اعمال الرسل 15 - تفسير سفر أعمال الرسل
رحلة القديس بولس التبشيرية الثانية الجزء(1)للقمص تادرس يعقوب ملطي
(أعمال 15 :40 - 18: 22)
1. من أنطاكية إلى لسترة (15: 40-16: 1): انضم القديس تيموثاوس إلى بولس وسيلا في لسترة.
2. من لسترة إلى ترواس (16: 6-8).
3. من ترواس إلى فيلبي ( 16: 11-12)، حيث اهتدت ليدية (16: 13-15)، بولس وسيلا في السجن (16: 24).
4. من فيلبي إلى تسالونيكي (16: 40-17: 1)، قام الرعاع بالهجوم على بيت ياسون (17: 5).
5. من تسالونيكي إلى بيرية ( ع 17: 10).
6. من بيرية إلى أثينا (17: 14-15)، هناك وعظ على جبل آريوس باغوس (17: 22).
7. من أثينا إلى كورنثوس ( 18: 1). ضرب سوستانيس (18: 17).
8. من كورنثوس إلى أفسس (18: 18-19) عظته (18: 19).
9. من أفسس إلى أورشليم (18: 21-22).
10. من أورشليم إلى أنطاكية (18: 22).
رحلة بولس الرسول التبشيرية الثانية
مشكلتان في أنطاكية
قبل البدء في الرحلة الثانية حدث أمران محزنان، لكنهما سببا نموًا للكنيسة:
1. كان القديس بولس مريضًا وفي حالة ضعف، لكنه تحامل على نفسه وكرز بقوةٍ. وكما كتب إليهم: "ولكن تعلمون إني بضعف الجسد بشَّرتكم في الأول، وتجربتي التي في جسدي لم تزدروا بها ولا كرهتموها... لأني أشهد لكم أنه لو أمكن لقلعتم عيونكم وأطعمتموني" (غل 4: 13-15). إذ قبل أمميون كثيرون الإيمان المسيحي، طالب المتعصبون من اليهود بضرورة تهودهم أولًا وبعد ذلك ينالون العماد المسيحي والعضوية الكنسية. هذه الحركة دعيت بالتهود، حيث يطلبون من المسيحيين سواء من اليهود أو الدخلاء أو الأمميين أن يحفظوا الناموس الموسوي. أما اليهود أو الدخلاء الذين ارتبطوا بالثقافات الأخرى خاصة اليونانية فقد ضعف عندهم هذا الشعور. والمثل الواضح فيلون اليهودي السكندري الذي كان يرى أنه يكفي ممارسة قوانين العبادة بالمفهوم الروحي دون الحاجة إلى الحرفية.
وإذ حضر القديس بطرس فجأة إلى أنطاكية فرح لنجاح الخدمة وشارك الأمم المنتصرون طعامهم، حتى جاء قوم من أورشليم فتراجع حتى لا يعثرهم، مما اضطر الرسول بولس إلى مقاومته علانية (غل 2: 11-16)، وقد سبق لنا التعرض لهذا الحدث في تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية.
واجهت كنيسة العهد القديم ذات المشكلة، فحينما خرج اليهود من مصر صعد معهم لفيف كثير (خر ١٢: ٣٨) دخلوا العبادة اليهودية وتركوا عبادة الأوثان، وكان يلزم ختانهم (خر ١٢: ٤٨). وفي بلاد كثيرة كان لليهود تأثيرهم، فدخل بعض من الأمميين إلى الإيمان، وكان لهم طقس خاص بختانهم ونوالهم المعمودية وتدريبهم على الطقوس اليهودية، هؤلاء يدعون دخلاء. هذه الفئة كانت جادة في الاهتمام بخلاصها لذلك كثيرون منهم إذ سمعوا الكرازة بالإنجيل قبلوها.
تفاقمت هذه المشكلة حتى صارت هناك ضرورة لعقد أول مجمع كنسي رسولي عام ٤٧م يبحث في الأمور الخاصة بدخول الأمم إلى الإيمان.
2. حدثت منازعة بين بولس الرسول وبرنابا الرسول، إذ رفض الرسول بولس أن يأخذوا معهما مرقس يوحنا الرسول، لأنه تركهما في منتصف الطريق في برجة بمفيلية، ربما بسبب المرض، وإذ تنازعا أخذ برنابا مرقس وانطلقا إلى قبرص، بينما أخذ بولس سيلا وانطلقا إلى الرحلة التبشيرية الثانية (15: 40).
الأصحاح الخامس عشر
مجمع أورشليم
يقدر البعض الفترة ما بين الزيارة السابقة للقديسين بولس وبرنابا لأورشليم والزيارة الواردة في هذا الأصحاح بحوالي خمس سنوات. فقد جاءا، لا عن حنينٍ شديدٍ وشوقٍ للدخول إلى مدينة الله، وممارسة العبادة في الهيكل، واسترجاع الذاكرة لآبائهم. إنما جاءا يحملان حصادًا هذا مقداره من الأمم الذين قبلوا الإيمان والكنائس التي تأسست في مدن كثيرة؛ جاءا لأخذ قرارٍ جماعيٍ عن موقف الأمم القابلين للإيمان.
1. دعوة للتهود في أنطاكية
1.
2. صعود بولس وبرنابا إلى أورشليم
لماذا اُختيرت أورشليم لانعقاد مجمع الرسل؟
2-5.
3. انعقاد أول مجمع كنسي
6.
4. خطاب بولس الرسول
7-11.
5. حديث بولس وبرنابا
12.
6. حديث يعقوب الختامي
13- 21.
7. إرسالية إلى أنطاكية
22-29.
8. تعزية في أنطاكية
30-35.
9. خلاف بين بولس وبرنابا
36- 39.
10. بدء الرحلة الثانية
40- 41.
من وحى أع 15
1. دعوة للتهود في أنطاكية
"وانحدر قوم من اليهودية،
وجعلوا يعلّمون الإخوة أنه إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا". [1]
منذ بداية انطلاق الكنيسة والعدو يحاربها من الخارج كما من الداخل. في الخارج اضطهادات، وفي الداخل يبث روح الانشقاق والانحراف عن الحق.
دخول الأمم إلى الإيمان المسيحي بأعداد كبيرة في بلاد كثيرة أثار حتى المسيحيين الذين من أصل يهودي، فبعدما كان اليهود يمثلون الغالبية العظمى كأعضاء في الكنيسة، صاروا قلة أمام الأمم الداخلين إلى الإيمان، صار هذا يمثل خطرًا في نظرهم من جهة حفظ الناموس. صارت هناك معارضة قوية من اليهود المتنصرين ضد الداخلين إلى الإيمان من الأمم، وإذ لم يكن ممكنًا وقف هذا التيار الإلهي دخلوا في منازعات بالتزام الأمم ان يتهودوا أولًا، أي يختتنوا حسب عادة موسى، ويحفظوا الناموس حرفيًا (15: 1).
هؤلاء المتعصبون للناموس في حرفيته حتى بعد الإيمان المسيحي كانوا يمثلون جبهة قوية مقاومة للرسول بولس بكونه رسول الأمم الذي يطلب تحرير الأمم من حرفية الناموس. بقيت هذه الجبهة إلى آخر لحظات عمره، ففي آخر رحلة للرسول قال له الرسل: "أنت ترى أيها الأخ كم يوجد ربوة (عشرة آلاف) من اليهود الذين آمنوا وهم جميعًا غيورون للناموس" (أع ٢١: ٢٠).
والعجيب أن القديس بطرس إذ دعاه الروح القدس للكرازة في بيت كرنيليوس الأممي لم يطالبه بالختان بل حلّ الروح القدس عليه هو ومن معه ونالوا العماد. لكن خشية غضب اليهود المتنصرين في أورشليم إذ كان يأكل مع الأمم وسمع أن قومًا قادمون من أورشليم كان يؤخر ويفرز خائفًا من الذين هم من الختان (غل ٢: ١٢).
امتناع القديس بطرس من الأكل على مائدة الأمم أمام الذين من أهل الختان بمثابة اعتراف عملي بعدم أهليتهم لمعاشرة اليهود المتنصرين ما لم يختتنوا ويقبلوا حفظ الناموس في حرفيته، وإن كان الرسول لم يصرح بهذا لأنه هو نفسه كان يأكل معهم خفية. انتشر هذا الفكر في بلاد كثيرة خاصة غلاطية، بل وبلغ حتى روما فكادت الكنيسة تنقسم إلى كنيسة الأمم وكنيسة الختان، وعالج القديس بولس ذلك في رسالته إلى أهل رومية. وأيضًا هذا الفكر كان أحد العوامل في ظهور انقسامات في كنيسة كورنثوس حتى ادعى البعض أنهم لبولس وآخرون لصفا.
هذا الصراع ليس بجديدٍ، لكنه كان قائمًا بين اليهود قبل المسيحية. لاحظ د. هويتبي Dr. Whitbyما ورد في المؤرخ يوسابيوس[668] انه عندما اعتنق ايزاتس Izates ابن هيلين لملكة أديابيين Adiabene اليهودية أعلن حنانيا بأنه يمكن تحقيق ذلك دون حاجة إلى الاختتان، أما اليعازر فحسب بقاءه أغرل شرًا عظيمًا.
يروي يوسيفوس في تاريخ حياته أن اثنين من الشخصيات البارزة بين الأمم هربا إليه، فكان اليهود الغيورون يحثانهما على ضرورة الختان، بينما يوسيفوس نصحهم أن يكفوا عن إصرارهم على هذا. وهكذا كان الأمر عبر الأجيال بين اليهود المتعصبين واليهود المعتدلين.
انتقل هذا النزاع مع اليهود حتى بعد قبولهم الإيمان المسيحي، ويعلل المتعصبون تمسكهم بالختان الطقوس الموسوية بالآتي:
1- أنها فرائض إلهية لا يمكن تغييرها.
2- أن السيد المسيح جاء ليكمل الناموس لا لينقضه.
هؤلاء يظنون أنه لا يمكن التمتع بالخلاص بدون تنفيذ الناموس حرفيًا، خاصة الختان وحفظ السبت والأعياد اليهودية وشرائع التطهيرات. بدونها مصير الإنسان هو الهلاك الأبدي في جهنم. أما المعتدلون فلا ينكرون هاتين الحقيقيتين، لكنهم يرون أنهما لا يتعارضان مع تحقيق الختان الروحي للذي للحواس، وممارسة الطقوس بفكرٍ روحيٍ بنَّاء، لا حرفي قاتل. هؤلاء يرون أن غاية الناموس هو أن يقودنا إلى ربنا يسوع المسيح الذي يبرر المؤمنين به. فالعودة إلى الناموس حرفيًا هو نكوص وانحراف عن غاية الناموس ذاته.
2. صعود بولس وبرنابا إلى أورشليم
"فلما حصل لبولس وبرنابا منازعة ومباحثة ليست بقليلة معهم،
رتّبوا أن يصعد بولس وبرنابا وأناس آخرون منهم
إلى الرسل والمشايخ إلى أورشليم،
من أجل هذه المسألة". [2]
هذه هي الزيارة الثالثة للقديس بولس لأورشليم، وهي الزيارة المعتبرة في رسالة غلاطية (2: 1)، جاءت بعد أربع عشرة سنة من زيارته الأولى.
زيارته الأولى: بعد أن ظهر له السيد المسيح بثلاث سنوات، حيث خدم في العربية، انتهت بهروبه من دمشق حيث أنزلوه في زنبيل من أسوارها، وقد جاء إلى أورشليم والتقى بالرسول بطرس وتعرف عليه ومكث معه خمسة عشر يوما لم يرَ فيها غيره من الرسل سوى يعقوب أخا الرب (غلا 1: 18، 19)، وكان ذلك قبل سنة 40م. ونجا من مؤامرة لقتله بصعوبة.
زيارته الثانية: كانت سنة 44م حيث جاء مع بعثة من أنطاكية لتقديم معونة لفقراء اليهودية أثناء المجاعة، عاد بعدها مسرعًا (أع 11: 30؛ 12: 25).
زيارته الثالثة سنة 49 أو 50م، جاء يحمل ثمار الكرازة المفرحة ويقدم ذبيحة شكر على عمل الله الفائق، وقد حظي بيمين الشركة من الثلاثة أعمدة في أورشليم: بطرس ويعقوب أخي الرب الملقب بالبار ويوحنا الحبيب (غل 2: 6-10). لقد تحققوا من أن الله ائتمن بطرس على إنجيل الختان وائتمن بولس على إنجيل الأمم.
إذ حدثت منازعة بخصوص تهود الأمم قبل قبولهم الإيمان المسيحي، وكان هذا الموضوع حيويًا شعر الرسول بولس أن جهود الكنيسة تضيع في مباحثات ومنازعات عوض الانشغال بالكرازة وسط الأمم. تزايدت المنازعات وأخذ بعض اليهود موقفًا متشددًا مما سبب عثرة للداخلين حديثًا إلى الإيمان، وأخذ الموضوع اتجاهًا جماعيًا لذا صارت الحاجة ملحة إلى قرار مجمعي رسولي حازم.
يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذه المنازعة بأنها آلت إلى نفع الكنيسة.
* لا تنزعجوا بسبب الهراطقة. انظروا هنا في مستهل الكرازة ذاتها كم من هجمات قد حدثت. لست أتحدث عن أولئك الذين قاموا عليهم من الخارج، فإن هذه تحسب كلا شيء، بل عن الهجوم الذي في الداخل... ليتنا لا نضطرب إذا وجد هجوم، بل نشكر الله حتى على هذه إذ هذه بالأكثر تزكينا... الإنسان لا يكون محبًا للحق بدرجة عظيمة، يتمسك بالحق عندما لا يقوده أحد إلى الانحراف عنه. أما الذي يتمسك بالحق عندما يحاول كثيرون أن يسحبوه عنه فهذا إنسان مُزكى... هذه الهجمات تأتي لكنها لن تؤذى بل تكون للمنفعة، وذلك كما يفيد المضطهدون الشهداء بسحبهم إلى الاستشهاد، ومع هذا فإن هذا السحب ليس بواسطة الله، هكذا هو الحال هنا. ليتنا لا نتطلع إلى هذا كخسارة، فإن هذا عينه علامة سمو التعليم، أن كثيرين يثورون على التعليم ليزيفوه[669].
القديس يوحنا الذهبي الفم
لماذا اُختيرت أورشليم لانعقاد مجمع الرسل؟
1. غالبا ما كان المسيحيون في ذلك الحين يتطلعون إلى أورشليم كمصدر سلطة كنسية، حيث هناك تحققت أحداث الخلاص، ومنها انطلقت بذار الخدمة والكرازة إلى كل العالم. تُحسب الكنيسة في أورشليم الكنيسة الأم حتى بالنسبة للمسيحيين الذين من أصل أممي.
2. كانت أورشليم تضم أغلب الرسل والمسيحيين أصحاب الخبرة، وربما كثير من الرسل كانوا يقومون بالكرازة ويعودون إلى أورشليم كمركز لكل الكنيسة. لذا فهي أفضل موقع لأخذ قرار فيما لم يستقر الأمر فيه بعد، حتى تنتهي كل المنازعات الخاصة بموقف الأمم المتنصرين.
3. كان أغلب المؤمنين من أصل يهودي، لهذا فمن الأفضل صدور القرارات هناك حتى لا يأخذوا موقف المعارضة إن صدرت قرارات في كنيسة وسط الأمم.
4. كان بعض المسيحيين الذين من أصل يهودي يحملون نوعًا من الضيق بسبب انفتاح الخدمة على الأمم، فكان لزامًا أن يتحققوا من فرح الرسل ككل بعمل الله وسط الأمم.
"فهؤلاء بعدما شيعتهم الكنيسة
اجتازوا في فينيقيّة والسامرة يخبرونهم برجوع الأمم،
وكانوا يسبّبون سرورًا عظيمًا لجميع الاخوة". [3]
صعد القديسان بولس وبرنابا إلى أورشليم وآخرون معهما لعقد مجمع رسولي، وفي طريقهم عبروا بفينيقية (لبنان) والسامرة، فكانوا يتحدثون عن عمل الله وسط الأمم، "وكانوا يسببون سرورًا عظيمًا لجميع الاخوة". كانت هذه المناطق عامرة بالمؤمنين اليهود غير المتعصبين، يفرحون بخلاص الأمم وقبولهم للإيمان.
كان القديس بولس ومن معه متهللين بالروح من أجل عمل الله الفائق وخلاص الكثيرين، لهذا ففي طريقهم إلى أورشليم أرادوا أن يشركوا الكنائس في الطريق فرحهم الروحي. فالمسيحي مصدر فرح لكل من هم حوله، يقدم دائمًا الأخبار السارة المفرحة، ليختبر المؤمنون عربون السماء.
"ولما حضروا إلى أورشليم
قبلتهم الكنيسة والرسل والمشايخ،
فأخبروهم بكل ما صنع اللَّه معهم". [4]
قبلت الكنيسة في أورشليم هذا الوفد برضى واستمع الكل لعمل الله وسط الأمم. في وسط هذا الجو الرائع من الحب والصداقة تحدث القديسان بولس وبرنابا ومن معهما عن عمل الله معهم. لم يستعرضوا مجهوداتهم، ولا تحدثوا عن أنفسهم، وعن حكمتهم وإمكانياتهم، بل كان كل الحديث حول نعمة الله الفائقة.
"ولكن قام أناس من الذين كانوا قد آمنوا من مذهب الفريسيين
وقالوا أنه ينبغي أن يختنوا،
ويوصوا بأن يحفظوا ناموس موسى". [5]
كانت القيادات الكنسية بلا شك في حرجٍ شديدٍ بين سرورهم باتساع الخدمة في العالم وخشيتهم غضب المتعصبين من اليهود، خاصة وأن كنيسة الأمم بدأت تمتد وتتزايد جدًا.
يرى البعض أن بعض الفريسيين قبلوا الإيمان المسيحي لتأكيد مبدأهم وعقيدتهم في القيامة ضد الصدوقيين، لكن لم يكن ممكنًا لبعضهم أن يتخلوا عن التمسك بحرفية الناموس. فبعد قبولهم الإيمان المسيحي احتفظوا بالخميرة القديمة، ليس جميعهم بل بعضهم، هؤلاء رأوا في حفظ الناموس حرفيًا ضرورة ملزمة قبل دخولهم في الإيمان بالسيد المسيح.