اعمال الرسل 8 - تفسير سفر أعمال الرسل
شاول يضطهد الكنيسة الجزء(3)للقمص تادرس يعقوب ملطي
قيل إنه يُقصد بإثيوبيا في ذلك الوقت منطقة النوبة، تمتد من الشلال الأول بأسوان حتى الخرطوم، وأن مدنها الكبرى هي ميروي Meroe العاصمة، ونباتا Napata، وأن ملك إثيوبيا يُقدس كإله "ابن الشمس"، له مهابته الدينية، لا يليق به أن يهتم بأمور الدولة المدنية لأنه شخص روحي، والذي يحكم البلاد الملكة الأم، تلقب دومًا كنداكة Candake، Candace.
كان هذا الخصي متدينًا متعلمًا، سافر إلى أورشليم ليسجد في الهيكل؛ كان ضليعًا في قراءة الترجمة السبعينية للعهد القديم. كان في رحلته يقرأ في سفر إشعياء، وقد انشغل قلبه بالبحث عمن يشير إليه هذا النبي.
يقدم لنا القديس ايريناؤس هذا الخصي مثلًا لتأكيد أهمية دراسة الأنبياء، فالكرازة معه لم تأخذ جهدًا من فيلبس بسبب إيمان الخصي بالأنبياء.
* في الحال عندما عمده (فيلبس) فارقه، لأنه لم يعد محتاجًا إلى شيء، إذ كان مهيئًا خلال تعليم الأنبياء. لم يكن يجهل الله الآب، ولا أحكام طريقة الحياة (اللائقة)، إنما كان يجهل مجيء ابن الله. وإذ تعرف عليه ففي وقت قصير من الزمن ذهب في طريقه فرحًا ليكون مبشرًا في إثيوبيا بمجيء المسيح. لذلك لم يجد فيلبس تعبًا عظيمًا أن يدخل إلى حياة هذا الرحل، لأنه كان معدًا في خوف الله بواسطة الأنبياء[403].
القديس ايريناؤس
* بقراءة النبي صار خصي كنداكة ملكة أثيوبيا مستعدًا لنوال معمودية المسيح[404].
القديس جيروم
* رافق الروح فيلبس وهو يسلك هذا الطريق. لم يكن الخصي نفسه متراخيًا، ولم تحل به الغيرة فجأة لكي يعتمد، وإنما بعد صعوده إلى الهيكل ليصلي انشغل بالكتاب المقدس[405].
العلامة ترتليان
تعتبر شخصية هذا الخصي مثلًا رائعًا في التزام الإنسان أن يجاهد في قراءة الكتاب المقدس بمثابرة، طالبًا أن يتفهم الحكمة، ليس فقط من كتب الفلاسفة، وإنما بالأكثر من رجال الله القديسين. كتب القديس جيروم إلى بولينوس أسقف نولا:
* ظهر في سفر الرؤيا سفر مختوم بسبعةختوم، هذا الذي إذا تسلمه شخص متعلم ويُقال له: اقرأ. هذا يجيب: "لا أقدر لأنه مختوم". كم من كثيرين اليوم يتباهون بأنفسهم أنهم متعلمون، مع أن الكتاب المقدس بالنسبة لهم مختوم. إنهم لا يقدرون أن يفتحوه إلا بذاك الذي له مفتاح داود، "الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح". فإن الخصي في أعمال الرسل عندما قرأ إشعياء سأله فيلبس: "ألعلك تفهم ما أنت تقرأ؟" [30]، أجاب: "كيف يمكنني إن لم يرشدني أحد؟" [31]..
إنني لست أقدس من هذا الخصي، ولا أكثر منه مثابرة، هذا الذي جاء من أثيوبيا، أي من أقصى العالم إلى الهيكل، تاركًا قصر الملكة، وبحبٍ عظيمٍ للناموس والمعرفة الإلهية كان يقرأ الكتب المقدسة حتى وهو في المركبة. ومع أن الكتاب كان في يده وفي ذهنه كلمات الرب، لا بل وكانت على لسانه تنطق بها شفتاه، مع هذا لم يعرفه، لم يعرف ذاك الذي يتعبد له في الكتاب. عندئذ جاء فيلبس وأظهر له يسوع الذي كان مخفيًا وراء الحرف.
يا له من معلمٍ رائعٍ عجيبٍ!
في نفس اللحظة آمن الخصي واعتمد؛ صار أحد المؤمنين وصار قديسًا. لم يعد تلميذًا بل صار معلمًا، ووجد في جرن معمودية الكنيسة وهو في البرية أكثر مما وجده في هيكل المجمع المطلي بالذهب[406].
القديس جيروم
كان من عادة القدماء أن يقرأوا بصوتٍ عالٍ، فسمعه القديس فيلبس وهو يقرأ في اشعياء من الترجمة السبعينية للعهد القديم، التي تمت في عهد بطليموس لكي تودع في مكتبة الإسكندرية.
لم يتوقع الخصي أنه يتمتع بفهمٍ لما يقرأه بما حدث معه. لكن لأنه كان محبًا للكلمة، لم يرجع من العيد ليحمل ذاكرة عن الأعداد الضخمة للمشتركين في العيد، ولا انشغل بمدح العاملين في الهيكل أو ذمهم، إنما ألهب العيد قلبه للتمتع بكلمة الرب، مشتاقًا أن يتعرف على أسرارها. هكذا يليق بنا بعد عودتنا من العبادة الجماعية أن يكون إنجيلنا رفيقًا لنا. نقرأ الكتاب أينما وجدنا، حتى وإن كنا في رحلة، حتى يحفظ قلوبنا من الاهتمامات الزمنية، ويشغلها بالحب الإلهي. لنقرأ الكتاب كلما وُجدت فرصة، واثقين في عمل روح الله القدوس الذي ينير عقولنا وقلوبنا للتلامس مع الكلمة بطريقٍ أو آخر.
"فقال الروح لفيلبس:
تقدّم ورافق هذه المركبة". [29]
هنا كشف الروح القدس عن غاية الرؤيا، إنه قد أرسله لا ليعظ في مجمع، ولا ليتحدث في بيت مع جماعة كبيرة أو صغيرة، أو حتى مع أسرة، وإنما أرسله ليكرز لفردٍ واحدٍ في الطريق.
لا يخفي الله أسراره عمن يطلبها بتواضعٍ واخلاصٍ. وقد اتسم هذا الخصى بهاتين السمتين كما يظهر من حديثه مع الرسول فيلبس. لهذا في غير محاباة أرسل له الله فيلبس الرسول في لحظاتٍ معينة وبخطةٍ إلهيةٍ فائقة.
بدأ القديس فيلبس يشرح له سرّ الحمل الذبيح، المخفي منذ الدهور. ما كان لغزًا بالنسبة له قبل تعرفه على المصلوب صار بسيطًا وسهلًا، بل وموضع عذوبة بعد أن اكتشف سرّ الصليب. لا يعوقه الجسد عن الحركة السريعة، وكأنه قد حمل نصيبًا من سمة الجسد المقام.
"فبادر إليه فيلبس،
وسمعه يقرأ النبي إشعياء فقال:
ألعلّك تفهم ما أنت تقرأ". [30]
في غيرةٍ متقدةٍ وشوقٍ حقيقيٍ لخلاص كل نفس أطاع القديس فيلبس دعوة الروح القدس، فبادر أو جرى مسرعًا نحو المركبة دون تردد أو تفكير في العقبات التي قد تمنعه عن العمل. فمن المعروف أن الحوار مع العظماء والأغنياء فيما يخص الإيمان غالبًا ما يكون صعبًا. هذا والقديس فيلبس كان يسير على قدميه بينما الخصي كان في مركبة تقودها خيول سريعة وقوية، فكيف يلحق بها، وكيف يطلب أن يصعد إلى المركبة ليتحدث معه.
كان الخصي يقرأ بصوتٍ عالٍ، فتجاسر القديس وسأله: "ألعلك تفهم ما أنت تقرأ؟"
لعل من أهم السمات التي اتصف بها هذا الخصي جديته في الإهتمام بخلاص نفسه، فلم ينشغل في مثل هذه الرحلة الشاقة بتسليةٍ ما أو قراءة بعض القصص الهزلية أو قراءة في السياسة، بل في التمتع بكلمة الله. إنه كقائدٍ في الدولة شعر أن مسئوليته مضاعفة، ليس فقط من أجل نفسه، بل ومن أجل الآخرين، يلتزم أن يختبر الحياة التقوية القائمة على كلمة الله. وأن كثرة مشغولياته تضاعف احتياجاته للحياة المقدسة.
يدرك هذا الخصي قيمة الوقت، فلا يفسد منه أي نصيب، ولا يعطي عذرًا أنه على سفر في رحلة شاقة.
* لم يخجل من أن يعترف بجهله، وتوسل أن يتعلم، لذلك أعطي لذاك الذي صار معلمًا له عطية الروح[407].
البابا أثناسيوس الرسولي
"فقال: كيف يمكنني إن لم يرشدني أحد،
وطلب إلى فيلبس أن يصعد ويجلس معه". [31]
في تواضعٍ لم يستخف الخصي بالمتحدث، بل طلب منه أن يصعد ويجلس معه في المركبة، ويفسر له ما ورد في السفر.
بلا شك أدرك الخصى من نبرات صوت القديس أنه لم يحمل السؤال نوعًا من الكبرياء أو التشامخ عليه، بل لمس فيه الروحانية المتسمة بالتواضع مع المحبة لذلك كان رد الفعل هو شعور الخصي بالحاجة إلى من يعينه. كشف عن شوقه الحقيقي والملتهب نحو المعرفة، يتقبلها ولو عن طريق شخصٍ غريبٍ لم يسبق له أن تعَّرف عليه.
* حسنًا، لم يتطلع الخصي إلى المظهر الخارجي للرجل، ولم يقل له: "من أنت؟" لم يوبخه ولا أوقفه عن الكلام، ولا قال أنه يعرف؛ بل على العكس اعترف بجهله لذلك تعلم. لقد أظهر جرحه للطبيب... انظروا كيف كان متحررًا من التشامخ... كان راغبًا في التعلم، منصتًا باهتمامٍ لكلماته، فتحقق فيه القول: "من يطلب يجد" (مت ٧: ٨)[408].
القديس يوحنا الذهبي الفم
"وأمّا فصل الكتاب الذي كان يقرأه فكان هذا:
مثل شاةٍ سيق إلى الذبح،
ومثل خروفٍ صامتٍ أمام الذي يجزّه،
هكذا لم يفتح فاه". [32]
هذا النص مقتبس من الترجمة السبعينية (إش 53: 7-8). ولعله سمع هذا الفصل أثناء عبادته في أورشليم، فعاد في مركبته يقرأ ما سمعه ويتأمل فيه.
* يُدعى "الحمل" (يو 29:1؛ إش 7:53، 8؛ أع 32:8) لا كغير عاقلٍ، بل لأن بدمه الثمين يطهر العالم من خطاياه، ويقف صامتًا أمام جازيه. هذا الحمل دُعي مرة ب "الراعي" إذ يقول: "أنا هو الراعي الصالح" (لو 11:10) هو حمل من جهة ناسوته، وراعٍ بالحب المترفق الذي للاهوته. هل تريد أن تعرف حملان عاقلة؟! اسمع المخلص يقول للرسل: "ها أنا أرسلكم كحملانٍ بين ذئابٍ" (مت 10: 10، 16)[409].
القديس كيرلس الأورشليمي
"في تواضعه أُنتزع قضاؤه،
وجيله من يخبر به؟
لأن حياته تنتزع من الأرض". [33]
جاءت ترجمة النص العبري: "أخذ من الحبس، ومن الحكم" وقد وردت كلمة "الحبس" هنا أو "السجن" بمعنى أنه تحت الحفظ، فقد قُيدت يدا السيد، واقتيد تحت الحفظ للمحاكمة.
"فأجاب الخصي فيلبس، وقال:
أطلب إليك عن منْ يقول النبي هذا؟
عن نفسه؟ أم عن واحدٍ آخر؟" [34]
تساءل الخصي: عن من يقول النبي هذا، عن نفسه أم عن واحدٍ آخر؟" بلا شك تطلع إشعياء إلى هذا السرّ بروح النبوة كما من خلال الظل، ولم يكن ممكنًا له ولا للأنبياء جميعًا ولا للسمائيين إدراك كمال هذا السرّ حتى رُفع السيد المسيح على الصليب.
قبل مجيء ربنا يسوع كان اليهود يحسبون أن ما ورد هنا يشير إلى شخص المسيا، وأن الحديث عن آلام العبد إنما هو نبوة عن آلام المسيا. لكن بعد رفضهم يسوع المصلوب بدأوا يفسرون النص أنه خاص بآلام النبي نفسه، ويفسره البعض أنها آلام شعب إسرائيل.
بدأ القديس فيلبس يوضح للخصي أنها نبوة مسيانية، وأنها تحققت في شخص ربنا يسوع المسيح.
"ففتح فيلبس فاه، وابتدأ من هذا الكتاب،
فبشّره بيسوع". [35]
بلا شك كان حديث القديس فيلبس معه مطولًا، فتعرض للكشف عن شخص السيد المسيح من خلال النبوات كما تحدث عن عمله الخلاصي، وأيضًا عن الحاجة إلى العماد للتمتع بالميلاد الثاني. الآن الروح القدس الذي أملى على إشعياء النبي بالنبوة هو بعينه كشف عن عيني الخصي ليدرك غنى هذا السرّ.
* لقد عاد إلى الملكة ليس كوزيرٍ لخزائنها المادية، وإنما وزير كنوز الروح القدس والحكمة الإلهية والحياة الأبدية. لاحظوا حديثه، كان أبعد ما يكون عن الجفاف (الخشونة) أو التملق، بل بالأحرى كان صادرًا عن شخصٍ لطيفٍ يحمل صداقة[410].
القديس يوحنا الذهبي الفم
6. عماد الوزير الأثيوبي
"وفيما هما سائران في الطريق أقبلا على ماء،
فقال الخصي:
هوذا ماء ماذا يمنع أن اعتمد؟" [36]
يوجد في شمال شرقي غزة وادي حيث فيه ماء جاري، وقد جاء في الديداكية (7: 1-3) التي ترجع إلى القرن الأول وبدء القرن الثاني أن العماد يتم في ماءٍ جارٍ إن أمكن.
* أما عن العماد، فعمدوا هكذا:
بعدما تعلمون كل ما تقدم،
عمدوا باسم الآب والابن والروح القدس[411] بماء جار (حيّ).
فإذا لم يكن هناك ماء جار فعمد بماءٍ آخر.
إذا لم تستطع أن تعمد بماء بارد فعمد بماء دافيء.
إذا كنت لا تملك كليهما فاسكب الماء[412] فوق الرأس ثلاثًا،
باسم الآب والابن والروح القدس.
الديداكية
لا يوجد في هذه المنطقة نهر، لكن غالبًا ما كان هذا مجرى ماء أو ينبوع ماء.
"فقال فيلبس: إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز،
فأجاب وقال:
أنا أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن اللَّه". [37]
تطلع الخصى إلى نبع في وادي الحسي Wadi El Hessi في شمال شرقي غزة برية، فتهللت نفسه، وطلب نوال سرً المعمودية، فتمتع بهذا الكنز المفرح.
"فأمر أن تقف المركبة،
فنزلا كلاهما إلى الماء: فيلبس والخصي، فعمّده". [38]
7. القديس فيلبس في أشدود
"ولما صعدا من الماء
خطف روح الرب فيلبس،
فلم يبصره الخصي أيضًا،
وذهب في طريقه فرحًا". [39]
في فترة قصيرة للغاية تتلمذ الخصي على يديّ القدّيس فيلبّس المبّشر، وفتح الرب عينيه ليّدرك سرّ خلاصه. لكنّه ما أن نال العماد حتى خطف روح الرب فيلبّس فلم يره الخصي. لقد فقد معلّمه في لحظات، لكنّه وجد المسيّا المخلص، نال ما هو أعظم بما لا يُقاس من معلّمه، لقد شعر أنّه قد صار إنسانًا جديدًا قائمًا كما من بين الأموات، ليسلك في النور عوض الظلمة، بل صار بالرب نورًا. قيل أنّه عاد إلى أثيوبيا يكرز بالخلاص، فيُنير الطريق لإخوته.
واضح أن العماد كان يتم بالتغطيس، وإلا كان يمكن عماد الخصي داخل المركبة، ولما قيل: "ولما صعدا من الماء".
نال الخصي العماد ليرجع إلى أثيوبيا يكرز ببشارة الخلاص. وخطف روح الرب فيلبس فلم يعد يبصره. ما كان يشغله ليس لقاؤه بفيلبس، بل تمتعه بالمعمودية ونوال فرح الروح القدس، فقد نال ميلادًا جديدًا، وصار خليقة جديدة.
"وأمّا فيلبس فوُجد في أشدود،
وبينما هو مجتاز كان يبشّر جميع المدن حتى جاء إلى قيصرية". [40]
في لحظة حمله الروح إلى أشدود التي تبعد حوالي 20 ميلًا شمال غزة. صار فيلبس أشبه بروح بلا جسد.
أشدود، وفي اليونانية Azotus، وهي إحدى المدن التي لم يأخذها يشوع بل بقيت في يد الفلسطينيين. في هذه المدينة نقل تابوت العهد عندما أخذه الفلسطينيون من الإسرائيليين. وفيها سقط تمثال داجون أمام التابوت (1 صم 5: 2-3)، وهي تبعد حوالي 30 ميلًا من غزة، كانت تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بها ميناء ليس له أثر الآن. صارت المدينة الآن على بعد ميلين من البحر، إذ ترسب الرمل على الشاطئ كما انتقلت الرمال من الصحراء خلال الرياح.
عاد فيلبس الرسول يكرز ويعمد، ويحصد الثمر، وأخيرًا استقر في قيصرية. بشر جميع المدن حتى جاء إلى قيصرية؛ هذه المدن هي يافا، وليدة، واسكلون، واريمارها Arimarha الخ.، جميعها تقع على ساحل البحر.
قيصرية: كانت قديمًا تدعى برج ستراتو Strato’s Tower تقع على ساحل البحر عند فم نهرٍ صغيرٍ، وكان بها ميناء جميل يبعد حوالي 36 ميلًا جنوب اقرا Acra وحوالي 62 ميلًا شمال غرب أورشليم، ونفس المسافة تقريبًا شمال شرق أشدود. يرى البعض إنها هي هازر Hazor الواردة في يشوع 11: 1، أعاد بناؤها هيرودس الكبير، ودعيت قيصرية تكريما لأوغسطس قيصر. صارت مركز الحاكم الروماني عندما كانت اليهودية ولاية رومانية (أع 23: 33).
يقول د. كلارك أنه لا يوجد في التاريخ مثل لمدينة سمت بسرعة فائقة في وقت قصير، وانهارت في وقت قصير مثل قيصرية. لم يعد بها مسكن واحد. قصورها ومعابدها التي كانت غاية في الإبداع والفن يصعب جدًا وجود أثر لها. في خلال عشر سنوات بعد وضع الأساسات صارت من أعظم مدن سوريا كلها، الآن نجد خرابًا تامًا!
ملحق للأصحاح الثامن
عن حلول الروح القدس ووضع الأيدي
المسحة المقدّسة والعُرس الأبدي
الأسرار الكنسيَّة في جوهرها هي تمتّع بعمل نعمة اللَّه القدّوس في حياة الكنيسة، كما في حياة كل عضوٍ فيها، لكي تتهيّأ للعرس الأبدي. بها تنفتح أبواب السماء أمامه، فيمتلئ المؤمن رجاءً في غنى نعمة اللَّه الفائقة، فيعبر قلبه من مجدٍ إلى مجدٍ، حيث يختبر عربون السماء وهو بعد يجاهد على الأرض.
ففي سرّ العماد يتمتّع المؤمن بعمل الروح القدس في مياه المعموديّة لينال الميلاد الجديد، ويحمل طبيعة الإنسان الجديد الذي على صورة خالقه. إنّه يولد كطفلٍ يحتاج أن يرضع من لبن أمًه، الكنيسة، غير الغاش، لكنّه يبقى محتاجًا إلى النموّ والنضوج ليتهيّأ بالحق للعرس الأبدي، فتصير نفسه عروسًا تحمل مع كل يوم إشراقات بهاء عريسها، ملك الملوك، وتسمع صوته يناجيها: "جمُلتِ جدًا جدًا، فصلحتِ لمملكة، وخرج لك اسم في الأمم لجمالك لأنّه كان كاملًا ببهائي الذي جعلته عليكِ يقول السيد الرب" (حز16: 13-14).
هذا ما تود كلمة اللَّه وتعليقات آباء الكنيسة أن نختبره خلال ما يُدعى "سرّ المسحة".
إلهنا الذي يود أن يقيم من شعبه ملكة سماويّة، تحمل أيقونة عريسها ملك الملوك يهبنا خبرة يوميّة لعمل الروح القدس الساكن فينا والذي نلناه في سرّ المسحة المقدّسة.
لنرى الآن كيف بدأ هذا السرّ في عصر الرسل بوضع الأيادي، ثم لماذا استخدمت الكنيسة المسحة المقدسة مع وضع الأيادي.
حلول الروح القدس ووضع الأيادي
تَقدّم ربّنا يسوع المسيح كنائبٍ عنّا إلى مياه المعموديّة ليعتمد على يد القدّيس يوحنا المعمدان، لكي يهبنا البنوّة للآب فيه. وقد حلّ الروح القدس بعد نزوله المعموديّة مباشرة وهو في نهر الأردن (مت 3: 16؛ مر 1: 10؛ لو 13: 21-22؛ يو 1: 31-34).
وإذ كان الرسل يعمّدون يصلّون طالبين حلول الروح القدس على المعمّدين حديثًا بوضع الأيدي عليهم (أع 8: 14-17؛ 19: 1-6). وكان الأساقفة أيضًا يضعون الأيادي على المؤمنين بعد عمادهم مباشرة لنوال عطيَّة الروح القدس. وإذ تزايد عدد الراغبين في الانضمام إلى كنيسة المسيح، وأيضًا المولودين من عائلات مسيحيَّة صار الكاهن يقوم بمسح المعمّد حديثًا بزيت الميرون xrisma. وهي كلمة يونانيَّة وقبطيّة معناها "طيب" أو "دهن"، هذا الطيب يُصنع من عقاقير وأطياب كثيرة، يقدَّس بكلمة اللَّه والصلاة، يقوم الأساقفة بإعداده؛ يُمسح به المعمّد حديثًا على إشارة الصليب على ستّة وثلاثين عضوًا من أعضاء الجسم ليمتلئ كل كيانه بالروح القدس، ويصير مسيحًا للرب. غير أن هذه المسحة لم تبطل طقس وضع الأيادي بالنسبة للأساقفة.
سرّ الميرون أو المسحةChrism يُعرف في الغرب بسرّ التثبيت Confirmation. ومنذ بدء انطلاق الكنيسة عُرف باسم "ختم الروح" يُوهب مع العماد.