يوحنا 20 - تفسير إنجيل يوحنا
القيامة: اليوم الأول والثامن معًا
المسيح القائم من الأموات الجزء(3)للقمص تادرس يعقوب ملطي
4. لقاؤه مع تلاميذه الأحد مساءً
"ولما كانت عشية ذلك اليوم وهوأول الآسبوع،
وكانت الأبواب مغلقة،
حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود،
جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم:
سلام لكم". [19]
لم نسمع أن اليهود أرادوا الانتقام من التلاميذ في ذلك الحين، لكن بسبب ضعف إيمانهم ظنوا أنه بعد صلب السيد ودفنه يأتي الدور عليهم. مع أن اليهود لم يقتربوا إليهم منذ قال لهم: "دعوهم يمضوا" (يو ١٨: ٨). فقد كان هدف القادة هو "يسوع" نفسه، لذا فلا قيمة للتحرك ضد أتباعه مادام هو نفسه قد مات في عارٍ على الصليب ولم يعد له وجود. حسبوا أن الأمر ليس بذي قيمة.
ظهور السيد المسيح في وسطهم والأبواب مغلقه لم يكن بعملٍ معجزي، لأن هذه هي طبيعة الجسم القائم من الأموات، لن تستطيع المادة أن تعوقه. إنما ما أراد تأكيده فهو أنه قام بذات الجسم، لكنه جسم ممجد. لم تكن قيامته تعني عودته إلى الحياة العادية على الأرض، بل هي انطلاق بالمؤمنين وصعوده بهم إلى حضن الآب.
لم نجد كلمة "الأبواب" بالجمع إلا في يوحنا، ولعله كان للعلية أكثر من باب، أو ربما يقصد أن باب البيت كان مغلقا كما كان باب العلية، إذ كان التلاميذ في رعبٍ، فلم يكتفوا بغلق باب البيت الخارجي.
في الأناجيل الأخرى ابرز الإنجيليون أن التلاميذ كانوا في خوفٍ بعد القيامة مباشرة، إذ لم يكن بالأمر الهين أن يروا من مات ودفن لا يزال حيُا يظهر لهم. أما هنا فكشف الإنجيلي يوحنا عن سبب آخر لخوفهم وهو "اليهود". لقد شعر التلاميذ أن حياتهم معرضة لخطرٍ حقيقي حتى بعد قيامته، إذ خشوا أن تُوجه إليهم تهمة سرقة الجسد.
ظهر لتلاميذه في أول سبت مسيحي لكي يبارك هذا اليوم ويقدسه.
اجتمع التلاميذ ربما للصلاة والعبادة، وربما للحوار بخصوص الأحداث الجارية في ذات اليوم، حيث أكدت النسوة وبطرس ويوحنا أن القبر فارغ، وروت المجدلية لقاءها معه، وأبلغتهم رسالته التي عهدها بها، هذا وقد ظهر للنسوة في ذات اليوم (مت ٢٨: ٩)، كما ظهر لتلميذي عمواس في الطريق وتحدث معهما، وفتح أذهانهما وألهب قلبيهما بالحب (لو ٢٤: ١٣) الخ.
ولعلهم اجتمعوا للصلاة خشية القبض عليهم لأن اليهود ادعوا أن تلاميذه جاءوا ليلًا وسرقوا الجسد. على أي الأحوال فقد عرف التلاميذ أن يجتمعوا معًا في لحظات الضيق للصلاة.
قوله لهم: "سلام لكم" [١٩] لم تكن كلمتين مجردتين كالتحية المعتادة بين الأصدقاء بل كانت بركة غير عادية تحمل قوة وتقدم ثمر القيامة: السلام الداخلي مع الله، ومع الإنسان نفسه كما مع إخوته؛ سلام في المسيح وليس سلام العالم الباطل.
* المسيح نفسه بتول، وأمه أيضًا عذراء، نعم مع أنها أمٌ لكنها بقيت عذراء. فقد دخل يسوع والأبواب مغلقة (يو 19:20). وفي قبره قُطع قبر جديد من صخرة صلبة للغاية، لم يرقد فيه أحد قبله ولا بعده (يو 41:19). مريم هي جنّة مغلقة... ينبوع مختوم" (نش 12:4). وكما جاء في يوئيل (18:3LXX) من هذا الينبوع يفيض النهر بمياهه[1913].
القديس جيروم
* بالحقيقة استطاع الدخول من الأبواب دون فتحها ذاك الذي بميلاده بقيت بتولية أمه لا تُمس[1914].
القديس أغسطينوس
* كان التلاميذ مجتمعين والأبواب مغلقة بسبب الخوف من اليهود (يو 19:20). فمن يقطن آمنا في مدينة الرؤيا في غلبة التأمل المقدس خائفًا من الأرواح الشريرة، مغلقًا على حواسه، يتقبل كلمة اللّه. فتأتي إليه بطريقة خفية، وتظهر له بطريق غير الحواس، معلنة له السلام، وواهبة إياه هدوءً، معطية إياه أن يكون عديم الشهوات... وإذ تتنسم فيه تهبه مواهب الروح القدس العديدة، وتعطيه سلطانًا على الأرواح الشريرة وتظهر له علامات الأسرار الإلهية.
القديس مرقس الناسك
"ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه،
ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب". [20]
بدخوله والأبواب مغلقة أكد لهم السيد المسيح أن جسده القائم من الأموات له طبيعة جديدة. والآن يؤكد لهم أنه ذات الجسد، إذ يحمل ذات جراحات الصليب، لكنه جسد مجيد.
تحدث المسيح القائم من الأموات بفمه، فأعطاهم سلامًا جديدًا فائقًا، وتحدث معهم بجراحاته التي في يديه وجنبه، فوهبهم فرحًا فريدًا بحضرته في وسطهم. أراهم يديه وجنبه ليطمئنوا أنه يسوع المصلوب نفسه بذات الجسد. لقد ترك آثار الجراحات شهادة حية لقيامته، وتبقى هذه الجراحات في الأبدية مصدر فرح ومجد، كعلامة حب إلهي عجيب لا ينقطع لخلاص البشرية لقد وضع حجابًا على بهاء مجد جسده القائم من الأموات حتى يمكنهم معاينته والتحدث معه.
يبقى السيد المسيح يبسط يديه ويكشف عن جنبه ويحتضننا بحبه ويروينا من ينبوع دمه العجيب، فنعلم أنه مادام هو حي فنحن بصليبه أحياء. لن يقدر الموت أن يحطمنا! جراحات صليبه هي لغة الحب القادرة أن تنزع منا الخوف من العالم، وتهبنا فرحًا داخليًا فائقًا.
إنه دومًا يفتح بصيرتنا بجراحات صليبه، فندرك أننا لسنا نتمتع برؤيا فحسب، بل نتمتع بحضرته في وسطنا.
* بالتأكيد سيبقى كيان الأجسام القائمة من الأموات كما هو الآن، وإن كانت ستصير في مجدٍ سامٍ. لأن المخلص بعد نزوله إلى الجحيم كان له ذات الجسد الذي صُلب، إذ أَظهر للتلاميذ آثار المسامير في يديه والجراحات في جنبه.
إن أنكرنا هويّة جسده لأنه دخل والأبواب مغلقة، وأن هذا ليس من طبيعة الأجسام البشرية، يلزمنا إذن أن ننكر أيضًا أنه كان لبطرس وللرب جسدين حقيقيين لأنهما سارا على المياه، وهذا مخالف للطبيعة (مت 30:22)[1915].
القديس جيروم
ما هي سمات الجسد المُقام من الأموات؟
يماثل الجسد المقام من الأموات جسد السيد المسيح بعد قيامته، الذي خرج والحجر موضوع، ودخل العلية والأبواب مغلقة (يو 19:20-20)، إنه يعلو على الزمان والمكان والحدود المادية والحجب. أنه الجسد الأمثل في تعاونه مع النفس، لينطلق الإنسان نحو الله في شركةٍ مجيدةٍ مع رؤية ولقاء وجهًا لوجه! هذا لا يعني أنه جسد آخر غير الذي لنا، إنما هو بذاته لابسًا عدم الفساد (1 كو 53:15).
يُعالج القديس أغسطينوس هذه المشكلة "طبيعة الجسد المُقام" بحذر، إذ يقول: [على أي الأحوال، أيا كانت طبيعة الجسد الروحاني، ومهما كانت عظمة نعمته، أخشى أن أتحدث في هذا، لأننا لازلنا لا نحمل أية خبرة بخصوص هذه الحقيقة[1916].]
يتسم الجسد المُقام بالآتي:
1. يصير الجسد البشري بعد القيامة روحانيًا، لكن يُمكن التعرف عليه وتمييزه عن بقية الأجساد. أوضح القديس أن تعبير "الجسم السماوي" يلزم ألا يعني إنكار الطبيعة الجسمانية الحقة للجسم الروحي[1917]. [لا يعني "الجسد الروحاني" أنه ليس جسدًا بعد، وإنما كما أن "الجسد الحي" يعني "الحياة"… "الجسد الروحاني" يعني "جسدًا مطيعًا للروح"[1918].]
2. إنه ذات الجسد الذي لنا، لكنه سيتحول بالكامل إلى عدم الفساد. لا يحمل الجسد القادم ما في الجسد من نقائص أو عيوب [سيتحول تمامًا إلى الأفضل في وقت القيامة[1919].]
3. تبقى جراحات الاستشهاد فيه، لا كعيوبٍ خلقية بل كعلامات ظاهرة تكشف عن سرّ حب الشهداء الشديد للسيد المسيح. ستكون للمجد والكرامة، وليس كنقائصٍ وعيوبٍ في الجسد[1920].
4. جسد ممجد يشبه جسد المسيحالقائم من الأموات.
5. [إنه من الممكن والمعقول أننا سنرى السماوات الجديدة والأرض الجديدة، بطريقة بها أينما حوّلنا أعيننا نرى الله بأكثر وضوح، حاضرًا في كل مكان، مدبرًا كل المسكونة[1921].]
6. يقدم لنا مفهوم الجسد الروحاني أنه لا يعود يشغلنا عن التأمل في الله، ولا يكون عائقًا للنفس بل خاضعُا لها. فالأمر الهام جدًا في رأي القديس أغسطينوس أنه لن تكون بعد أية مقاومة بين النفس والجسد، فإن الجسد المُقام يتجاوب مع الروح. [نفس الجسد الذي يعذبنا حتى نبقى في الخطية، سيكون خاضعًا لنا في القيامة، ويكف عن أن يتعبنا بالعوائق التي يضعها لنا في طريقنا ونحن نحفظ شريعة الله والوصايا الإلهية[1922].]
في كتابه "مدينة الله" يقول بأكثر تدقيق: [سيخضع الجسم الروحاني للروح، لكنه يبقى جسمًا لا روحًا. كما في هذه الحياة تخضع الروح الجسدانية نفسها للجسد لكنها تبقى روحًا وليست جسدًا[1923].] هكذا عوض الصراع بين النفس والجسد سيكون في الحياة العتيدة اتحاد كامل بطبيعة روحية لا يكون لدى الجسم أية ثورة ضد النفس. وكما يقول القديس أغسطينوس: [لماذا يُقال جسم روحي، أيها العزيز المحبوب، إلا لأنه لا يفشل في الخضوع للروح؟ سوف لا يكون فيك شيء في صراع معك، ولا يكون فيك تمرد عليك. لا يعود يوجد ما يرثيه الرسول بقوله: "الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد" (غلا 17:5)[1924].]
* لا بتدمير تركيب الخليقة ولا جوهرها. إنما فقط الشكل الخارجي لهذا العالم هو الذي يمضي، أي الحالات الناجمة عن السقوط. وعندما يمضى هذا الشكل الخارجي، يتجدد الإنسان ويزدهر في أصالة الحياة غير الفاسدة. لن يعود ممكنًا له أن يشيخ. وسوف تكون "سماء جديدة وأرض جديدة" (رؤ 1:21). في هذه السماء الجديدة والأرض الجديدة يسكن الإنسان جديدًا إلي الأبد، متحدثًا مع الله إلي الأبد[1925].
القديس ايريناؤس
* إذًا قام ربنا بنفس الجسد الذي دُفن به. وقد أخذ المسيحيون وعدًا بالقيامة.نحن نأمل في قيامة مماثلة لقيامة ربنا التي سبقت كل إيماننا، لأن قيامته جاءت حتى تصير الأساس لإيماننا. ولكن لماذا؟ حتى إننا بعد القيامة لا نكون كما نحن الآن؟ قام ربنا يسوع المسيح بجسده وصعد إلى السماوات. حين كان المسيح بجسده على الأرض حمل في جسده الوظائف البشرية حتى يثبت أن ما دفن هو الذي قام. ولكن هل ستكون هناك حاجة للطعام في السماء؟ لأننا قرأنا أن ملائكة قد ظهروا على الأرض في هيئة رجال (تك 9:17)، جاءوا إلى إبراهيم، وأكلوا معه، والملاك الذي ظهر لطوبيا أكل معه. هل نقول إنهم أكلوا ظاهريًا وليس فعليًا؟ أليس أن إبراهيم ذبح عجلًا بالحقيقة، وعمل خبزًا، ووضعهما على المائدة؟ وقدم الطعام للملائكة فأكلوا؟ (تك 1:18-9)[1926]
القديس أغسطينوس
* الله المحب الرحوم أطلق بنفسه الجسد من أسره، وحرره من عبودية الهلاك، العبودية المرة المميتة، ومنحه الخلود في الأبدية. بذلك منح الجسد البشري عطية الأبدية المقدسة، فجعله خالدًا غير مائتٍ إلى الأبد[1927].
القديس إكليمنضس السكندري
"فقال لهم يسوع أيضًا:
سلام لكم، كماأرسلني الآبأرسلكم أنا". [21]
عاد يؤكد لهم عطيته "سلام لكم" [٢١]، لكي خلال هذه العطية يتأهلوا لإرسالية سماوية، بسلطان علوي، يبشرون بأخبار القيامة المفرحة، كسفراء عن السلام الداخلي. إذ يصيرون أعضاء جسد المسيح القائم من الأموات يعمل الرأس فيهم، حتى
يشهدوا للعالم بالحياة المُقامة التي يمارسونها في الروح القدس.
* ما قاله قبل الصلب: "سأراكم فتفرح قلوبكم، ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحكم منكم" (16 :22) قد تحقق الآن عمليًا. هذا كله دفعهم إلى الإيمان الصادق... هذه هي أول الكلمات التي قالها لهم بعد القيامة[1928].
القديس يوحنا الذهبي الفم
"ولما قال هذا نفخ، وقال لهم:
اقبلوا الروح القدس". [22]
قدم لهم الروح القدس للمرة الأولى في عشية اليوم الأول من قيامته، وجاء ذلك تتويجًا لما بدأ يبزغ في السحر. سبق ذلك عيد العنصرة مما يثير الكثيرين للتساؤل عن الفارق بين إعطائه الروح القدس هنا وإرساله في عيد العنصرة.
يندر وجود فعل نفخemphyso في الكتاب المقدس، لكننا نجده في سفر التكوين، وهو لا يخلو من مدلول، بعد أن كان الروح يرف على وجه المياه فنفخ اللَّه في أنف آدم نسمة حياة، فصار آدم نفسًا حيّة (تك 7:2). وجاء أيضًا في حزقيال عندما تقاربت عظام الموتى وهبّت (نفخت) الروح فيها فحييت (حز 9:37). يُفهم من هذا أنه تدشين الخلق الجديد الذي يتحقق بنفخة الروح المُعطى للتلاميذ. يمكن القول أنها إرسالية غايتها أن يعمل التلاميذ بالروح القدس ليتمتع العالم بالخليقة الجديدة أو الحياة المُقامة. وهبهم نفخة الروح القدس لينالوا إمكانية العمل الرسولي والخدمة. سبق فنفخ في التراب فجعل من آدم نسمة حية، الآن نفخ في وجوههم ليقيم فيهم الإنسان الجديد ويتمتعوا بعطية الروح العامل فيهم وبهم.
يقول الأب مكسيموس المعترف: [بما أننا اعتمدنا في المسيح بالروح، (أي أننا اشتركنا في موت المسيح وقيامته) نلنا الانعتاق الأول من فساد الجسد في المسيح بالروح. ولكننا ننتظر الانعتاق الأخير... في الروح.]
* إننا نعلم أنه فقط في الكنيسة - مع الأساقفة - المؤسسة على النظام الإنجيلي والسيامة في الرب يحق العماد وغفران الخطايا، وبدون هذا لا يمكن الربط والحل حيث لا يوجد من يقرر أن يفعل ذلك[1929].
* أُعطي سلطان غفران الخطايا للرسل وللكنائس التي أُرسل إليها هؤلاء الرجال بواسطة المسيح ليؤسسوها، وللأساقفة الذين خلفوهم بواسطة سيامتهم كهنة[1930].
الشهيد كبريانوس
* انظروا أن الخطايا تغفر بالروح القدس، أما البشر فيستخدمون خدمتهم لغفران الخطايا، إنهم لا يمارسون حقًا خاصًا بسلطانٍ من ذواتهم. إذ هم لا يغفرون الخطايا باسمهم بل باسم الآب والابن والروح القدس. يسألون اللاهوت أن يهب؛ فالخدمة من جانب الإنسان والعطية من سلطان العليّ[1931].
القديس أمبروسيوس
* لماذا أُعطى الروح القدس للتلاميذ أولًا على الأرض، ومؤخرًا نازلًا من السماء؟ لأنه توجد وصيتان للحب، أي حب الله وحب القريب. عطية الروح على الأرض لتجلب حب القريب، والعطية التي من السماء لتجلب حب الله.
كما يوجد حب واحد مع وصيتين، هكذا يوجد الروح الواحد مع عطيتين.
العطية الأولى قدمها الرب حين كان ساكنًا على الأرض، والثانية من السماء. لأنه من محبة القريب نتعلم كيف نبلغ إلى محبة الله. بالحق هو الروح القدس الواحد كان حاضرًا في قلوب التلاميذ مبكرًا لكي يهبهم الإيمان، ولكن لم يكن بعد قد أُعطى بمنحة واضحة إلى ما بعد القيامة.
لذلك كُتب: "لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد، لأن يسوع لم يكن قد مُجد بعد " (يو 7 :39)... يليق بنا أن نتأكد أن الذين كان لهم الروح القدس فعلًا... قبلوه علانية بعد قيامة الرب، حتى يستطيعوا أن يعينوا ليس فقط قلة بل كثيرين[1932].
البابا غريغوريوس (الكبير)
"من غفرتم خطاياه تغفر له،
ومَنْ أمسكتم خطاياه أُمسكت". [23]
ربنايسوع يغفر الخطايا (كما يخرج الشياطين) بروحه القدوس، ويظهر ذلك من قوله لتلاميذه بعد القيامة: "اقبلوا الروح القدس"، مكملًا قوله: "من غفرتم خطاياه تُغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" [22-23).
* عمل الكاهن هو عطية الروح القدس، وحقه أن يغفر الخطية (بالروح القدس) وأن يمسكها[1933].
القديس أمبروسيوس
* كملكٍ أرسلهم حكامًا، معطيًا إياهم سلطانًا أن يلقوا في السجن أو أن يُخرجوا منه، هكذا إذ أرسلهم قلدهم ذات السلطان[1934].
القديس يوحنا الذهبي الفم
يحذر البابا غريغوريوس (الكبير) من إساءة استخدام هذا السلطان، حيث يمارسونه حسب هواهم، وليس حسب شخصية من يخضعون له، فينطبق عليهم القول: "لإماتة نفوس لا ينبغي أن تموت، واستحياء نفوسِ لا ينبغي أن تحيا" (حز 13: 19)[1935].
"أما توما أحد الاثني عشر الذي يقال له التوأم،
فلم يكن معهم حين جاء يسوع". [24]
اتسم توما بالصراحة الكاملة، فمع ذروة إعلانات اليوم الأول التي كان غايتها جذب هذا العالم للتمتع بخبرة القيامة، كان قرار توما صريحًا أنه لا يؤمن ما لم يبصر في يدي يسوع أثر المسامير، ويضع إصبعه في أثر المسامير وفي جنبه [25].
غياب توما عن الاجتماع مع التلاميذ حرمه من فرصة ذهبية لرؤية السيد المسيح والاستماع إلى كلماته ونوال بركته. ربما كان لتوما عذره في الغياب لسبب صحي أو سبب آخر، لكن أي عذر له أن يرفض شهادة إخوته أنهم رأوا الرب.
* نحن لا نقيم الصلوات وقوفًا يوم الأحد أول الأسبوع بدون سبب. ليس فقط لأننا قائمون مع المسيح، ونطلب ما هو فوق ممتدين إليه، بل أيضًا لأن هذا اليوم إنما هو بشكل ما صورة الدهر الآتي. ولأجل ذلك أيضًا إذ هو مبدأ الأيام لا يُسمى أولًا بل واحدًا، فموسى يردد قائلًا: "كان مساء وكان صباح".
القديس باسيليوس الكبير
* إن ذاك الأحد (يوم الفصح) كان أحد الخلاص؛ أما هذا (اليوم الثامن بعده والذي ندعوه أحد توما) فهو ذكرى الخلاص وتثبيت الخلاص. ذاك كان الحد الفاصل بين القبر والقيامة. أما هذا فليس سوى يوم اللَّه للخلق، فكما بدأ الخلق الأول يوم أحد، يبدأ الخلق الثاني أيضًا في اليوم عينه، الذي هو في الوقت نفسه أول (نسبة للأيام التي تليه) وثامن (نسبة للأيام التي تسبقه)... يعود إلى الحياة التي فوق.
القديس غريغوريوس النزينزي
"فقال له التلاميذ الآخرون:
قد رأينا الرب.
فقال لهم: إن لم أبصر في يديه أثر المسامير،
وأضع إصبعي فيأثر المسامير،
وأضع يدي في جنبه،
لا أؤمن". [25]
هكذا قدم لنا الإنجيلي اليوم الأول للقيامة واليوم الثامن في وحدتهما الحميمة. يلتقي السيد بالتلاميذ في اليومين بطريقة متشابهة. الآن يوجه الإنجيلي نظرنا إلى الجراحات حتى يصرخ كل إنسان مع توما: "ربي وإلهي".
* لم يصدق توما الرسل عندما قالوا له: "قد رأينا الرب" ليس لأنه لم يثق فيهم، فإنه لم ينكر تمامًا ولا حسب القيامة من بين الأموات ممتنعة، لأنه لم يقل: "لست أصدقكم"، لكنه قال: "إن لم أبصر في يديه أثر المسامير، وأضع يدي في جنبه لا أؤمن[1936]".
القديس يوحنا الذهبي الفم