يوحنا 11 - تفسير إنجيل يوحناإقامة لعازر من الأموات
واهب القيامة الجزء(4)للقمص تادرس يعقوب ملطي
* من أجلنا قدم التشكرات لئلا نظن أن الآب والابن أقنوم واحد بعينه عندما نسمع عن إتمام ذات العمل بواسطة الآب والابن. لهذا فلكي يظهر لنا أن رد تشكراته ليست ضريبة يلتزم بها من هو في عجز عن السلطان، بل بالعكس أنه ابن اللَّه الذي ينسب لنفسه دومًا السلطان الإلهي، لذلك صرخ: "لعازر هلم خارجًا". هنا بالتأكيد أمرٍ لا صلاة[1215].
القديس جيروم
* يصلي كابن الإنسان، ويأمر كابن الله[1216].
القديس أمبروسيوس
* عندما يرفع أحد عينيه يليق به أن يرفعهما نحو السماء بطريقة لائقة، ويرفع أيضًا يدين مقدستين، خاصة عندما يقدم الصلوات بلا غضبٍ ولا جدال (١ تي ٢: ٨). فإنه عندما ترتفع العينان خلال التفكير والتأمل، واليدان ترتفعان خلال الأعمال، ترتفع النفس وتتمجد. وذلك مثل موسى الذي رفع يديه (خر ١٧: ١١)، ويقول الشخص: "ليكن رفع يدي كذبيحة مسائية" (مز ١٤٠: ٢)، فينهزم عماليق، وكل الأعداء غير المنظورين، وتنتصر الأفكار الإسرائيلية (المعاينة لله) التي فينا.[1217]
العلامة أوريجينوس
"وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي،
ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنواأنك أرسلتني". [42]
هنا يوضح أن العلاقة بين الآب والابن لا تستلزم مثل هذه الصلاة، لكن من أجل الحاضرين لكي يثقوا أنه على علاقة بالسماء.
* الاستماع هنا ليس عن موضوع طاعة، بل هو اتحاد أبدي. بنفس الطريقة فإنه يُقال عن الروح القدس أنه يستمع للآب ويمجد الابن. إنه يمجد، لأن الروح القدس علمنا أن الابن صورة اللَّه غير المنظور (كو 15:1)، وبهاء مجده، ورسم جوهره (عب 3:1) [1218].
القديس أمبروسيوس
* وماذا لدى السيد المسيح أكثر من رسله إن كان هو يعمل آياته بالصلاة؟
أليق ما يُقال إن أولئك عملوا المعجزات بالصلاة، لكنهم في أكثر أوقاتهم عملوا الآيات بدون صلاة، لما دعوا باسم يسوع فقط. فإن كان اسمه قد حمل قوة هذا مقدارها، فلو احتاج هو إلى صلاة، لما كان اسمه اقتدر على شيء، وحين خلق الإنسان إلى أية صلاة احتاج؟
أما عن معادلته لأبيه في الكرامة فتظهر في مواضعٍ كثيرة، لأنه قال: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك 1: 26)... وما الذي يكون أضعف منه إن احتاج إلى صلاة؟
فلننظر ما هي صلاته؟ قال: "أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي"، ومن الذي صلى في وقت من الأوقات بهذه الصلاة؟ فقبل أن يقول شيئًا قال "أشكرك"، فقد أوضح أنه لا يحتاج إلى صلاة، وقوله: "لأنك سمعت لي يوضح أنه ليس فاقدًا سلطانه، ولكن أظهر أنه مالك إرادة واحدة مع أبيه.
فإن قلت: لِم اتخذ شكل صلاة؟ قلت لك: لا تسمع الجواب مني لكن منه، القائل: "ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا أنك أرسلتني"، فقد وضع السبب الصادق لصلاته، لكي لا يظنوا أنه ضد الله، ولا يقولوا إنه ليس من الله[1219].
القديس يوحنا الذهبي الفم
"ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم:
لعازر هلم خارجًا". [43]
كان يمكنه أن يقيم حبيبه لعازر بكلمة هامسة أو في صمت، لكنه صرخ بصوتٍ عظيم مناديًا حبيبه: "لعازر هلم خارجًا". ذلك لكي يتأكد الحاضرون أنه أقامه بسلطانه الشخصي، لم يستخدم اسم آخر، إنما يأمر فيقوم الميت. ولعله صرخ بصوت عظيم ليدرك الحاضرون أن نفس لعازر لم تكن داخل القبر، بل يناديها السيد لتخرج من الجحيم، كما من مكانٍ بعيدٍ. أيضًا لكي يدرك الحاضرون أنه ذاك الذي قال بإشعياء النبي: "أنا الرب وليس آخر، لم أتكلم بالخفاء في مكان من الأرض مظلم" (إش ٤٥: ١٥: ١٦).
تكلم لكي ندرك أنه ذاك الذي في مجيئه الأخير يتكلم، فيسمع الأموات صوته ويحيون (يو ٥: ٢٥).
ناداه باسمه "لعازر" كمن يقيمه من نومٍ عميقٍ. يقول الله لموسى أنه يعرفه باسمه كعلامة اهتمامه به شخصيًا. لم يقل له "قم" بل "هلم خارجًا"، فحضرة المسيح واهب الحياة قدمت له الحياة، إنما صدر الأمر ليتحرك.
* لماذا صرخ بصوت عظيم كمن لم يرد أن يعمل بالروح ويأمر في صمت إلاَّ لأنه أراد أن يَظهر ما هو مكتوب: "في لحظة، في طرفة عين، عند البوق الأخير سيقوم من الأموات بغير فساد" (١ كو ١٥: ٥٢)؟ فإن رفع الصوت هو استجابة لدوي البوق. لقد صرخ "لعازر هلم خارجًا". لماذا أضاف الاسم إلاَّ لئلا يظن أحد أنه قام بدلًا من آخر، أو أن الإقامة تمت عرضًا وليس بالأمر[1220].
القديس أمبروسيوس
* لم يقل السيد المسيح للعازر: "باسم أبي هلم خارجًا"، ولا قال"أيها الآب أقمه"؟ لماذا لم يستخدم كل هذه التعبيرات، وبعدما أخذ شكل من يصلي أظهر بكل أعماله سلطانه المستقل؟ لأن هذا أيضًا هو جزء من حكمته، ليظهر بالكلمات تنازله، وبالأعمال السلطان... فإذ لم يكن هناك أي اتهام ضده سوى أنه ليس من عند الله، وبهذا خدعوا كثيرين، لهذا أكد ببراهين كثيرة هذه النقطة بأقواله وذلك من أجل ضعفاتهم. فقد كان في سلطانه بطرق أخرى أن يظهر في نفس الوقت اتفاقه مع الآب وإظهار كرامته، لكن الجموع لم تكن بعد قد ارتفعت بعد[1221].
* إنه لم يقل:"قم"، لكنه قال: "هلم خارجًا" مخاطبًا الميت كمن يخاطب حيًا، فما الذي يكون مساويًا لهذا السلطان؟
وإن كان قد فعل هذا بغير قوته، ماذا يكون له أكثر مما للرسل الذين قالوا: "لماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي؟" (أع ٣: ١٢)
لو أنه لم يعمل بقوته ولم يضف ما قاله الرسل عن أنفسهم لكانوا هم بالحقيقة حكماء أكثر منه، إذ يرفضون المجد. وفي موضع آخر يقولون لماذا يفعلون هذا؟ "نحن أيضًا بشر تحت الآلام مثلكم" (أع ١٤: ١٥). إذ لم يفعل الرسل شيئًا من أنفسهم لذلك تكلموا بهذه الطريقة، لكي يحثوا الناس على ذلك، أما بالنسبة له فعندما وُجدت مثل هذه الفكرة عنه، أما كان يجب عليه أن ينزع هذه الشكوك، لو أنه لم يفعل هذه بسلطانه؟
وإنما بالحقيقة فعل المسيح عكس ذلك عندما قال: "لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا" [٤٢]، لكي يؤمنوا أنه لا حاجة أن أصلي (أطلب)[1222].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* الآن ما هو: "هلم خارجًا" إلاَّ إظهار ما هو مخفي؟
من يعترف يخرج خارجًا.
"هلم خارجًا"؛ ما كان يمكنه فعل ذلك لو لم يكن حيًا، وما كان يمكنه أن يكون حيًا لو لم يقم مرة أخرى. لهذا ففي الاعتراف إذ يفهم الإنسان نفسه يمجد الله[1223]
* تأملوا حالة لعازر نفسه، فإنه خرج، ولكن بأربطته. كان حيًا بالفعل خلال الاعتراف، لكنه لم يصر حرًا بل كان متشابكًا إذ كان في أربطته. ماذا تفعل الكنيسة التي قيل لها: "ما تحلونه يكون محلولًا"، إلاَّ ما قاله الرب لتلاميذه: "حلوه ودعوه يمشي"؟[1224]
القديس أغسطينوس
* أتريد دليلًا أقوى على أن البعض يخلص بإيمان آخرين؟! لعازر مات، ومضى عليه يوم واثنان وثلاثة،وانحلت عضلاته ودب الفساد فعلًا في جسده. كيف يمكن لميت له أربعة أيام أن يؤمن، ويطلب بنفسه من المخلص؟
ولكن ما نقص عند الميت وُجد عند أختيه الحقيقيتين، فعندما أتى الرب سجدت الأخت أمامه. وعندما قال: "أين وضعتوه؟" أجابته: "يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام". فأجابها: "إن أمنتِ ترين مجد اللٌه" فكأنه يقول لها: ليكن عندك الإيمان الذي يقيم جثة الميت.
كان لإيمان الأختين قوة عظيمة هكذا حتى أعاد الميت من أبواب الجحيم!
إن كان للبشر بالإيمان، واحد لحساب الآخر، يمكن أن يقوم الميت، أما يكون النفع أعظمإن كان لك إيمان خالص لأجل نفسك؟!
بلى، حتى وإن كنت غير مؤمن أو قليل الإيمان فإن اللٌه محب البشر يتعطف عليك عند توبتك.
فمن جانبك، يليق بك أن تقول بذهن أمين: "اؤمن يا سيد، فأعن عدم إيماني" (مر 24:9).فإنك محتاجأن تقول مثل الرسول: "يا رب زد إيماننا[1225]". فإذ لك نصيب من جانبك، تتقبل النصيب الأعظم من اللٌه[1226].
القديس كيرلس الأورشليمي
* لما كان "الرب يحل المسجونين" (مز 7:146)، ويهب راحة لمنسحقي الروح والمرتعب من كلماته (إش 2:66)، ربما يقول لي أنا الراقد في قبر الخطية: "جيروم، هلم خارجًا"[1227].
* إذ لا أزال ملقيًا في مقبرة خطاياي، ومقيدًا بأربطة شروري، انتظر أمر الرب الوارد في الإنجيل: "جيروم، هلم خارجًا"[1228].
القديس جيروم
* يا من ترقد في ظلمة الضمير وفي فساد خطاياك كما في سجن الجريمة، هلم خارجًا. لتعلن عن خطاياك فتتبرر. "الفم يعترف به للخلاص" (رو 10:10). إن اعترفت عن دعوة المسيح فستنكسر القضبان، وتنحل كل سلسلة، بل وتزول نتانة الفساد الجسدي الخطيرة[1229].
القديس أمبروسيوس
"فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة،
ووجهه ملفوف بمنديل،
فقال لهم يسوع:
حلوه، ودعوه يذهب". [44]
كيف خرج لعازر وهو مربوط اليدين والرجلين؛ إنه خرج كمن يحبو أو يعرج، وكان محتاجًا إلى من يحل رباطات الأكفان من جسمه.
بلا شك أن إقامة لعازر من الأموات أحدثت ضجة عظيمة في كل أورشليم التي جاء إليها كثيرون للاستعداد لعيد الفصح. انه ليس بالحدث الطبيعي، ولا بالمعجزة التي سبق أن شاهدها أحد، خاصة بعد أن اشتموا رائحة الفساد التي حلت بالجثمان.
* يقول يوحنا الرسول عن لعازر: "فخرج الميت" لنرى في فعل السيد المسيح شاهدًا له بسلطانه. وقوله: "فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل"، لكي لا يُظن أن الفعل خيالًا. فإن خروجه مربوطًا يبدو أنه ليس بأقل عجبًا من قيامته. وقول السيد المسيح للجمع: "حلوه" فلكي إذا لمسوه واقتربوا منه يعرفون بالحقيقة أنه هو ذاك. وقول السيد المسيح: "ودعوه يذهب"، لتعرف عزمه الخالي من التفخيم، لأنه ما اتبعه ولا اقتاده، ولا أراد أن يمشي معه حتى يريهم إياه.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* يلزمنا أن نهتم بهذا أيضًا، أن نقدم عملًا لائقًا بيسوع، فليس فقط نصلي لكي يصير الميت حيًا، بل أيضًا نصرخ إليه وندعو ذاك الذي في داخل الكهف والقبر إلى الأمور الخارج من القبر.
يلزمنا أن ندرك أنه يوجد لعازر كثيرون حتى الآن بعد أن صاروا أصدقاء يسوع، مرضوا وماتوا، وكموتى صاروا في القبر في أرض الأموات مع الموتى، ومؤخرًا صاروا أحياء بصلاة يسوع، ودعوا ليخرجوا من القبر إلى الخارج بصوت يسوع العالي.
من يثق في يسوع يخرج بالأربطة الخاصة بالموت من خطاياه السالفة، لكنه لا يزال مربوطًا حول وجهه، فلا يقدر أن يرى، ولا أن يمشى، ولا أن يفعل شيئًا ما بسبب أربطة الموت، حتى يأمر يسوع القادرين لكل يحلوه ويدعوه يمشي.[1230]
* مثل هذا يخرج من أجل صوت يسوع، لكنه لا يزال مربوطًا برباطات خطاياه. إنه حي، لأنه تاب وسمع صوت يسوع، لكنه إذ لم يتحرر بعد من رباطات الخطية لا يقدر أن يسير في الحال بقدمين متحررتين، وبكونه لم يتحرر ليتمم الأمور الفائقة فقد ارتبطت يداه وقدماه بأربطة كأربطة الموتى.
مثل هذا الإنسان بسبب الموت الذي فيه ملتصقًا بأربطة يديه وقدميه تغطى وجهه بالجهالة، وارتبط به حوله.
لهذا فإن يسوع لا يرغب فيه أن يعيش فحسب ويبقى في القبر ويكون مربوطًا عن أمور الحياة التي في خارج القبر... لذلك يقول يسوع للقادرين أن يخدموه: "حلوه ودعوه يمشي"[٤٤][1231].
العلامة أوريجينوس