الرؤيا 2 - تفسير سفر الرؤيا
رسائل إلى أربع كنائس الجزء(1)للقمص تادرس يعقوب ملطي
في هذا الأصحاح يوجه الرب رسائل خاصة إلى أربع كنائس:
1. إلى ملاك كنيسة أفسس
1-7.
1. من هو؟
2. وصف الرب
3. حال الكنيسة
4. العلاج
5. نصيحة للاستماع إلى قول الروح
6. المكافأة
2. إلى ملاك كنيسة سميرنا
8-11.
1. من هو؟
2. وصف الرب
3. حال الكنيسة
4. النصائح والإرشادات
3. إلى ملاك كنيسة برغامس
12-17.
1. من هو؟
2. صفات الرب
3. حال الكنيسة
4. العلاج والمكافأة
4. إلى ملاك كنيسة ثياتيرا
18-29.
1. من هو؟
2. وصف الرب
3. حال الكنيسة
4. العلاج
5. المكافأة
مقدمة عن رسائل الكنائس السبع
يليق بنا أن نعرف:
أولًا: كانت هذه الكنائس قائمة فعلاً والحديث موجه إليها. غير أنه كما يقول الأسقف فيكتوريينوس والقديس أغسطينوسوغيرهما أن ما ورد بهذه الرسائل يخص حالة الكنيسة في كل عصر ويخص حالة المؤمن من حين إلى حين، فهي رسائل موجهة إلى كل مؤمن.
ثانيًا: يخاطب الرب الكنائس في شخص ملائكتها أي أساقفتها، محملًا إياهم مسئولية الرعاية، ملزمًا إياهم أن يحملوا ضعفات شعبهم كما يتكفلون بنمو أولادهم. وفي نفس الوقت يوحي إلى الشعب أن يتقبل توجيهات الله ووصاياه خلال أساقفته وكهنته.
ثالثًا: فيما يلي ضعف كل كنيسة والعلاج المقدم لها:
1. أفسس : الفتور في الحب : التأمل في شجرة الحياة (الأبدية).
2. سميرنا : معاناة الألم : انتظار إكليل الحياة.
3. برغامس : العثرة في الكنيسة : ممارسة الأسرار المقدسة.
4. ثياتيرا : الشهوات الشريرة : بتر الشر.
5. ساردس : الرياء : الاهتمام بالمجد السماوي (الداخلي).
6. فيلادلفيا : التراخي في العمل : إدراك حقيقة مركزنا السماوي.
7. لاودكية : الفتور الروحي : المثابرة برجاء.
1. إلى ملاك كنيسة أفسس[30]
1. من هو؟
"اكتب إلى ملاك كنيسة أفسس"يقال إن ملاك الكنيسة كان تيموثاوس تلميذ الرسول بولس. وقد أسسها الرسول بولس وخدم فيها ثلاث سنوات (أع 20: 31) وكتب إليها رسالة، كما خدم فيها تيموثاوس (1تى 1: 3)، وذهب إليها يوحنا الرسول بعد الإفراج عنه.
2. وصف الرب
"هذا يقوله الممسك السبعة الكواكب بيمينه،
الماشي في وسط المناير الذهبيّة"[1].
يتجلى الرب لكل كنيسة حسب ما يناسبها، حسب احتياجاتها، لترى فيه شبعها وشفاءها من كل ضعف. وإذ تعاني هذه الكنيسة من "الفتور في الحب"، لهذا يعلن لها أنه الممسك السبعة الكواكب (الأساقفة) في يمينه، أي حافظهم والمعتني بهم والمحيط بهم.
كما يعلن لها أنه "الماشي في وسط المناير الذهبيّة"، أي يجول في كنيسته، لا يهدأ عن العمل من أجل خلاص كل نفس. وكأنه يقول: إنني أحبك فكيف تفترين في محبتك لي!
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الكواكب في ذاتها مظلمة، نورها مستمد من الممسك بها "شمس البر"، مؤكدًا لنا أننا لا نستطيع أن نقتني الحب من ذواتنا بل من الله الممسك بنا في يمينه.
3. حال الكنيسة
"أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك،
أنك لا تقدر أن تحتمل الأشرار،
وقد جرَّبت القائلين أنهم رسل وليسوا رسلًا،
فوجدتهم كاذبين"[2].
قبل أن يحدثها عن ضعفها يطمئنها الرب قائلًا: "أنا عارف أعمالك..." لا أنسى أعمال محبتك القديمة ولا أتجاهل تعبك حتى الذي لا تذكرينه.
لقد نسي زكريا الكاهن صلواته التي قدمها ليهبه الرب ابنًا، لكن الرب كافأه عنها في الوقت المعين (لو 1: 13)، ونحن في وقت فتورنا نظن أن الله قد نسى الأعمال القديمة والأتعاب والصبر الذي احتملناه من أجله، لكن اللًّه يُطمئن كل إنسان أنه لا ينسى حتى كأس ماء بارد قدمه باسمه. إنه لا ينسى أتعاب هذه الكنيسة خاصة ما احتملته من الذين ادّعوا أنهم خدام وقد ملأوا الأرض كلامًا، وهم كاذبون، بعيدون عن روحها ورسالتها ووداعتها وحبها. لهذا يخاطب الرب أسقف أفسس قائلًا: "وقد احتملت، ولك صبر وتعب من أجل اسمي ولم تكل"[3.]
بعد هذا التشجيع عاد ليعاتب الكنيسة في رقة بالغة دون أن يجرح مشاعرها قائلًا: "عندي عليكِ أنكِ تركتِ محبتك الأولى" [4].
في عذوبة يسند الرب القصبة المرضوضة ويلهب الفتيلة المدخنة (مت 12: 20)، وفي حزمٍ بلا خداع أو مواربة يعلن الضعف لكي تتوب وتعود إلى كمال صحتها.
4. العلاج
"فأذكر من أين سقطت وتب،
واعمل الأعمال الأولى،
وإلا فإني أتيك عن قريب وأزحزح منارتك من مكانها إن لم تتب"[5].
هذا هو طريق العلاج: تب واعمل...
وكما يقول القديس إيرونيموس: [أننا جميعنا معرضون للسقوط. ولا يكون السقوط علامة أننا لم نكن يومًا ما قائمين أو معتمدين بالروح كما يدّعى البعض، كما أن السقوط لا يستدعى إعادة المعمودية بل أن نتوب ونعمل[31].]
وبدون التوبة تنهار منارتنا لهذا يسرع الرب فينذر معنفًا بشدة إذ لا يحتمل أن يرى منارة أولاده تتزحزح من مكانها.
وينتقل الرب من التوبيخ إلى الملاطفة بإظهار أعمال صالحة للكنيسة قائلًا:
"ولكن عندك هذا أنك تبغض أعمال النيقولاويين، التي أبغضها أنا أيضًا" [6].
إنه يفرح برؤية عروسه تبغض ما يبغضه هو، وتحب ما يحبه، تشاركه تصرفاته ومشاعره وفكره، مقتفية آثار خطواته.
أما بدعة النيقولاويين فهي:
أ. يقول القديس إيريناؤس: [النقولاويون هم أتباع نيقولا أحد الشمامسة السبع (أع 6: 5)، وهؤلاء يسلكون في الملذات بلا ضابط، ويعلِّمون بأمور مختلفة كإباحة الزنا وأكل المذبوح للأوثان[32].]
ب. يبرئ القديسان إكليمنضس السكندري وأغسطينوس نيقولاوس من البدعة وينسبانها لأتباعه.
ج. يرى العلامة ترتليان وإيرونيموس أنه لما أُختير للشموسية امتنع عن الاتصال بزوجته، وبسبب جمالها عاد إليها. ولما وبَّخوه على ذلك انحرف في البدعة إذ أباح الزنا.
د. يرى آخرون أنه كان يغير على زوجته جدًا بسبب جمالها، فلما ذمَّه البعض بسبب شدة تعلقه بها أراد أن يظهر العكس، فأباح لمن يريد أن يأخذها، فسقط في هذه البدعة.
5. نصيحة للاستماع إلى قول الروح
"من له إذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس"، أي من يريد الإنصات لصوت الله فليسمع للروح القدس المتحدث للكنائس جميعًا، لأن ما يقوله لكنيسة ما يحدث به الكل. وماذا يقول؟ يجيب العلامة ترتليان: [الله يقول دوما توبوا[33].]
6. المكافأة
"من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله"[7].
القلب الفاتر في حبه قلب جائع، لذلك يحتاج إلى الشبع من الرب "شجرة الحياة"، فهو المشبع للقلب والشافي له (رؤ 22: 2) وهو المكافأة المقدمة للغالبين.
كلما اختلى القلب بالرب وتأمل في الأبديّة الخالدة التهب القلب حبًا وشوقًا للعريس السماوي زاهدًا كل ما هو أرضي وزمني!
2. إلى ملاك كنيسة سميرنا
1. من هو؟
"واكتب إلى ملاك كنيسة سميرنا". وقد قيل إنه الأسقف بوليكربس[34]. ويرى ابن العسال أنه الأسقف فليغاريوس تلميذ الرسول يوحنا.
2. وصف الرب
"هذا يقوله الأول والآخر، الذي كان ميتًا فعاش" [8].
إذ يكتب إلى كنيسة سميرنا المتألمة والتي كانت على أهُبًّة اضطهاد مرّ للغاية، أراد الرب أن يطمئنها أنه هو الأول والآخر الذي يضم خليقته فيه فلا يصيبها شيء بغير سماح منه، ولا يسمح لهم بشيء إلاّ ما هو لخيرهم. كما يذكرها أنه "كان ميتًا فعاش"، فإن كان قد مات من أجلها، كيف لا تحتمل الموت من أجله؟ إنه قَبِل الموت ليدوس الموت، واهبًا الحياة لمن يموت معه!
3. حال الكنيسة
إذ اتسمت الكنيسة بشدة الضيق الذي حلّ بها، لهذا يصفها قائلًا:
أ. "أنا أعرف أعمالك"، إن عيني لا تفارقانك وذلك كالفخاري الذي لا يُحوِّل عينيه عن الآنية التي في داخل الفرن حتى لا تحترق، وكالأب الذي يترك كل عمله لكي يلازم ابنه المتألم ساعة آلامه. فكلما اشتدّ الألم أعلن لنا الرب فيض اهتمامه بنا.
ب. "وضيقتك": إنني أعرف درجة الحرارة التي تناسبك، فلا أسمح بالضيقة إلاّ بالقدر الذي يناسبك لأجل خلاصك وبنيانك.
ج. "وفقرك": وربما كان الفقر بسبب مصادرة الدولة الرومانيّة ممتلكات المسيحيين. فالرب يعلم ما يحدث لأولاده حتى ولو صاروا في أشد حالات الفقر.
د. "مع أنك غني. وتجديف القائلين أنهم يهود وليسوا يهودًا، بل هم مجمع شيطان"[9]. وكما يقول ابن العسال: [أنه يعرف غناه بسبب ثروته بالفضائل وثباته في الشدائد.] ويقول القديس إيرونيموس: [من يفتقر مع المسيح يصير غنيًا.] ويرى الأسقف فيكتورينوس أن الغِنى هنا يكمن في وجود أولاد للأسقف يرفضون "تجديف القائلين إنهم يهود"... فغِنى الأسقف هو استقامة إيمان أولاده واستقامة حياتهم، هذا الغِنى يريد الشيطان أن يسلبه عن طريق جماعة اليهود الأشرار الذين هم "مجمع الشيطان".
4. النصائح والإرشادات
"لا تخف مما أنت عتيد أن تتألم به.
هوذا إبليس مزمع أن يلقي بعضًا منكم في السجن لكي تجربوا،
ويكون لكم ضيق عشرة أيام"[10].
إذ غلبوا في حرب إبليس التي آثارها خلال اليهود الأشرار، يشجعهم الرب لقبول الضيق الذي تجتازه الكنيسة "عشرة أيام" أي العشرة اضطهادات الرومانيّة التي سجلها لنا التاريخ[35]. كما أن رقم 10 يشير إلى الكثرة وعدم التحديد، كقول أيوب البار: "وهذه عشر مرات أخزيتموني" (أي19: 3).
بماذا يشجعهم؟ "كن أمينًا إلى الموت، فسأعطيك إكليل الحياة"[10].من أجل إكليل الحياة يقبل المؤمن كل ألم وضيق محتملًا أن يموت كل النهار ليبلغ "الحياة الأبدية" حيث لا يكون هناك موت!
"من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس.
من يغلب فلا يؤذيه الموت الثاني"[11].
هذه هي وصية الروح أن يقبل الإنسان موت الجسد لكي لا يغلبه الموت الثاني، لأن موت الجسد فيه حياة الروح التي ستأخذ جسدها ممجدًا إلى الأبد.
يقول الأب أفراحات: [إنه يحق لنا أن نخشى الموت الثاني (رؤ 20: 14) المملوء بكاء وصرير الأسنان وتنهدات وبؤسًا، الأمور التي تخص الظلمة الخارجية.]
لكن طوبى للمؤمنين والأبرار في تلك القيامة إذ هم يتوقعون أن يستيقظوا ويتقبلوا المواعيد الصالحة التي جعلت لهم.
3. إلى ملاك كنيسة برغامس[36]
1. من هو؟
"واكتب إلى ملاك الكنيسة التي في برغامس".قيل أنه كريوس الذي ذكره يوسابيوس المؤرخ، وقد كان قويًا في الإيمان، وختم حياته بالاستشهاد.
2. صفات الرب
"هذا يقوله الذي له السيف الماضي ذو الحدين" [12].
إذ تركت الكنيسة بابها للغرباء وامتلأت بالعثرات في داخلها، يظهر الرب كديّان غيور يعزل بسيف حاد من هم له ومن هم غرباء حتى وإن دعوا أنفسهم مسيحيين.
إنه رب الكنيسة يبعث بكلمته كسيف ماض يعزل ما هو حق مما هو باطل، يبتر ما هو من الشيطان ويقطعه، وهذه هي فاعلية كلمة الله دائمًا!