك، صارخًا:
هوذا حمل الله الذي طالما اشتاق الأنبياء إليه!
هوذا حمل الله موضع سرور الآب!
* سُرّ يوحنا حين انسحب تلاميذه إليك ليمكثوا معك.
وتهللت نفسه، إذ رأى كل تلميذ يشهد لك.
تحركت قلوبهم لتسحب بعضها البعض إليك.
مع نثنائيل ترك الكل ظلال شجرة التين اليابسة،
وجاءوا إليك ليروا ملائكتك تصعد وتنزل عليك!
رأوا السماء مفتوحة، والسمائيون يشتهون أن يخدموك!
نعم وأنا قلبي متعطش إليك،
لن يرتوي إلا بك، يا مصدر النعم!