القديس البتول مار مرقس الإنجيلي كاروز الديار المصرية الجزء (1)
1 . المقدمة
إننا مدينون بإيماننا لهذا القديس العظيم الذي كرز في بلادنا باسم المسيح، وسفك دمه الطاهر على أرضنا من أجل توصيل كلمة الرب إلينا.
ونحن مدينون أيضًا لهذا القديس الذي كان أول من كتب لنا إنجيلًا يسجل فيه حياة السيد المسيح وأعماله وفداءه للبشرية.
ونحن مدينون لهذا القديس الذي تسمت أول كنيسة في بلادنا على اسمه، وفيها دفن جسده الطاهر، ومن عند ذلك الجسد كان الباركة يختارون. وكان أول عمل لهم هو التبرك بقبره، واحتضان رأسه الطاهرة وإلباسها كسوة جديدة.
هذا القديس العظيم الذي بشر باسم المسيح في مصر، وفي ليبيا، وفي قبرص، وفي بعض بلاد آسيا، وفي رومه وبعض بلاد أوروبا، وتكرمه كثيرًا فينيسيا، وتلمس بركاته مدن وبلاد عديدة.
هذا الرسول، والكاروز، والإنجيلي، والشهيد، ناظر الإله، الذي كان بيته أول كنيسة في العالم (أع 12: 12) وفي بيته أسس الرب سر الافخارستيا وفيه أيضًا حل الروح القدس على التلاميذ.
هذا القديس، صانع الكثير من المعجزات، الذي يرمز إليه بأسد، وهذا الأسد أيضًا هو رمز إنجيله وطابعه..
كم كان أشد تقصيرنا نحو هذا القديس في الماضي.. ولكننا الآن نحاول بكل ما نستطيع أن نكرمه من كل قلوبنا، كأب لجميعنا..
استقبلنا رفاته باحتفال عظيم، وبنينا الكائدرائية الكبرى على اسمه، وكثرت على اسمه الكنائس الجديدة في كل موضع، وبخاصة في بلاد المهجر، حيث يفتخر أبناؤنا في الخارج بأنهم أبناء هذا الكاروز العظيم...
وأطلق اسمه على أول أسقف لنا في فرنسا.
وأصبحت أعياده ذكرى طيبة تبعث في القلب إحساسات عميقة..
على أن أجمل ما نقدمه لهذا الكاروز العظيم، هو أن نتبع طريقه، ونكمل عمله في الكرازة والتبشير، متذكرين جهاده من أجل الإيمان، وأسفاره الكثيرة، وخدماته في قارات العالم الثلاث المعروفة وقتذاك، وتعبه وهو يسير المسافات الطويلة ماشيًا على قدميه، حتى تمزق حذاؤه..
فلتكن روحه معنا، وليعطنا الرب أن نسير مع هذا الرسول على الطريق. فلا نفتخر باطلًا بأننا أبناء القديسين، دون أن نعمل عملهم، مكملين رسالتهم..
********** نشأة مارمرقس
2- يهودي له صفة أممية
القديس مرقس هو يهودي من سبط لاوي، بشر بين اليهود والأمم، وبين الأمم بالأكثر.
وهو يحمل اسمين: اسمًا يهوديًا (يوحنا)، واسمًا أمميًا (مرقس)، واسمه الأممي هو الأكثر شهرة.
وعلى الرغم من أنه يهودي الأصل، إلا أنه ولد في إقليم أممي، في قارة أفريقيا. فهو إذن رسول لأفريقي المولد، ولد في كيرين (القيروان) Gyrene إحدى الخمس مدن الغربية في إقليم ليبيا، بلدة تدعى أبرياتولس
3- اسمان لمارمرقس
اسمه اليهودي (يوحنا) معناه الله حنان أو الله حنون (3) وقد دعى بهذا الاسم وحده في موضعين من سفر أعمال الرسل (أع 13: 5، 13).
واسمه الروماني (مرقس) معناه (مطرقة) (4). ولم يكن هذا الاسم مألوفًا بين اليهود (5) وتاريخ يوسيفوس كله لم يذكر فيه بهذا الاسم سوى يهودي واحد هو ابن أخلا فيلة (6) وقد دعى رسولنا باسم مرقس وحده في كل رسائل القديس بولس (كو 4: 10، في 24، 2تى 4: 11). والقديس بطرس (1بط 5: 13) وفى سفر أعمال الرسل (أع 15: 39).
على انه في ثلاثة شواهد من سفر أعمال الرسل (أع 12: 12، أع 12: 25، أع 15: 37) اجتمع له الاسمان معًا، أو الاسم واللقب. فقيل عنه (يوحنا الملقب مرقس) أو يوحنا الذي يدعى مرقس).
4- أسرة متدينة
نشأ مرقس في أسرة متدينة، كان لكثير من أفرادها صلة بالسيد المسيح نفسه.
فأمه مريم، كانت إحدى المريمات اللائي تبعن المسيح. وكانت إحدى المريمات اللائي ذهبن إلى القبر. وكان بيتها مكانًا لصلاة المؤمنين واجتماعاتهم في عصر الرسل (أع 12: 12) وكانت هذه المرأة التقية ذات اعتبار بين المسيحيين الأولين (7).
وأبوه ارسطوبولس هو إبن عم أو ابن عمة زوجة بطرس الرسول.
والقديس مرقس يمت أيضًا بصلة قرابة للقديس برنابا الرسول
أحد التلاميذ السبعين (8) وفي ذلك قال بولس الرسول لأهل كولوسى: (يسلم عليكم أرسترخس المأسور معى، ومرقس إبن أخت برنابا) (كو 4: 10) غير أن بعض الترجمات اليونانية واللاتينية والقبطية لا تذكر عبارة (إبن أخت برنابا) وإنما (إبن عم برنابا) (9) ولعل السبب في هذا هو إتساع بعض الكلمات اليونانية لأكثر من معنى.. والأنبا يوساب أسقف فوه في كتابه (تاريخ البطاركة) يذكر أن مارمرقس يمت أيضًا بصلة قرابة لتوما الرسول..
هذه الأسرة المتدينة ذات الصلة الوطيدة بالسيد المسيح، أوجدت وسطًا دينيًا صالحًا نشأ فيه الشاب مرقس.
وقد ذكر الأنبا ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين في تاريخه المشهور لبطاركة الإسكندرية. أن مرقس الرسول ولد من أبوين تقيين عارفين بالناموس والأنبياء.
أما خاله (أو إبن عمه) برنابا، فكان من أول الذين باعوا أملاكهم وعاشوا حياة الشركة مع الرسل. وفي ذلك يقول الكتاب: (ويوسف الذي دعى من الرسل برنابا الذي يترجم إبن الوعظ وهو لاوى (10) قبرص الجنس، إذ كان له حقل باعه وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل) (أع 4: 36) وقد شهد له سفر أعمال الرسل بأنه: (كان رجلًا صالحًا وممتلئًا من الروح القدس والإيمان) (أع 11: 24) وقد أختاره الروح القدس لعمل الكرازة مع بولس، حينما قال الروح للرسل: (افرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه) (أع 13: 2)
مع برنابا هذا، المملوء من الروح القدس والإيمان، ومع بولس العظيم خدم يوحنا مرقس. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وعلى حد تعبير الكتاب: (وكان معهما يوحنا خادمًا) (وكان معهما يوحنا خادمًا) (أع 13: 5).
5- مولده ونشأته
ولد يوحنا في القيروان في الخمس مدن الغربية، حيث كان يعيش أبوه وعمه. وكانا غنين ويشتغلان بالزراعة. كما كانت أمه موسرة، لذلك أحسنت تثقيفه، وعلمته اللغات اليونانية واللاتينية، فدرس كتب الناموس والأنبياء. ولعله بسبب هذه الثقافة الواسعة التي تمتع بها مرقس يظن البعض أنه مترجمًا لبطرس الرسول في كرازته (!!) مما سنرجع إليه فيما بعد.
ويقول التاريخ أن بعض القبائل الهمجية المتبررة هجمت على أملاك أسرته في القيروان ونهبتها، وكان ذلك في عهد أوغسطوس قيصر، فاضطرت هذه الأسرة الصالحة إلى الهجرة، فهاجرت إلى فلسطين. وكانت قد استقرت هناك عندما بدأ السيد المسيح خدمته (13).
وهكذا رأى مرقس السيد المسيح، وانضم إليه، وصار من تلاميذه. وكذلك تبعت الرب مريم أم مرقس، واستضافته في بيتها، وكانت من النسوة اللائي خدمته.
ويقول التقليد إن مرقس اشترك في عرس قانا الجليل حيث عمل الرب أولى معجزاته (يو 2) وكان من التلاميذ الذين استقوا من الماء خمرًا (14).
6- بيت مارمرقس أول كنيسة مسيحية
لا يوجد بيت نال شهرة أكثر من بيت مارمرقس: فيه أكل السيد المسيح الفصح مع تلاميذه الأطهار، وفيه غسل أرجلهم، وفيه أعطاهم عهده جسده ودمه الأقدسين. وفيه اختفى قبيل القيامة. وفيه حل الروح القدس على التلاميذ وتكلموا بألسنة. كما كان هذا البيت العظيم هو أول كنيسة مسيحية في العالم. وإحدى قاعاته هي علية صهيون المشهورة..
وكما تورد هذه الحقائق جميعًا، كل مراجعنا القبطية التاريخية، كذلك تؤكدها كتب الكاثوليك والبروتستانت وكافة الطوائف الأخرى.
ومن الشهادات على هذا ما ذكره الأب بول دورليان شينو في كتابه (قديسو مصر) حيث قال: إن مرقس عرف باسم ابن مريم [جارة ومضيفة المسيح] وإن [بيت مريم حيث أحتفل بالفصح الأخير (15) كان على جبل صهيون على صخرة كبيرة].
ومن الشهادات الواضحة ما سجله الكاردينال بارونيوس (من أشهر علماء الكاثوليك في القرن 16) حيث قال عن بيت مارمرقس إنه: [كان محط رحال المسيح وتلاميذه: ففيه أكل الفصح معهم، وفيه اختفوا بعد موته، وفى علية منه حل عليهم الروح القدس. وقد كان هذا البيت أول كنيسة مسيحية] (16)
وهذه الحقيقة عينها يذكرها ثيئودسيوس من كتاب القرن السادس في كتابه عن الأرض المقدسة الذي نشره Gildemeister وأسمه:
De Situ Terrae Sanctae (43 p. 20).
وقالت دائرة المعارف البريطانية (17) أن بيت مارمرقس كان مركزًا للحياة المسيحية في أورشليم.
ولأن السيد المسيح صنع الفصح في بيت مارمرقس، لذلك أجمع العلماء على أن مارمرقس كان هو الرجل حامل جرة الماء الذي عناه الرب بقوله لتلميذيه: (اذهبا إلى المدينة، فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء. اتبعاه. وحيثما يدخل فقولا لرب البيت: إن المعلم يقول أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي. فهو يريكما علية كبيرة مفروشة معدة) (مر 14: 13 15؛ لو 22: 10 12).
وقد أشار إلى هذا الأمر الكسندر من كتاب القرن السادس في كتابه Landrtio Barnabaoe 13 p. 440.
هذه العلية التي في بيت مرقس، هي التي كان يجتمع فيها تلاميذ الرب (يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته) وهى التي قصدها الكتاب بقوله: (ولما دخلوا صعدوا العلية التي كانوا يقيمون فيها..) (أع 1: 13، 14).
وفى هذه العلية حيث كانوا مجتمعين، حل عليهم الروح القدس (أع 2: 1 4) (وملأ كل البيت).. (وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بألسنة..) وبالتالي يكون هذا البيت المقدس قد هد بدء قيام الكنيسة الأولى..
لذلك ليس عجيبًا أن يكرس هذا البيت للرب ويصبح أول كنيسة. وهكذا عندما خرج بطرس من السجن بواسطة الملاك، لجأ إلى هذا البيت مباشرة. وكما يقول عنه الكتاب: (جاء وهو متنبه إلى بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس، حيث كان كثيرون مجتمعين وهم يصلون) (أع 12: 12) (18)
هذه البيئة الروحية العجيبة؛ أي إنسان تقدمه لخدمة الرب؟! إنسان ينشأ في حضن هذه الأم القديسة، ووسط أقارب من رسل المسي، وفى هذا البيت الذي دخله الرب، وقدم فيه جسده ودمه، والذي ملأه الروح القدس..
أى إنسان تقدمه هذه البيئة سوى ناظر الإله ما رمرقس الإنجيلى، الذي انضم إلى تلمذة الرب، وصار من خاصته، وأختاره الرب ضمن تلاميذه السبعين..